أثر الحرب في الطفل بين الفقر والحرمان من الطفولة
أثر الحرب في الطفل بين الفقر والحرمان من الطفولة

من بين أطفال العالم الذين يطيرون فرحًا بقطعة حلوى ودمية لطيفة، ويطلقون العنان لأحلامهم حين يسألهم الكبار: "ماذا تريدون أن تصبحوا في المستقبل؟"، هناك أطفال قُتلت أحلامهم منذ نعومة أظافرهم. تترك أهوال الحروب آثارًا عميقة في صحّة الأطفال الجسديّة والنفسيّة، مثل الحرمان من أبسط الحقوق المدنيّة والصحيّة، أو الاضطرابات النفسيّة طويلة المدى التي تسبّبها الأحداث القاسية، أو انعدام الأمان والاستقرار. نسلّط في هذه المقال الضوء على أثر الحرب في الطفل، والمخاطر المتعدّدة التي يُعرَّض لها الأطفال في مناطق النزاعات والحروب، وكيف يمكن لوالديهم التصرّف حيالها.

 

أثر الحرب في الطفل

تعدّ الحروب أحداثًا مدمِّرة تترك أثرًا دائمًا في المجتمعات، ويعدّ الأطفال من أكثر الفئات تضرّرًا. ومن أهمّ آثار الحرب في الطفل:  

الفقر 

يعدّ الفقر المصدر الأوّل لكلّ المعاناة اللاحقة بالطفل المتضرِّر من الحروب. لذلك، تنعدم الموارد باختلاف أشكالها في حياة الطفل منذ سنواته المبكرة، إذ تتسبّب الحرب بنزوح العديد من الأسر إلى المخيّمات لما تتعرّض له منازلهم من هدم جرّاء الحرب، أو اضطرارهم إلى الفرار حفاظًا على حياتهم. الأمر الذي يُفقدهم أبسط الحقوق، مثل المأوى الدافئ في أوقات البرد القارس والتغذية الصحّيّة والرعاية الطبّيّة الأوّليّة. 

الجوع 

يعاني الأطفال المتضرّرين من الحروب من قلّة الموارد الغذائيّة التي قد يصعب وصولها إلى مناطق النزاعات، ممّا يؤدّي إلى إصابة الأطفال بسوء التغذية وقلّة المناعة وهشاشة العظام، وغيرها من الأمراض التي تضعف صحّة الأطفال العامّة في الحروب، وتعرّضهم لمتاعب صحّيّة مستقبليّة مع تقدّم العمر. 

الحرمان من التعليم  

يتجلّى أثر الحرب في الطفل في الحرمان من فرص التعليم، حيث تؤدّي الحروب إلى تشريد العديد من العائلات من مناطق سكنهم، وقد لا يستطيعون تحمّل الكلفة المادّيّة لإعادة بناء نظام حياتهم في مكان جديد بسهولة. الأمر الذي يؤدّي إلى حرمان الأطفال من متابعة الدراسة بصورة طبيعيّة، والحصول على الفرص التعليميّة الجيّدة، والفرص الوظيفية الجيّدة في المستقبل.

عمالة الأطفال

يفقد العديد من الأطفال أسرهم بالكامل أو أغلبها في النزاعات والحروب، ممّا يعرضهم إلى الظروف القاسية والعمل المبكِر، أو العمل بالسخرة في أعمال شاقّة ومرهقة لهم جسديًّا ونفسيًّا، بسبب الاحتياج الشديد إلى المال أو تسلّط المجتمع عليهم. الأمر الذي يفقدهم بالبراءة، إذ يحملون المسؤوليّة ويواجهون صعوبات الحياة، ممّا يحرمهم من استمتاعهم بطفولتهم، ويدخلهم إلى حياة الكبار الشاقّة في وقت مبكِر. 

فقد الأهل  

الأسرة هي عالم الطفل الأوّل، وعلاقته بها هي الأوثق والأهمّ في حياته، تُدمِّر الحرب أمان الطفل الاجتماعيّ، إذ تعرِّض الطفل لصدمة فقد الأهل. فتنقلب حياته رأسًا على عقب، ويتركه فريسة الوحدة والخوف من المجهول، بعد انهيار نظام حياته واضطراره إلى تحمّل مسؤوليّة نفسه في سنّ مبكِرة، من دون حماية أو توجيه. 

انعدام الاستقرار 

نادرًا ما تستطيع العائلات المتضرّرة، بسبب أثر الحرب في الطفل وظروفها المتقلّبة، الحفاظ على استقرارها. فقد الأطفال الاستقرار وكثرة التنقّل من نظام حياتيّ إلى آخر، يحرمهم الشعور بالأمان ويسبّب لهم صدمة هجر منازلهم وأصدقائهم المتعلّقين بهم. ففي الوقت الذي يتأثّر فيه الأطفال الذين يتنقّلون كثيرًا من مكان إلى آخر، منهم مَن يتعرّضون لظروف أسوأ حالًا مع الوقت، وتتخطّى معاناتهم مجرّد محاولات التأقلم مع الأوضاع الجديدة وسريعة التغيير. 

التعرّض للعنف  

يتعرّض العديد من الأطفال المتضرّرين من الحروب للتعنيف الجسديّ واللفظيّ، والانتهاكات بمختلف أشكالها، نظرًا لانعدام الأمن والرقابة وانتشار الفوضى في مناطق النزاع. الأمر الذي يفسح الطريق للعصابات الإجراميّة وقطّاع الطرق وغيرهم، لفرض سلطتهم وممارسة العنف الجسديّ على الأطفال، مثل جرائم القتل أو التعذيب أو الترهيب المستمرّ. ويعدّ التعنيف أقسى ما تتركه الحرب من آثار في الطفل على الإطلاق، ولا يُقارن بأيّ حالة أخرى.  

