باسمة عبد الصمد- ناظرة ومشرفة تربويّة- لبنان
باسمة عبد الصمد- ناظرة ومشرفة تربويّة- لبنان
2022/12/23

برأيكِ، ما هو دور سياسات المدرسة وإدارتها في خلق الجوّ الملائم لتكامل العمليّة التعليميّة؟

تعمل المدرسة على تعزيز التعاون والتنسيق والتخطيط لطرق التدريس وأساليبه ومناهجه، وبالطبع على تحفيز المعلّمين والمتعلّمين عن طريق خلق جوٍّ جاذبٍ ومرح عبر مراعاة الفروق الفرديّة والتنويع في استخدام أساليب التدريس، وإدخال الفنون المتنوّعة في الأنشطة التعليميّة، وخلق بيئة صحّيّة ملائمة تشجّع على الإبداع والتميّز، وترك الحرّيّة للمتعلّم في طرح الأسئلة والنقاش.

 

بالعودة إلى التعليم الوجاهيّ، ما الممارسات والتقنيّات التي استعملتها في التعليم من بُعد وأبقيتِ عليها الآن؟

اقتصر دوري كمرشدة على التواصل مع الأهل، وعلى تنشيط المتعلّمين وتحفيزهم على المتابعة والدرس، وذلك عبر حثّهم على الحضور.

كان الانتقال إلى التعلّم عبر التقنيّات الإلكترونيّة المختلفة سريعًا، وهذا استدعى من المدرّسين الانتقال بشكل سريع، ومن دون مقدّمات أو تدريب أو دورات، إلى العمل عبر وسائل إلكترونيّة مختلفة، مثل: Zoom ,Microsoft teams...

أمّا بعد الجائحة، فكان لا بدّ من العودة إلى التعليم الحضوريّ الذي سهّل على أفراد الهيئة التعليميّة الكثير، من خلال التفاعل المباشر مع التلامذة؛ فشرحُ الدروس عبر البرامج المتنوّعة أكسب المعلّم القدرة على التقرّب من التلامذة من خلال التكنولوجيا، وعلى مواكبة حاجات المتعلّمين بمختلف أعمارهم. ونتيجة فعاليّة الطرق المتّبعة ونجاحها خلال فترة الجائحة، وقدرة البرامج المستخدَمة على تلبية حاجات المتعلّمين، كان لا بدّ من دمج التكنولوجيا في الشرح الوجاهيّ لما له من صدًى ومفعول إيجابيّ على نتائج المتعلّمين.

 

كيف تخاطِبين الاهتمامات المتعدّدة للمتعلّمين، لا سيّما الشغوفون منهم بالفنّ والموسيقى والرياضة؟

يتطلّب تعلّم الفنون كالموسيقى والرسم والرياضة... عاطفةً وحساسيّة كبيرتين. والمعلّم الجيّد هو مَن يرغب بتنمية قدرات تلاميذه. وإذا أبدى المعلّم ما يكفي من الاحترام للطفل، سيشعره ذلك الأخيرَ بالحرّيّة لاختيار نوع الفنّ الذي يهواه.

على المعلمين إفساح المجال أمام المتعلّمين للتعبير بطرق مختلفة، وذلك من تضمين الأنشطة الفنّيّة في الأنشطة التعلّميّة، ما يعطي الكثير من الجذب للعمليّة التعلّميّة؛ فيمكن للمعلّم على سبيل المثال، صنع لوحات جداريّة تتعلّق بالنشاط التعليميّ، أو إدخال الموسيقى بطريقة أو بأخرى في سير الدرس، أو سماع موسيقى هادئة أثناء نشاط لدرس معيّن. كلّ ذلك يساعد التلميذ على التعبير عن مكنوناته بطريقة جاذبة.

 

هل متابعة مستجدات علوم التربية شرط وحيد للمعلّم الناجح؟ لماذا؟

بالطبع لا. النجاح يكون في جميع مفاصل الحياة. المهن المتعدّدة والأعمال الرياديّة تتطلّب آفاقًا واسعة وتفكيرًا منفتحًا. وإذا نظرنا إلى التعليم كوظيفة، نرى أنّه مهنة تليق بالبعض بغض النظر عن الشهادات التي يحملها. ومن يمتهن التعليم ويستمر لوقت طويل فيه، يكُن شغوفًا وقادرًا على العطاء من دون حدود، فالمعلم يبني والبناء يكون متينًا إذا كان الأساس قويًّا.

 

ما التغيّرات التي لحظتها عند الطلبة بعد تجربة التعليم عن بعد؟ وكيف تستثمرين هذا التغيّر في تجديد مقاربتك التعليميّة؟

بعض المتعلّمين زادت إنتاجيّته، وخصوصًا في الصفوف الابتدائيّة بسبب قرب الطفل من أهله وبيئته الحاضنة، ولكن الأغلب منهم تراجع أداؤه. فشخصيّة المتعلّم وطبيعته تختلف من فرد إلى آخر، ولا يغفل عن بالنا البيئة المنزليّة والاجتماعيّة التي فَرَضت على المتعلّمين أمورًا لم تكن في الحسبان، كحجم المنزل وتعدّد الأطفال في البيت الواحد وغير ذلك من الأمور. ولا يغيب عن بالنا وضع الإنترنت وقوّته وتأثيره في الإنتاجيّة بشكل عام، وعدم تلبيته الاحتياجات في معظم الأحيان.

