يُعدّ التعليم جانبًا من جوانب التربية، ويسهم في تحقيق أهدافها؛ لذا، يجب الاهتمام بالتخطيط للعمليّة التعليميّة. من هنا تكمن مكانة المعلّم، وأهمّيّة ما يخطط له وينفّذه أثناء ممارسته للتعليم. فالمعلّم هو الركيزة الأساسيّة وليس مجرد ناقل للمعلومات، بل موجّه ومحفّز للمتعلّمين. وتقع على عاتقه مسؤوليّة بناء علاقات إيجابيّة مع المتعلّمين، وتنظيمهم لتحقيق أهدافهم التعليميّة والشخصيّة، ما يؤثّر إيجابًا في نجاحهم الشخصيّ والأكاديميّ. فما الممارسات الّتي يجب أنّ يستخدمها المعلّم في تحفيز المتعلّمين وتوجيههم لإنجاح العمليّة التعليميّة؟
يؤدّي المعلّم دورًا مهمًّا في توجيه المتعلّمين نحو اتّخاذ قرارات صحيحة ووضع أهداف واقعيّة لتحقيق النجاح. من خلال تقديم التوجيه والمشورة يستطيع المعلّم مساعدة المتعلّمين في تحديد مساراتهم التعليميّة والمهنيّة المستقبليّة. من جهة أخرى، هو مصدر إلهام وتحفيز للمتعلّمين، وعليه إظهار الشّغف والاهتمام بالموضوعات الّتي يدرّسها، وتسيير المتعلّمين نحو اكتشاف ميزاتهم الشخصيّة وتطويرها. إذ يمكن أنّ يشجّع المتعلّمون على تحقيق أقصى إمكاناتهم من خلال توفير بيئة تعليميّة داعمة ومشجّعة. ويمثّل نموذجًا يُقتدى به، من خلال التزامه وانضباطه ومثابرته. وبإمكانه تطوير هذه الصفات الإيجابيّة وتطبيقها في حياتهم اليوميّة ومسيرتهم التعليميّة.
يعمل المعلّم على تحفيز المتعلّمين بخلق بيئة تعليميّة تشجّع على الإبداع والتفكير الناقد، مستخدمًا أساليب متنوّعة لجذب انتباه المتعلّمين وإثارة فضولهم، مثل الألعاب التعليميّة، والمناقشات الجماعيّة، والأنشطة التفاعليّة. كما يعمل على إبراز أهمّيّة الموضوعات الّتي يتعلّمها المتعلّمون، وإمكانيّة ربطها بحياتهم اليوميّة ومستقبلهم المهنيّ، وتقديم أنشطة تعليميّة تشكّل تحدّيًا للمتعلّمين، وتشجّع على التفكير الإبداعيّ وحلّ المشكلات وتوفير التغذية الراجعة الإيجابيّة للمتعلّمين - بشكل مستمرّ - لتنمية ثقتهم بأنفسهم وزيادة رغبتهم في التعلّم والتحسّن. وهو ينشط كذلك في توظيف التّكنولوجيا في التعليم، لتحفيز المتعلّمين وجذب انتباههم وتعزيز مشاركتهم، واعتماد أنشطة تعاونيّة ومشاريع جماعيّة تشجّع على التعاون والتفاعل في ما بينهم، وتزيد رغبتهم في المشاركة. وهو يستخدم الثناء والتشجيع أساليبَ لتعميق السلوك الإيجابيّ وتحفيز المتعلّمين على التحسّن والتفوّق، وتقديم التحدّيات الملهمة من خلال طرح أسئلة ملهمة ومحفّزة تشجّعهم على التفكير العميق، واستكشاف الموضوعات بشكل أعمق، وتخصيص بعض الوقت للسماح للمتعلّمين بمشاركة اهتماماتهم الشخصيّة أو مشاريعهم الخاصّة داخل غرفة الصفّ، ما يوطّد ارتباطهم بالموادّ الدراسيّة.
يقوم المعلّم بتوجيه المتعلّمين نحو تحقيق أهدافهم التعليميّة، ويساعدهم على فهم طرق التعلّم الفعّالة. كما يعمل على تطوير مهاراتهم الشخصيّة والاجتماعيّة، ويعزّز من قدرتهم على العمل ضمن فريق. ويوضّح الأهداف التعليميّة والتوقّعات من المتعلّمين في نهاية كلّ وحدة تعليميّة. ويستخدم تقنيّات الإرشاد الفرديّ وتوجيه كلّ متعلّم بناء على احتياجاته ومستواه الدّراسيّ. ويقدّم أمثلة ونماذج علميّة تساعد المتعلّمين في فهم كيفيّة تطبيق المفاهيم والمهارات في الواقع. ويستخدم التقنيّات البصريّة كالرسوم البيانيّة والفيديوهات والصور، لتوضيح المفاهيم بشكل أفضل. ويستخدم التقييم التشاركيّ لتشجيع المتعلّمين على تقييم أعمال بعضهم البعض، ما يساعد في توجيههم لتحسين أدائهم وتطوير مهاراتهم. ويقدّم محتوى تعليميًّا يتناسب مع مستويات المتعلّمين وقدراتهم المختلفة، لمراعاة الفروق الفرديّة بينهم وتوفير فرص متكافئة للتعلّم لجميع المتعلّمين. وهذا يفيد القول بـ"التأكيد على ضرورة أنّ يكون لكلّ درس طريقة خاصّة به"؛ فلكلّ محتوى خطّة تراعي الأهداف والقدرات للوصول إلى أفضل تفاعل ونتائج إيجابيّة.
بناءً على ما ورد، يمكن القول إنّ دور المعلّم في تنظيم المتعلّمين وتشجيعهم له أثر في نجاحهم في التعليم. فمن خلال إظهار الشغف والاهتمام بالتعليم، وتقديم التوجيه والدعم، واعتماد نموذج إيجابيّ للمثابرة والالتزام، يمكن للمعلّم أنّ يُسهم بشكل كبير في تحقيق نجاح المتعلّمين وتطويرهم أفرادًا متميّزين في المجتمع؛ فهو العنصر الرّئيس لنجاح العمليّة التعليميّة، تتطلّب مهمّته مزيجًا من العلم والفنّ والإبداع لتنشيط المتعلّمين وإرشادهم نحو مستقبل مشرق. ولكن هل يستطيع المعلّم متابعة دوره في توجيه المتعلّمين وتحفيزهم في ظلّ تحدّيات عصر العولمة الرقميّة؟