تمارين القوّة للأطفال… ما العمر المناسب للبدء بها؟
تمارين القوّة للأطفال… ما العمر المناسب للبدء بها؟

عندما يذكر مصطلح تدريب القوّة، غالبًا ما نتخيّل أشخاصًا رياضيّين محترفين في منتصف العمر، يرفعون أوزانًا ثقيلة. على الرغم من أنّ هذه الصورة تبدو السائدة إلى حدّ كبير، إلّا أنّ تدريب القوّة ليس مخصّصًا للبالغين فقط، لكنّه مفيد للأطفال أيضًا، إذا ما تمّ بشكله الصحيح. ضع في اعتبارك أنّ تدريب القوّة يساعد في تقوية عظام الطفل، وتعزيز ضغط الدم ومستويات الكوليسترول في الدم، ويساعده في الحفاظ على وزن صحّيّ، ويعزّز لديه الثقة واحترام الذات. 

نظرًا إلى ما يقدّمه تدريب القوّة من فرصة مميّزة لدعم نموّ الأطفال الجسديّ على أسس صحّيّة ومتينة، شهدنا في السنوات الأخيرة تزايدًا ملحوظًا في الاهتمام بتعزيز لياقة الأطفال البدنيّة منذ سنّ مبكّرة. 

ومع هذا الاهتمام المتنامي، بدأت تبرز بعض الأسئلة الشائعة، مثل: ما العمر المناسب لبدء تدريب القوّة؟ هل يعدّ آمنًا للأطفال؟ ما فوائده المتوقّعة؟ وكيف تمكن ممارسته بطريقة آمنة ومدروسة؟ 

في هذه المقالة، نستعرض مختلف جوانب تدريب القوّة للأطفال، ونوفّر للآباء والمعلّمين وأخصائيّي اللياقة البدنيّة المعلومات الأساسيّة التي تساعدهم في اتّخاذ قرارات مستنيرة لدعم صحّة الأطفال ونموّهم. 

 

ما تدريب القوّة؟ 

يتضمّن تدريب القوّة الذي يُشار إليه أيضًا باسم تدريب المقاومة، تمارين تستخدم المقاومة لبناء قوّة العضلات والقدرة على التحمّل والقوّة. يمكن أن تأتي هذه المقاومة من الأوزان (مثل الدمبل أو أشرطة المقاومة)، أو تمارين وزن الجسم (مثل تمارين الضغط)، وغيرها. 

من المهمّ ألّا نخلط بين تمارين القوّة ورياضات رفع الأثقال أو كمال الأجسام أو رفع الأحمال الثقيلة. فمحاولة بناء عضلات ضخمة قد تضع ضغطًا كبيرًا على العضلات الصغيرة والأوتار، ومناطق الغضاريف التي لم تتحوّل بعد إلى عظام (صفيحات النموّ)، وهو ما يرتبط بشكل خاصّ برياضة كمال الأجسام. أمّا تدريب القوّة للأطفال، فيتمحور حول تعزيز اللياقة البدنيّة والتنسيق والقوّة بشكل آمن ومدروس. 

ومن الأفضل أن تكون تمارين المقاومة خفيفة، وأن تُنفّذ بحركات مضبوطة، مع التأكيد على عنصر السلامة والتقنيّة الملائمة. يمكن لطفلك أداء العديد من تمارين القوّة باستخدام وزن جسمه أو أحزمة المقاومة، كما تُعدّ الأوزان الحرّة وأجهزة التدريب خيارات ممكنة أخرى، شرط أن تُستخدم بإشراف مناسب. 

في أيّ عمر يستطيع الطفل ممارسة تمارين القوّة؟ 

لا يوجد عمر محدّد يجب أن يبدأ فيه الأطفال تدريب القوّة، ولكن يتّفق معظم الخبراء على أنّه يمكن البدء في سنّ ٧ أو ٨ سنوات، بشرط أن يكون الطفل ناضجًا بما يكفي لاتّباع التعليمات، والالتزام بالوضعيّة الصحيحة أثناء التمارين. ففي هذا العمر، يكون الأطفال قد طوّروا عادة قدرًا كافيًا من التوازن والتنسيق والتحكّم في حركاتهم. ووفقًا للأكاديميّة الأمريكيّة لطبّ الأطفال (AAP)، يمكن للأطفال قبل سنّ البلوغ المشاركة بأمان في تمارين القوّة، طالما أنّ البرامج الرياضيّة المصمّمة مناسبة لعمرهم، وخاضعة للإشراف الجيّد، وتركّز على التقنيّة المناسبة بدلًا من التركيز على رفع الأثقال. 

