إيمان صفوت- أخصّائيّة لغة فرنسيّة- مصر
إيمان صفوت- أخصّائيّة لغة فرنسيّة- مصر
2022/12/09

برأيكِ، ما هو دور سياسات المدرسة وإدارتها في خلق الجوّ الملائم لتكامل العمليّة التعليميّة؟

أظنّ أنّ العمليّة التعليميّة تُشبه الكون؛ مجموعة من اللفّات الدائريّة المتداخلة عليها أن تتحرّك في تناغم، حتّى ولو اختلفت مواقع العاملين ضمنها. ولترسيم الأدوار المختلفة في المكان، ينبغي للّوائح التي توضع في مكان التّعامل مع العقل في المقام الأوّل، أن توجه كلّ الجهود للإعمار، فلا تقتصر على تجنّب المشاكل، بل تركّز، بالضرورة، على أكثر النقاط خصوبة لإنماء النماذج التي تتوفّر في حيّزها، وتطويع مهاراتها ابتداءً من الأقوى والأجدر بالثقة لتنمو.

أقصد أنّ الدور التعليميّ للمؤسّسة أحيانًا يتسبّب في الخلط بين الشعور الأبويّ والواجب العلميّ. لذلك نجد المؤسّسات تركّز على وضع أسس وقواعد تعلّي من سياسة العقاب - ووراء ذلك كلّ النوايا الطيّبة محفوظة. وفي الوقت نفسه، تقع بعض النقاط الهامّة التشجيعيّة طيّ النسيان - لتوبيخ الطالب الذي نؤمنُ بقدراتهِ، ولكنّه يتجنّب بذل أيّ مجهود لتحويل مفاهيمه إلى مفاتيح تحفّز مهاراته. على سبيل المثال، المهارات في اللغة أربع، منها اللغويّة والثقافيّة، فماذا لو انطلقنا من أقوى مهارة لنصل إلى مستويات مُرضية في المهارات الأخرى، من دون الاقتصار على التوبيخ أو التأنيب للتقصير؟ فيكون الطواف مع الكون سلسًا ولو قوبل الفرد بمعرقلات.

 

بالعودة إلى التعليم الوجاهيّ، ما الممارسات والتقنيّات التي استعملتها في التعليم من بُعد وأبقيتِ عليها الآن؟

العالم الدراسيّ مشتقٌّ من الواقع، وعلى المناهج أن تحاكيه لتؤهّل الطلّاب للحياة العمليّة بوعي. ومن الأمور التي كانت مفيدة بالنسبة إليّ تقديمُ التطبيقات للطلّاب ليتفاعلوا مع طلّاب آخرين حول العالم. وكان من بينها تطبيق أفضّل العمل عليه مع مختلف الأعمار والمستويات، هوSLOWLY. تتلخّص فكرة التطبيق في إرسال بريد، في عدد ساعات طويلة، تحت اسم مستعار. وهو آمن تمامًا إذ لا مشاركة فيه لأيّة بيانات شخصيّة أو صور، ولكن محادثات كتابيّة، ما يسمح للطلّاب بوقت كافٍ لتحضير مراسلاتهم بعيدًا عن ضغط السرعة، ويعرّفهم بثقافات مختلفة من خلال اللغات.

هُنا، أجهّز مع الطلاب فقرة تتناسب مع موضوع الدرس، كلٌ بطريقته، ثم يختارون عشرة أشخاص نصفهم بنات والنصف الآخر ذكور لتنويع الاستخدامات اللغويّة، ثم نرسل البريد لنجتمع حول ما استلموه من رسائل في المرّة القادمة، وتتنوّع الحكايات عن أعمار وهويّات المراسلين.

 

كيف تخاطِبين الاهتمامات المتعدّدة للمتعلّمين، لا سيّما الشغوفون منهم بالفنّ والموسيقى والرياضة؟

وأؤمن أنّ كلّ العلوم تلتقي في نقاط مشتركة كالناس؛ كلٌ منهم فريد ولكنّه يلتقي بصفاته مع آخرين بنسب متفاوتة. كلّ الاهتمامات، كذلك، تمكن إثارتها في الفصل من بوّابات مختلفة؛ تارة من خلال أسئلة تثير انتباه الطلّاب ليردوا عليها، وطورًا من خلال مناقشات حول مقالات أو حتّى أبحاث نقدّمها، ونثير نقاطها الفكريّة المختلفة  فلا شيء بعيد تمامًا عن اهتمام الجميع.

من أصعب الموضوعات مثلًا، بالنسبة إلى طلّابي، الفنونُ. فالكثير منهم غير مهتمّ بها، رغم أنّها واحدة من أهمّ الأمور التي نتطرّق إليها إذا ما ذُكرت الثقافة الفرنسيّة. وفي ذلك السياق، تكون الكثير من الأنشطة متاحة لتشجيعهم على تكوين نظرة فنّيّة، وأحيانًا نقديّة للفنون. فندرس معًا مجموعة من اللوحات بلا عنوان أو ذكر للفنّانين، لتصف كلّ مجموعة ما تراه وتعلّق عليه. ثمّ نقرأ نقدًا فنّيًّا مكتوبًا عن اللوح أو مشاهد صورًا فوتوغرافيّة غير مألوفة للفنّان ذاته لنناقشها. أو نبحث في حدث، مثل الثورة الفرنسيّة وتأثيرها في التيّار الفلسفيّ هناك، ونظيره في مصر. وهكذا، نختار من الموضوعات البعيدة كلّ البعد عن الحياة اليوميّة للطلّاب واهتماماتهم، ونطرحها بطرقٍ تقرّبها منهم بشكل مختلف.

