دور المواطنة الرقميّة في تعزيز التعليم: تحدّيات وفرص
دور المواطنة الرقميّة في تعزيز التعليم: تحدّيات وفرص
2025/06/22
نسرين كزبور | باحثة ومدرّبة تربويّة ومعلّمة رياضيّات- لبنان

يعدُّ الوعي بالمواطنة الرقميّة في عصر التكنولوجيا المتطوّرة، من المهارات الرقميّة الضروريّة لنجاح الفرد في مجتمع يتسارع تطوّره. فالمواطنة الرقميّة هي القدرة على المشاركة الإيجابيّة والنقديّة في البيئة الرقميّة، بالاعتماد على مهارات التواصل والإبداع الفعّال، لممارسة أشكال المشاركة الاجتماعيّة التي تحترم حقوق الإنسان، في ظلّ هذا التطوّر الكبير في عالم الإنترنت. وهي تشمل مجموعة كبيرة من الكفاءات والعديد من السمات والسلوكيّات التي تسخِّر الفوائد والفرص التي يوفّرها عالم الإنترنت. فما المواطنة الرقميّة؟ ما دورها في تعزيز التعليم؟ ما تحدّياتها؟ وما إيجابيّاتها؟

تشير المواطنة الرقميّة إلى القدرة على استخدام التكنولوجيا بشكل آمن وفعّال ومسؤول. وفي سياق التعليم، تؤدّي دورًا حيويًّا في تشجيع التعلّم وتمكين المتعلّمين. وتعمل على تدعيم المتعلّمين من فهم كيفيّة استخدام الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعيّ بشكل إيجابيّ، وكيفيّة حماية خصوصيّتهم والتصدّي للمخاطر الرقميّة كالاحتيال وغيرها. وتسهم أيضًا في تعزيز مهارات التفكير الناقد وحلّ المشكلات واتّخاذ القرارات الصائبة، ما يُؤمِّن التعليم الشامل والمستدام. ويُعدُّ دمجها في نظام التعليم استثمارًا جوهريًّا في مستقبل المتعلّمين ومجتمعاتهم. أضف إلى ذلك قدرة المعلّمين والمدارس من خلال تعزيز مفاهيمها على الإسهام في بناء جيل متمكّن من التكنولوجيا، وقادر على المشاركة بفاعليّة في مجتمع رقميّ متطوّر.

إنّ إدخال المواطنة الرقميّة في التعليم يمثّل خطوة أساسيّة نحو تحقيق التعليم المستدام والشامل في العصر الرقميّ. وهي تؤدّي دورًا أساسيًّا في تثبيت التعليم بتمكين المتعلّمين من الوصول إلى المعلومات والموارد الرقميّة، وجعلهم قادرين على استخدام التكنولوجيا بشكل فعّال، للبحث عن المعلومات والمصادر التعليميّة عبر الإنترنت. إضافة إلى تعليم المتعلّمين كيفيّة تقييم مصداقيّة المعلومات عبر الإنترنت، والتأكّد من مصادرها قبل استخدامها. وتشجيع المتعلّمين على التواصل مع زملائهم ومعلّميهم عبر المنصّات الإلكترونيّة، والمشاركة في منتديات النقاش والمجتمعات الافتراضيّة. وتوعيتهم بأمانهم الرقميّ وكيفيّة حماية معلوماتهم الشخصيّة عبر الإنترنت. ومساعدتهم في تطوير مهاراتهم في حلّ المشكلات والتفكير الناقد بالاستفادة من استخدام التكنولوجيا. وإعدادهم للمشاركة في مجتمع رقميّ متّصل، حيث يستعدّون للتفاعل مع التكنولوجيا والمشاركة في الحوارات الرقميّة.

 

تُشكّل تحدّيات المواطنة الرقميّة جزءًا مهمًّا من التحوّل الرقميّ الذي يشهده العالم. وتتطلّب جهودًا متواصلة من الحكومات والأفراد للتصدّي لها وضمان استخدام التكنولوجيا بشكل آمن ومسؤول. ومن هذه التحدّيات: نقص التوعية والتدريب لدى الأفراد بأهمّيّة المواطنة الرقميّة وكيفيّة تطبيقها، والذي من الممكن أن يؤدّي إلى تعرضهم إلى المخاطر الرقميّة؛ حماية الخصوصيّة، حيث يواجه الأفراد صعوبات في حماية بياناتهم الشخصيّة في العصر التكنولوجيّ، ومن الممكن تعرّضهم إلى انتهاكات الخصوصيّة والتجسّس الرقميّ، والانقسام الرقميّ الذي يعانيه العديد من عدم الوصول إلى التكنولوجيا والإنترنت، ما يؤدّي إلى تفاقم الانقسام بين الأفراد والمجتمعات، والعقبات المتعلّقة بالتكنولوجيا نفسها، كالأمان السيبرانيّ والهجمات الإلكترونيّة التي قد تؤثّر في سلامة الأفراد وبياناتهم؛ وتطوير قوانين وسياسات فعّالة للتعامل مع تحدّيات المواطنة الرقميّة لحماية حقوق الأفراد وضمان سلامتهم، حيث اتّخاذ هذه الخطوة يُعدُّ تحدّيًا بحدّ ذاته.

تقدّم المواطنة الرقميّة العديد من الإمكانات والفرص الإيجابيّة التي تسهم في تحسين جودة التعليم بشكل خاصّ، والحياة بوجه عامّ، مثل: تسهيل المعرفة والموارد التعليميّة عبر الإنترنت، ما يُدعّم التعلّم المستمرّ ويطوّر المهارات، ويوسِّع دائرة التواصل والتفاعل الاجتماعيّ؛ ويرسّخ الشفافيّة والمشاركة المدنيّة حيث تسمح للأفراد في التعبير عن آرائهم والمشاركة في الحوارات العامّة؛ وتقديم العديد من الخدمات والتطبيقات التي تسهّل حياة الأفراد كالخدمات المصرفيّة عبر الإنترنت والتسوّق من بعد، ما يوفّر الوقت والجهد؛ وتدعم الابتكار انطلاقًا من الوصول إلى أدوات التكنولوجيا والمنصّات الرقميّة التي تسهّل عمليّات البحث والتطوير والتسويق. وهذا ما أكَّد عليه رينيه ديكارت في قوله: "لا يكفي أن يكون لنا عقل جيِّد، الشيء المهمّ استخدامه بشكل جيّد". فلكل تطوُّر إيجابيّاته وسلبيّاته. لذا، يجب التفكّر والتأمّل بكيفيّة الاستفادة القصوى منه، لما هو خير للحياة.

بناءً على ما تقدّم، إنّ المواطنة الرقميّة تنمّي الوعي والمشاركة الإيجابيّة في العالم المتَّصل، ويأتي دورها في تعزيز التعليم بصفة مفتاح لتأمين تعليم شامل ومتطوّر، وتشكّل تحدّياتها عقبة في توفير الاستخدام الآمن والمسؤول للتكنولوجيا في ظلّ التحوّل الرقميّ، وتسهم بتحسين التواصل والتفاعل الاجتماعيّ وتنمّي الابتكار. ولكن هل يمكن للمواطنة الرقميّة أن تتغلّب على التحدّيات البيئيّة والاجتماعيّة في ظلّ هذا العالم المتّصل؟