 

ما فوائد تمارين القوّة للأطفال؟ 

يوفّر تمرين القوّة للأطفال مجموعة واسعة من الفوائد البدنيّة والعقليّة والاجتماعيّة، بعض أهمّها: 

1. تحسين قوّة العضلات والقدرة على التحمّل 

تعمل تمارين القوّة على زيادة قوّة عضلات الأطفال، ما يساعدهم في أداء الأنشطة اليوميّة بسهولة أكبر ومخاطر إصابة أقلّ. كما إنّها تعزّز القدرة على التحمّل، وهو أمر مهمّ للأطفال المشاركين في الرياضة، أو أيّ أنشطة تتطلّب مجهودًا بدنيًّا. 

2. تحسين المهارات الحركيّة والتنسيق 

يعمل تمرين القوّة على تحسين التنسيق والتوازن والمهارات الحركيّة بشكل عامّ. يساعد هذا الأطفال في إتقان الحركات المختلفة، ليصبحوا بالتالي أكثر رشاقة وثقة جسديّة، وهو أمر مفيد بشكل خاصّ للأطفال الذين يشاركون في الرياضة. 

3. زيادة كثافة العظام 

تضع تمارين القوّة ضغطًا على العظام، ما يحفّز نموّها ويزيد من كثافتها. وهذا مفيد للأطفال على وجه الخصوص، إذ كلّما كانت العظام أقوى، قلّ خطر الإصابة بالكسور والإصابات الأخرى في وقت لاحق من الحياة. 

4. السيطرة على الوزن الصحّيّ 

في الوقت الذي تزيد فيه معدّلات السمنة باستمرار، تأتي تمارين القوّة لتؤدّي دورًا رئيسًا في مساعدة الأطفال في إدارة وزنهم والسيطرة عليه. تسيطر تمارين القوّة على نسبة الدهون في الجسم، وتساعد في بناء الكتلة العضليّة، ما يعزّز عمليّة التمثيل الغذائيّ، ويدعم تكوين الجسم الصحّيّ. 

5. تعزيز الصحّة النفسيّة 

لا تقتصر فوائد تمارين القوّة على الفوائد البدنيّة فحسب، بل يمكن أن تكون عاملًا أساسيًّا في تعزيز الثقة بالنفس لدى الأطفال. إنّ رؤيتهم لأنفسهم يزدادون قوّة وقدرة على التحمّل، يمكن أن يمنحهم شعورًا بالإنجاز، وهو ما يولّد لديهم شعورًا بالراحة تجاه أنفسهم. أضف إلى ذلك أنّ التمرين والنشاط البدنيّ عمومًا يقلّل من القلق، ويحسّن المزاج، ويزيد من احترام الذات. 

6. تقليل مخاطر الإصابة 

تساعد التمارين في تقوية العضلات والأوتار والأربطة، وهذا يقلّل من المخاطر التي قد تنتج عن إصابة الأطفال، سواء أثناء أنشطتهم اليوميّة أو ممارسة الرياضة.  

 

هل تمارين القوّة آمنة للأطفال؟ 

أحد أكثر المخاوف شيوعًا بين الآباء بشأن تمارين القوّة للأطفال هو ما إذا كانت هذه التمارين آمنة أم لا. والإجابة المختصرة هي: نعم، عندما تُمارَس بالشكل الصحيح. فقد أظهرت العديد من الدراسات أنّه، مع الإشراف المناسب، يمكن للأطفال المشاركة في تدريب القوّة بأمان، من دون زيادة في خطر الإصابة. 

ومع ذلك، هناك اعتبارات أمان مهمّة يجب أخذها في الحسبان: 

  1. الإشراف المناسب: يجب أن يشرف على تدريب الطفل مدرّب متخصّص في تشريح الأطفال وأنماط نموّهم؛ لأنّه سيتمكّن من مراقبة الطفل، وتحديد الشكل والتقنيّة المناسبين له أثناء التمرين لتجنّب الإصابات، لا سيّما مع الأطفال الصغار. 

  1. تجنّب الأوزان الثقيلة: يجب ألّا يرفع الأطفال أوزانًا ثقيلة، لأنّها تضع ضغطًا مفرطًا على العضلات والمفاصل التي ما تزال في طور النموّ. بدلًا من ذلك، يجب أن يبدؤوا بتمارين وزن الجسم والمقاومة الخفيفة، ليتمكّنوا من السيطرة على حركة أجسامهم. 

  1. الراحة والتعافي: كما هو الحال مع البالغين، يحتاج الأطفال إلى وقت للراحة والتعافي بين جلسات تدريب القوّة. يمكن أن يؤدّي الإفراط في التدريب إلى الإرهاق وزيادة احتماليّة الإصابة، لذلك يجب ألّا يتدرّب الأطفال أكثر من مرّتين أو ثلاث مرّات في الأسبوع، مع ضمان الراحة الكافية بينها. 

  1. التمارين المناسبة للعمر: يجب أن تكون تمارين القوّة للأطفال مصمّمة لتتناسب مع أعمارهم ومرحلة نموّهم. إذ يُنصح أن تكون التمارين وظيفيّة وممتعة، مع التركيز على حركات الجسم بالكامل، والتي تشرك مجموعات عضليّة متعدّدة. 

