الرفاه في المجتمع المدرسيّ: تجربة أنموذجيّة في إدارة الأزمات
الرفاه في المجتمع المدرسيّ: تجربة أنموذجيّة في إدارة الأزمات
شيخة عبد الله حامد الجفيلية | مديرة مدرسة- سلطنة عُمان

مقدّمة

يزخر الحقل التربويّ بالتجارب العمليّة التي تُعدّ مصدرًا أساسيًّا لصقل المهارات واكتساب الكثير من المعارف والخبرات، والتي تنعكس بشكل إيجابيّ على مواجهة التحدّيات والصعوبات. لعلّ الأزمات المدرسيّة المختلفة، كان لها الأثر الكبير في صقل مهاراتي وخبراتي وإكسابي مهارة إدارة الأزمات، بدءًا من التنبّؤ بها، وصولًا إلى التخطيط للوقاية منها أو الحدّ من آثارها.

يهدف هذا المقال إلى عرض تجربة شخصيّة في كيفيّة إدارة الأزمات في المدارس بهدف تعزيز الرفاه المدرسيّ من خلال تنفيذ بعض الخطوات والمشاريع التنمويّة اللازمة، وذلك خلال فترة إدارتي لمدرسة حيل العوامر للتعليم الأساسيّ في سلطنة عمان، وهي مدرسة حكوميّة مشاركة في برنامج التطوير المدرسيّ "مشروع تمام" المتخصّص في التطوير المستند إلى المدرسة.

 

مسبّبات الأزمة المدرسيّة

قد أدركتُ، وفق ما اكتسبتُه من خبرة في الميدان، أنّ العوامل التي تسبّب الأزمات المدرسيّة قد تكون عوامل يسبّبها الإنسان، وقد تكون عوامل خارجة عن إرادته، من شأنها أن تعيق تعلّم الطلّاب: مثل الأوبئة، حيث تأثّر التعليم في السلطنة بوباء أنفلونزا الخنازير (H1N1) في العام الدراسيّ 2009- 2010، إذ تمّ تقليص المناهج إثر تلك الأزمة، ولا شكّ أنّ جائحة كوفيد- 19- التي بدأت تظهر أثارها في التعليم في السلطنة منذ شهر مارس 2020 أشدّ تأثيرًا، لما أدّت إليه من حظر حضور الطلبة إلى المدرسة في جميع المراحل، ما عدا الصفّ الثاني عشر، بالإضافة إلى تقليص المناهج. وكان من آثارها ما تمّ ملاحظته هذا العام من فقدان الطلبة مهارة التواصل، وحاجتهم إلى إعادة توجيه نحوها إثر حضورهم إلى المدرسة بعد انقطاع استمرّ عامًا ونصفًا. 

إنّ المتأمّل في أحداث وتفاصيل الأزمات المذكورة أعلاه يدرك ارتباط بعضها ببعض، كما يدرك ارتباطها بالتعليم، وفي ضوء تلك الأزمات التي تغزو الدول غزوًا مفاجئًا، لا بدّ أن يقوم القائد التربويّ بخطّة استشراف مستقبليّة تعينه على السيطرة عليها والخروج منها بأقلّ الخسائر في ما يتعلّق بمجال تعلّم الطلبة. ويُمكن تحقيق ذلك بتهيئة كلّ من الإدارة والمعلّم ووليّ الأمر والطالب للتعامل مع المواقف الطارئة، وذلك بخلق روح التعاون بين أعضاء الهيئة التعليميّة والنأي بهم عن المصالح الشخصيّة، والعمل على غرس الرضا الوظيفيّ وتعزيز الرفاه المدرسيّ، ما يؤدّي إلى بناء أرضيّة خصبة لتحقيق رؤية المدرسة.

 

تجربة في كيفيّة تجاوز الأزمة

       إثر انتقالي إلى مدرسة حيل العوامر للبنات وضعتُ كلّ تلك المسبّبات والرؤية التي أطمح إلى تحقيقها عين الاعتبار، وقد خطّطت لأجعل من مدرسة حيل العوامر أنموذجًا يُحتذَى به في إدارة الأزمات. تطلّب الأمر منّي العمل على خمسة إجراءات مع الكادر الأكاديميّ في المدرسة التي تضجّ بالخبرات والثقافات المختلفة، وذلك على النحو الآتي:

  1. قرأتُ شخصيّة كلّ معلّمة في المدرسة لأفهم طريقة التعامل معها، فتجوّلتُ في قاعات المعلّمات الخاصّة بهنّ أثناء الدوام الرسميّ، وتناولتُ القهوة وتبادلتُ أطراف الحديث معهنّ، كما شاركتُهنّ أفراحهنّ وأحزانهنّ داخل المدرسة وخارجها، بالإضافة إلى اهتمامي باحتفال يوم المرأة العُمانيّة ويوم المعلّم وغيرها من المناسبات التي أتاحت لي الفرصة لتقريب وجهات النظر بين المعلّمات وفهم شخصيّاتهنّ. تمكّنتُ بذلك من معرفة ما يرغبنَ في توفّره وما هنّ بحاجة إليه من أجل الارتقاء بمستوى تعلّم الطلبة، وما الذي يجب أن أقوم به لأنمّي لديهنّ التعاون المهنيّ الذي سيكون المعين الفعّال لإدارة الأزمات.