الموادّ ليست مثيرة للاهتمام. الطلّاب أنفسهم هم من يجعلون كلّ شيء مملًّا أو مثيرًا للاهتمام من خلال الدرس، لأنّ الشيء المجرّد لا قيمة له في المطلق. من خلال الدرس، أجد من بين الطلاب من يعتقد أنّ الرسم مملّ، وآخر لا يحبّ الموسيقى، وآخر يكره الحديث عن "الموضة"، ولكن دائمًا ما يكون العرض والتفاعل مدخلًا لإضافة شيء يثير الفضول لدى الجميع.

 

هل متابعة مستجدات علوم التربية شرط وحيد للمعلّم الناجح؟ لماذا؟

التطبيق أرض خصبة لأيّ قراءات جديدة أو دراسات نظريّة. الاطلاع مهمّ والمعرفة تفتح نوافذ الوعي. ولكن لا شيء يكتسب قيمته من سرديّته. الممارسة خير دليل على المعرفة والتعلُّم.

 

ما التغيّرات التي لحظتها عند الطلبة بعد تجربة التعليم عن بعد؟ وكيف تستثمرين هذا التغيّر في تجديد مقاربتك التعليميّة؟

واحدة من مهارات التعلّم هي التواصل، الأمر الذي حرمنا منه التعلّمُ عن بعد؛ فهو قطّع وصال التواصل بشكل أو بآخر، حتّى لو وفّر الكثير من المزايا. وهو الأمر الذي أراه جليًّا، خصوصًا عندما نبدأ العمل في فرق.

 

من هو الطالب الشغوف بالتعلّم؟ وكيف توظّفين هذا الشغف في مادّتك أو الحصّة الدراسيّة؟

كلّ الطلّاب شغوفون بالتعلّم، كلٌّ حسب قدراته وإمكانيّاته. لذلك، على الأستاذ تنويع الأنشطة لتشملهم جميعًا بالتناوب، فيتحرّكون بين اهتماماتهم المختلفة، ويتكاملون في تناغم: فمن يمتلك حسًّا بحثيًّا يتكامل مع من لديه ضعف في حاسّة البصر أو فقدان لها. والشغوف بالقراءة يساعد زميله الذي لديه القدرة على الكلام بلا هيبة وخجل أمام الآخرين. ومن عِنده حضور وكاريزما يساعد زميله في نقاط قوّته وقدرته على الاستماع إلى التفاصيل، وهكذا.

في فصلي، مثلًا، هناك طلّاب أكفّاء وآخرون مبصرون. فإذا بدأنا العمل في مجموعات، أتخيّر المجموعات بحيث تتكامل؛ فالطالب الكفيف مستمع جيّد، وبالتالي نطقه صحيح وفهمه دقيق، بينما من يجالسه في الفريق يكون طالبًا صبورًا محبًّا للقراءة، مثلًا، فيتكاملان.

أمّا من حيث الأنشطة، فقدرات كلّ طالب تختلف عن الآخر، فهناك من هو أفضل في القدرات البصريّة، وآخر في القدرات السمعيّة، وكلّ منهما يكمل الآخر في الأنشطة المطروحة.

 

ما رأيك في ارتداء الطلّاب الزيّ الموحّد؟

أظنّه أمرًا مهمًّا لأنّ ما يبرزه الزيّ الموحّد هو جوهر الطلّاب وفكرهم، ولن يمنعهم من الاهتمام بمظهرهم كما يحلو لهم في سياق خارج المدرسة، في المجتمعات التي يختارونها أو يتردّدون عليها.

 

ما مُمارساتك اليوميّة التي توظّفينها لتحقيق الرفاه المدرسي؟

الابتسامة في وجه الطلاب حتّى مع الحزم في التعامل. هُناك الكثير من الممارسات، ولكنّ هذه واحدة من أمور يغفل الكثيرون عنها رغم أهمّيّتها.

 

ما مجالات التطوير المهنيّ التي تطمحين إلى أن تشاركي بها؟ لماذا؟ 

وضعُ المناهج، لأنّه أمرٌ يتطلّب الخبرة، الخبرة العمليّة وخبرة الحياة كذلك؛ وكأنّه هندسة طريق يسير فيه المرء مع مرشد أو وحده تمامًا، ويستطيع من خلاله التعبير عن ذاته وهويّته من دون طمس العالم من حوله أو تهميشه. مجال وضع المناهج ممتع جدًّا ولا يقبل الروتين رغم تطلّبه للأسس.

 

بماذا تنصحين شخصًا يريد أن يصبح معلّمًا؟ 

لا تتوقّف عن طلب العلم!