  1. الإحماء والتمدّد: يعدّ الإحماء الحركيّ قبل ممارسة الرياضة والتمدّد الثابت بعدها أمران ضروريّان؛ إذ يمكن أن تساعد التمدّدات الديناميكيّة أو الأنشطة الهوائيّة الخفيفة قبل التدريب في تحضير العضلات وتهيئتها، وتقليل خطر الإصابة، بينما تساعد التمدّدات الثابتة بعد التمرين في الاستشفاء العضليّ، وتقليل وجع العضلات الناتج عن التمرين. 

 

خطوات لبدء برنامج تمارين القوّة للأطفال 

إذا كنت تفكّر أن تبدأ بتدريب طفلك على تمارين القوّة، فمن الضروريّ التعامل معه بطريقة تضمن له السلامة والمتعة معًا.  

إليك هذه الطريقة: 

- ابدأ بتمارين وزن الجسم 

يمكن للأطفال أن يبدؤوا تدريب القوّة بتمارين وزن الجسم البسيطة، مثل تمارين الضغط والقرفصاء، وتمرين الاندفاع (Lunges)، والبلانك، والقفز. تساعد هذه التمارين في تطوير القوّة والتوازن من دون الحاجة إلى الأوزان. 

- ابدأ بتمارين المقاومة تدريجيًّا 

بمجرّد أن يتقن طفلك تمارين وزن الجسم، يمكنك البدء بتمارين المقاومة باستخدام الأوزان الخفيفة، أو أشرطة المقاومة، أو حتّى زجاجات المياه. ابدأ دائمًا بأوزان خفيفة لضمان تمكّنه من أداء التمارين بالشكل الصحيح. 

- ركّز على الأداء الصحيح 

سرّ تدريب القوّة الآمن يكمن في إتقان الأداء أو الشكل الصحيح قبل زيادة وزن المقاومة. علّم طفلك كيفيّة أداء كلّ تمرين بالوضعيّة والتقنيّة الصحيحة، ومن الضروريّ إشراف شخص بالغ أو مدرّب مطّلع، لمنع العادات السيّئة أو الإصابات. 

- اجعل الأمر ممتعًا 

قد لا يبدو التمرين فكرة رائعة للأطفال، إلّا إذا كان ذلك يتضمّن بعضًا من الترفيه. أدرج الألعاب أو التحدّيات أو الأنشطة التي تجعل جلسات التدريب ممتعة. على سبيل المثال، شجّعهم عن طريق التحدّيات أو استخدم مسابقات ودّيّة لإبقائهم متحفّزين. 

- حافظ على الاستمراريّة والمرونة 

الاستمراريّة ستضمن لك ولطفلك الحصول على فوائد طويلة الأمد. شجّع طفلك على التدرّب مرّتين إلى ثلاث مرّات في الأسبوع، مع السماح بأيّام راحة بين حصص التمرين. ومع ذلك، من الضروريّ أيضًا أن تكون مرنًا، وأن تدرك أنّ الأطفال قد يفقدون الاهتمام أو ينشغلون بأنشطة أخرى، لذلك شجّعه على العودة إلى التمرين إذا انشغل عنه لأيّ سبب كان.  

- استشر أخصّائيًّا 

إذا لم تكن متأكّدًا من كيفيّة البدء في التمارين مع طفلك، أو من تصميم برنامج تدريبيّ مناسب له، فكّر في استشارة أخصّائيّ في اللياقة البدنيّة يمتلك خبرة في العمل مع الأطفال، ليساعدك في بناء خطّة آمنة وفعّالة ومستدامة. 

*** 

عندما تُمارس تمارين القوّة في بيئة خاضعة للرقابة والإشراف، يمكن أن تساعد الأطفال والمراهقين، على اختلاف قدراتهم الرياضيّة، في تحسين قوّتهم وصحّتهم ورفاهيّتهم بشكل عامّ. إنّ الفوائد الصحّيّة لتمارين القوّة تفوق بكثير المخاطر المحتملة، لا سيّما في مجتمعات اليوم التي تستمرّ فيها معدّلات السمنة بين الأطفال في الارتفاع. 

طالما أنّ التركيز ينصبّ على المتعة والسلامة والتقدّم التدريجيّ، فإنّ تمارين القوّة توفّر للأطفال فوائد بدنيّة ونفسيّة مدى الحياة، وهذا يعدّهم لحياة أكثر صحّة ونشاطًا. 

 

المراجع

https://www.nationwidechildrens.org/specialties/sports-medicine/sports-medicine-articles/strength-training-for-children-can-we-do-that 

https://www.verywellfit.com/a-weight-training-workout-for-children-3498516 

https://health.choc.org/is-strength-training-safe-for-kids-and-teens/