ظهر مصطلح المصادر التعليميّة المفتوحة (OER) لأوّل مرّة رسميًّا سنة 2002، في منتدى اليونسكو حول تأثير تكنولوجيا المعلومات والاتّصالات في التعليم العالي، والذي عُقد في باريس. وجاء اعتماد هذا المصطلح استجابةً للحاجة المتزايدة إلى تعزيز الوصول المجّانيّ إلى المعرفة، وتمكين المعلّمين والطلّاب من استخدام الموارد التعليميّة من دون قيود ماليّة أو قانونيّة. وقد تبلورت الفكرة في إطار التوجّه العالميّ نحو العدالة التعليميّة ودمقرطة المعرفة، خصوصًا في ظلّ التفاوت بين الدول من حيث الإمكانيّات التقنيّة والمادّيّة (Bakar & Ismail, 2018).
ومنذ ذلك الوقت، تبنّت العديد من المنظّمات والجامعات فكرة إنتاج المحتوى التعليميّ ومشاركته عبر الإنترنت برخص مفتوحة؛ وهو ما سمح بإعادة استخدامه وتعديله وتوزيعه بحرّيّة. وأدّت مبادرات مثل MIT OpenCourseWare وCreative Commons دورًا محوريًّا في نشر الفكرة عالميًّا؛ إذ قدّمت نماذج ناجحة لمشاركة المعرفة الأكاديميّة بشكل مجّانيّ ومُتاح للجميع، ما جعل هذا المصطلح مفهومًا ثوريًّا في عالم التعليم (Khribi & Kinshuk, 2018).
عرّفت منظّمة اليونسكو (2022) المصادر التعليميّة المفتوحة بأنّها "موادّ تعليميّة وتعلّميّة وبحثيّة مُتاحة مجّانًا، ومُرخّصة بطريقة تسمح للمستخدمين باستخدامها، وتكييفها، وإعادة إنتاجها، ومشاركتها بحرّيّة". وتشمل هذه الموادّ: المقرّرات الدراسيّة والمناهج والكتب والمقالات والفيديوهات التعليميّة وأدوات التقييم والأنشطة التفاعليّة، وغيرها من الوسائط التعليميّة. وعرّفتها منظمة كومنز الإبداعيّة (2021) بأنّها "أيّ عمل معرفيّ مرخّص قانونيًّا بطريقة تتيح للجميع استخدامه، وإعادة توزيعه، وتعديله بما يتوافق مع احتياجاتهم".
تتميّز المصادر التعليميّة المفتوحة بأنّها تتيح للمتعلّمين من مختلف الخلفيّات والظروف الاقتصاديّة الوصول إلى محتوى تعليميّ عالي الجودة بلا تكلفة. وهو ما يسهم بشكل مباشر في تقليص الفجوة المعرفيّة بين المجتمعات، لا سيّما في المناطق الفقيرة أو النامية التي تفتقر إلى موارد تعليميّة كافية أو حديثة. كما تدعم أيضًا التعلّم الذاتيّ، وتمكّن الأفراد من التعلّم وفقًا لسرعتهم وظروفهم الخاصّة، من دون الاعتماد الحصريّ على المؤسّسات التعليميّة التقليديّة (IRMA, 2010).
تتيح هذه المصادر للمعلّمين والمربّين فرصًا لتصميم مناهج تعليميّة مرنة ومتكيّفة مع حاجات الطلّاب والسياقات المحلّيّة. فبفضل التراخيص المفتوحة، تمكن للمعلّم تعديل محتوى متنوّع أو دمجه ليناسب بيئة الصفّ؛ ما يعزّز الإبداع التربويّ، ويحفّز تطوير ممارسات تعليميّة مبتكرة. وتسهم هذه الموارد في تبادل المعرفة والتعاون المهنيّ بين المعلّمين عبر الحدود، بإنشاء مجتمعات تعلّم مفتوحة وتعاونيّة (Khribi & Kinshuk, 2018).
كما تساعد المصادر التعليميّة المفتوحة في خفض التكاليف التعليميّة على مستوى المؤسّسات، خصوصًا الجامعات والمدارس التي تعاني محدوديّة الميزانيّة. وباستخدام مصادر تعليميّة مرخّصة ومجّانيّة، يمكن إعادة تخصيص الموارد نحو تحسين البنية التحتيّة أو تدريب الكادر التعليميّ. كما أنّ اعتمادها يعزّز ثقافة المشاركة والانفتاح العلميّ؛ الأمر الذي يرسّخ قيم المسؤوليّة الاجتماعيّة والتضامن في المجال التربويّ (IRMA, 2010).
على رغم الإمكانيّات الكبيرة التي توفّرها المصادر التعليميّة المفتوحة، إلّا أنّ استخدامها يواجه عدّة تحدّيات تعيق انتشارها الفعّال، لا سيّما في الدول النامية. ومن أبرز هذه التحدّيات ضعف الوعي بهذا المصطلح، سواء لدى المعلّمين أو صنّاع القرار. وهو ما يؤدّي إلى إحجام عن استخدامها، أو الاكتفاء بالمصادر التعليميّة التقليديّة. كما أنّ العديد من المؤسّسات لا تزال تفتقر إلى سياسات واضحة لتشجيع إنتاج الموارد التعليميّة المفتوحة ومشاركتها، ما يحدّ من تبنّيها على نطاق واسع (Dirk et al., 2015).
تواجه المصادر التعليميّة المفتوحة كذلك تحدّيًا في جودة المحتوى، إذ إنّ انفتاح المنصّات قد يؤدّي إلى تفاوت كبير في دقّة المعلومات، أو حداثة الموادّ المنشورة. وتزداد هذه الإشكاليّة عند غياب آليّات تقييم ومراجعة معتمدة للمحتوى المنشور. أضف إلى ذلك أنّ اللغة تشكّل حاجزًا كبيرًا؛ فمعظم المحتوى المُتاح على الإنترنت باللغة الإنجليزيّة. وهو ما يجعل من الضروريّ توطين الموارد وترجمتها، لتناسب السياق الثقافيّ واللغويّ للمجتمعات العربيّة (Hosman et al., 2024).
يُضاف إلى ذلك ضعف البنية التحتيّة الرقميّة في بعض المناطق، مثل قلّة الوصول إلى الإنترنت أو الأجهزة المناسبة؛ الأمر الذي يحرم شريحة من الطلّاب والمعلّمين من الاستفادة من هذه الموارد. هذا إلى جانب التحدّيات القانونيّة المرتبطة بفهم رخص الاستخدام المفتوح وتطبيقها، مثل Creative Commons، ما قد يولّد تردّدًا في إعادة استخدام الموادّ أو تعديلها (Dirk et al., 2015).
المراجع
- - Bakar, R., & Ismail, A. (2018). Sustainability of higher education: A global perspective. Penerbit Universiti Sains Malaysia.
- Creative Commons. (2021). OER, the 5Rs, and Creative Commons.
- - Van Damme, D., Rimini, M., & Orr, D. (2015). Open educational resources: A catalyst for innovation. OECD Publishing.
- - Hosman, L., Nova, R., Naji, O. & Alsaka, L. (2024). An Overview of Arabic Language Open Educational Resources (OER) for Primary and Secondary Education and Their Use in Offline Environments. Electronic Journal of e-Learning, 22(9), 1-14.
- - Information Resources Management Association. (2010). Web-based Education: Concepts, Methodologies, Tools and Applications. Information Science Reference.
- - Khribi, M. & Kinshuk, M. (2018). Open Education: from OERs to MOOCs. Springer.
- - UNESCO. (2022). UNESCO Recommendation on Open Educational Resources (OER).