أمّا بعد الجائحة، وبعد عودة التلاميذ إلى مقاعدهم الدراسيةّ، فقد ساد الارتباك في الجسم التعليميّ بدءًا من المعلّمين ووصولًا إلى المتعلّمين، وحتّى العاملين في المدارس. هذا الأمر دفع إلى بذل مجهود إضافيّ من الجميع للعمل على عودة النظام والالتزام بالمقاعد الدراسيّة. ولا يغيب عن البال الصعوبة التي عاناها الجسم التعليميّ، ولكن كلّ ذلك بدأ يزول تدريجيًّا مع مرور الوقت وعودة الالتزام بالدوام الحضوريّ اليوميّ. ويذكر أنّ  قدرة التلاميذ على التأقلم سهّلت ذلك.

 

من هو الطالب الشغوف بالتعلّم؟ وكيف توظّفين هذا الشغف في مادّتك أو الحصّة الدراسيّة؟

كلّ متعلّم يحصل على طرق تعلم جاذبة ترضي تطلّعاته يكون شغوفًا، بغضّ النظر عن المادّة التعليميّة. ويكون ذلك عن طريق إعطائه أنشطة ومهامًا ترضي متطلّباته وطموحه.

 

ما رأيك في ارتداء الطلّاب الزيّ الموحّد؟

هناك آراء ونظريّات مختلفة تتحدّث عن الحرّيّة في التصرّف وفي ارتداء الملابس. لكنّ الاختلاف والتنوّع يستمرّان في المدارس. ومن الممكن أن يكون هذا التنوّع صحّيًّا يؤسّس لتربية وتعليم أفضل.

من جهتي، أفضّل النظام والالتزام ولا سيّما أنهما يساهمان في تقليل التشتّت ويزيدان التركيز، ويخفّفان الفروقات الفرديّة بين التلاميذ، ومن جهة أخرى، يؤسّس اللباس الموحّد لنظام عامّ في كافّة مفاصل الحياة؛ فعند الالتزام بالزيّ الموحّد يشعر المتعلّم بالانتماء إلى مدرسته.

 

ما مُمارساتك اليوميّة التي توظّفينها لتحقيق الرفاه المدرسي؟

مهنة التعليم من أسمى المهن وأرقاها وأصعبها. ولا يقتصر دوري كمعلّمة على التعليم وحسب، بل يتعدّاه إلى إدخال البهجة والمرح داخل غرفة الصف لإرساء جوٍّ من السعادة والبهجة. وبناء علاقات صداقة بين المتعلّمين يشعرهم بالرضى والراحة، ما يزيد إنتاجيّتهم وأداءهم السليم. وعلى المدرسة المساهمة في تأمين الدعم النفسيّ - الاجتماعيّ عند الحاجة، والمساهمة في إضافة أنشطة لا صفّيّة جاذبة تعزّز ثقة التلميذ بنفسه. كما أنّ العلاقة التي تربط المعلم بتلاميذه، والثقة التي تُبنى بين الطرفين، تساهمان في الرفاه المدرسيّ، فيأتي المتعلّم إلى المدرسة بكلّ رغبة وشغف، من دون الشعور بالملل أو الخوف، وبالتالي تصبح المدرسة بيته الثاني.

 

ما مجالات التطوير المهنيّ التي تطمحين إلى أن تشاركي بها؟ لماذا؟ 

دائما ما أرغب في تطوير ذاتي عن طريق تعلّم طرق وأساليب جديدة للتعليم. وأطمح إلى تنمية القدرة الابداعيّة للتأثير بشكل إيجابي وابتكاري في البيئة المدرسيّة.

ونظرًا إلى أهمية التواصل، أطمح أيضًا في تنمية تلك المهارة باعتبارها الركيزة الأساس في التعامل ضمن البيئة التي يتواجد فيها أيّ فرد. كما أرغب بشكل كبير، في تعلّم أكثر من لغة، فهذا يساعد على التطوّر الوظيفيّ بشكل سريع.

 

بماذا تنصحين شخصًا يريد أن يصبح معلّمًا؟ 

من يمتهن التعليم عليه أن يتمتّع بالمرونة، وأن يكون متمكّنًا من معلوماته التربويّة، وأن يعمل على متابعة المستجدّات التربويّة كي لا يبقى في إطار نمطيّ مملٍّ.

هي مهنة لا تليق إلّا بمن يكون شغوفًا، ويتطلّع إلى مستقبل أفضل، لأنّ التعليم مهنةُ تأسيس المجتمعات.