 

  1. آمنتُ بقدرات العاملين في المدرسة ووثقتُ بأنّ جميعهم يشكّلون طاقة تصبّ في تحقيق رؤية المدرسة. لذلك، حرصتُ على تنمية تبادل المعارف والمهارات بين الجميع من أجل توليد الأفكار الجديدة والإبداعيّة في المدرسة بإكسابهم ركيزة البعد عن الشخصنة، انطلاقًا من مبدأ "اختلاف الرأي لا يفسد للودّ قضية". فعندما كانت تردني شكوى على معلّم من طالب أو من وليّ أمر، كنتُ أنصتُ إلى جميع الأطراف، كلّ على حدة، ثمّ أوجّه كلّ طرف وفق ما يتناسب مع الموقف بلطف ولين. كما حرصتُ على حثّ الجميع على تقديم الرعاية المهنيّة، وقصدتُ بذلك- على سبيل المثال لا الحصر- أنّ على المعلّم الذي يجيد استخدام مصادر التعلّم مفتوحة المحتوى أن يقدّم رعاية لزملائه ويوجّههم نحو استخدامها في التدريس.

 

  1. ركّزتُ جلّ اهتمامي على أن يكون الطالب ووليّ الأمر وجميع أعضاء الكادر التعليميّ شركاء في العمليّة التعليميّة، فكنتُ أحرص على عقد لقاءات معهم والإصغاء لمقترحاتهم وتكوين علاقات فاعلة معهم.

 

  1. أسّستُ لبعض المشاريع التي أسهمتْ في تجاوز الأزمات، ومن أهمّها:
  • مشروع أجهزة العرض: استنتجتُ، بناءً على ما قمتُ به من جولات، أنّ لدى المعلّمات أساليب تدريس مميّزة وأفكارًا خارج الصندوق، ولكن ضعف الإمكانات المادّيّة تحول دون تحقيقها وفق المطلوب، إذ لم يكن متوافرًا في المدرسة أجهزة عرض كافية، فيتوجّب على المعلّمة حجز الجهاز قبل الحصّة، ثم نقله إلى القاعة الدراسيّة مع مستلزماته كلّها، ما يشكّل عبئًا عليها. فقمتُ بتوفير أجهزة العرض في كلّ قاعة من المدرسة (38 قاعة و3 مختبرات)، الأمر الذي سهّل للجميع استخدام التكنولوجيا في عمليّة التعليم. 

 

  •  مشروع التدريب المهنيّ: تمكّنتُ مع المعلّمات، انطلاقًا من مبدأ التشاركيّة، من اتّخاذ قرارات مبنيّة على الحاجات، فلاحظنا خلال زياراتنا الإشرافيّة أنّ مجموعة من المعلّمات قد تميّزن في توظيف أجهزة العرض في الحصّة، فأسندنا إليهنّ مهمّة القيام برعاية مهنيّة تستهدف الطالبات ومعلّمات المدرسة، يتمّ تدريبهنّ فيها على أفكار جديدة وبرامج وتطبيقات إلكترونيّة تساعدهنّ على التنويع في أساليب التدريس.

 

  • مشروع تفعيل الإنترنت: أعربت بعض المعلّمات، وفق ما بدا في نتائج الاستطلاع الذي تعوّدنا إجراءه في نهاية كلّ فصل دراسيّ، عن رغبتهنّ في استخدام بعض المواقع الإلكترونيّة أثناء التدريس، إلّا أنّ شبكة الإنترنت كانت ضعيفة في بعض القاعات الدراسيّة، ما أدّى إلى تشكّل أزمة أثناء الحصّة تعطّل سير الدرس وفق الطريقة المرجوّة، من أجل ذلك عملنا على تقوية شبكة الإنترنت.  

 

  • مشروع الملعب الرياضيّ: لاحظتُ أنّ تنفيذ حصص الرياضة في ساحة المدرسة يعوق تعلّم الطلبة في القاعات الدراسيّة المجاورة، إذ يحول دون تركيزهم ويشتّت انتباههم، فعقدتُ بعض الحوارات والممارسات التفكّريّة مع معلّمات الرياضة، وخرجنا معًا بقرار إنشاء ملعب ضمن المبنى المدرسيّ، فأنشأتُ ملعبًا مهيّأً لممارسة العديد من الرياضات.

 

  1. -حرصتُ على انضمام المدرسة إلى مشروع التطوير المستند إلى المدرسة (مشروع تمام) منذ 2012 الذي حقّقت المدرسة من خلاله أحد أهمّ متطلّبات إدارة الأزمات المدرسيّة، والتي تتمثّل في اعتبارها، بهيئاتها المتنوّعة، فريقًا متكاملًا ومسؤولًا، كلّ حسب تخصّصه ومهامّه. أدّى ذلك إلى إنجاز مشروعين كان لهما الأثر البالغ في إدارة الأزمات في المدرسة، وهما:
  • مشروع "مدرستي مسؤوليّة مشتركة" الذي أطلقناه عام 2016، وقمنا من خلاله بتوعية الطلبة ومتابعتهم في المحافظة على ممتلكات المدرسة: الكتب والأبواب والكراسي والجدران وترشيد استخدام الكهرباء والماء، والذي أحدث بدوره نقلة نوعيّة على مستوى إدراك أهمّيّة التطوير المدرسيّ، ضمن مشاركة جميع الهيئات الإداريّة والفنّيّة والتدريسيّة، وكذلك الطلبة وأولياء الأمور والمجتمع المحلّيّ بأفراده ومؤسّساته، الأمر الذي أسهم في حصول المدرسة على درع "الإجادة المدرسيّة". توسّع هذا المشروع إثر جائحة كوفيد- 19، وسلّطنا الضوء خلالها على ترشيد استهلاك الكهرباء، نظرًا لازدياد الحاجة في التعلّم الإلكترونيّ إلى استخدام الكهرباء والإنترنت.

 

  • مشروع "الربط التقنيّ" الذي بدأ عام 2019، والذي نحافظ من خلاله على زمن التعلّم عند غياب إحدى المعلّمات لظروف طارئة. تقوم فكرة المشروع على ربط قاعتين دراسيّتين من خلال الكاميرا وشبكة الإنترنت، وتشرح معلّمة واحدة للقاعتين، وبعد جائحة كوفيد-19 طوّرنا المشروع للتغلّب على الفاقد التعليميّ الناتج عن حجر المعلّمة المصابة بالوباء، أو أيّ ظرف قد تتعرّض له المعلّمة يحول دون حضورها إلى المدرسة. وتتبلور فكرة المشروع في تدريس معلّمة في المنزل طلّابًا داخل القاعات الصفّيّة. مرّ المشروع في مراحل الاستقصاء العلميّ، كما تعلّم عدد من المعلّمات بالتجريب والممارسة، وتمّ الوقوف على الصعوبات التي تحدّ من فاعليّة التطبيق، اتخذنا في ضوئها قرارات مبنيّة على الحاجة، ثمّ تمّ تقديم رعاية مهنيّة للكوادر التعليميّة، وقد حقّق المشروع نتائج إيجابيّة في تجاوز الأزمة، ما أدّى إلى إنهاء المناهج في الوقت المحدّد وكذلك ارتفاع المستوى التحصيليّ. وتلخّص دوري كقائد تربويّ في إيجاد شراكة مجتمعيّة مع القطاع الخاصّ للإسهام في توفير شاشات تفاعليّة ذكيّة مزوّدة بالكاميرات ومكبّرات الصوت.

 

خاتمة

لكي يتمكّن القادة من إدارة الأزمات والمحافظة على رفاه مجتمعهم المدرسيّ، لا بدّ أن يعدّوا أرضيّة صلبة من الودّ والاحترام مع الكادر الذي يعملون معه، وأن يحرصوا على نشر الودّ في ما بينهم، وعلى تجسير العلاقات الودّيّة بين الهيئات والمؤسّسات ذات الصلة بالمدرسة جميعها. إنّ الوصول إلى قلوب زملائنا في العمل هو مخزون الطاقة الذي يُبنَى عليه التفاهم وتلاقح الأفكار والاقتصاد المعرفيّ، إذ من شأنه تحقيق الرضا الوظيفيّ الذي يسهم بدوره في السيطرة على العوامل الخارجيّة والعوامل المادّيّة التي تحول دون السيطرة على الأزمات. 

وعليه، نستطيع القول إنّ التخطيط وتقسيم الأدوار والعمل بروح الفريق الواحد من أهمّ الأسباب التي تساعد أيّ مؤسّسة تعليميّة على تخطّي الأزمات، وهذا ما تميّزت به أسرة مدرسة حيل العوامر للتعليم الأساسيّ من تعاون وتكاتف وخبرات ومشاركة في اتّخاذ القرار.