الصدمات النفسيّة 

يعدّ الناجون من الحروب والنزاعات العسكريّة موضوعًا رئيسًا في كتب الطبّ النفسيّ، وحالة تشغل الأطباء والأخصّائيّين النفسيّين كثيرًا. تنطوي الحروب على العديد من المشاهد القاسية والأهوال التي لا يستوعبها عقل ولا يتحمّلها قلب، ويعاني بسببها العديدُ من الناس الاضطراباتِ النفسيّةَ العميقة، والتي يصعب علاجها، وقد تستغرق أعوامًا طويلة لتجاوزها، فكيف بالأطفال؟! يتعرّض العديد من الأطفال للصدمات النفسيّة بسبب الأحداث المؤلمة التي يتعرّضون لها، مثل القصف، أو مشاهد القتل، أو فقد الأهل، أو الهجرة غير الشرعيّة، أو التهجير. ولأنّ أحداث مرحلة الطفولة تترك حرجًا عميقًا في النفس البشريّة، مهما بلغ الطفل من العمر، تبقى رحلة التعافي من المشاهد القاسية وفقد الأسرة والأمان الاجتماعيّ رحلة شاقة، يفشل عدد لا بأس به من الناجين من الحروب في تجاوزها، ويحتاجون إلى دعم نفسيّ منقطع النظير. 

الحرمان من الخدمات الصحّيّة والاجتماعيّة

يستيقظ الطفل المتضرِّر من الحرب، من نومه الهانئ على كابوس قاس، يحرمه من أبسط الخدمات اليوميّة المستحَقّة، فضلًا عن الرفاهية. تفتقد المناطق المتضرِّرة من الحروب والنزاعات إلى الخدمات الصحّيّة، مثل الوعي الصحّيّ بأهمّيّة الوقاية وتوفير الرعاية الطبّيّة والإمداد بالأدوية وغيرها، كما هو حال الخدمات الاجتماعيّة أيضًا، حيث تفتقر هذه المجتمعات الصغيرة إلى التنمية المجتمعيّة والدعم النفسيّ.  

الإجبار على الزواج 

تُجبَر الفتيات المراهقات في مناطق الحروب على الزواج المبكِر، بسبب حاجة الأهل إلى المال وانعدام الفرص التعليميّة والمجتمعيّة. الأمر الذي يدفع بأهلهنّ إلى إجبارهنّ على الزواج برجل غنيّ، أيًّا كانت رغبة الفتاة أو معاملة الرجل لها. 

 

كيف تتعامل مع طفلك بعد الحرب؟

خروج طفلك من مأساة حرب يجعلك مسؤولًا عن مهمّة تزويده بالدعم اللازم، لخروجه من الصدمة التي خلّفتها الحرب في نفسيّته. فيما يلي بعض النصائح حول كيفيّة تزويد طفلك بالراحة والدعم اللازمين، ليتخطّى هذه المحنة:  

اكتشف ما يعرفه وكيف يشعر به 

اختر وقتًا ومكانًا يمكنك فيهما التحدّث عن الموضوع بشكل طبيعيّ، ومن المرجَّح أن يشعر طفلك بالراحة في التحدّث بحرّيّة، ولكن حاول تجنّب الحديث عن الموضوع قبل النوم مباشرة. 

تحدّث معه بلغة هادئة ومناسبة لعمره 

لطفلك الحقّ في معرفة ما يحدث في العالم، ولكن يتحمّل الكبار أيضًا مسؤوليّة إبقائه في مأمن. لذلك، استخدم لغة مناسبة لعمره، وراقب ردود أفعاله، وكن مدركًا مستوى قلقه. 

تأكّد من تحسّن حالته  

عند إنهاء محادثتك، من المهمّ التأكّد من أنّك لا تترك طفلك في حالة من الضيق. حاول تقييم مستوى قلقه بمراقبة لغة جسده، مع الأخذ بالاعتبار ما إذا كان يستخدم نبرة صوته المعتادة وراقب تنفسّه. 

تأكّد من استقراره النفسيّ

عند إنهاء محادثتك مع طفلك، من المهمّ أن تتأكّد من أنّ حالته النفسيّة تتحسّن رويدًا رويدًا. قيِّم مستوى قلقه ولغة جسده، مع الأخذ بعين الاعتبار ما إذا كان يستخدم نبرة صوته المعتادة. 

تفقّد حالة طفلك باستمرار  

من المهمّ جدًّا متابعة التواصل مع طفلك لمعرفة أحواله وشعوره ومدى رغبته في التحدّث. تذكّر أنّ للأطفال ردود فعل مختلفة، بعضها لا يكون واضحًا. لذلك، تجب مراقبة حالته النفسيّة باستمرار، لتعرف متى يجب عليك الاستعانة بمختصّ نفسيّ. 

تجنّب إخبار طفلك الأخبار السلبيّة

ضع في اعتبارك أنّ تعرّض طفلك للأخبار السيّئة يصعّب عليك مهمّة تحريره من الآثار السلبيّة التي خلّفتها الحرب فيه. لذلك، حاول قدر الإمكان إبعاد طفلك عن مصادر الأخبار المنقولة، سواء من خلال التلفاز، أم شفهيًّا من الأشخاص المحيطين به.

 

لا تنسَ نفسك  

لن تكون قادرًا على مساعدة طفلك كما يجب، إذا لم تكن أنت قادرًا على منحه الأمان الذي يحتاج إليه. لذلك، قبل أن تصلح ما أفسدته الحرب في طفلك، اسعَ إلى تحصيل استقرارك النفسيّ أوّلًا.  

* * *

خلال هذه الرحلة الصعبة، من الضروريّ أن تعمل على إنشاء بيئة آمنة، حيث يشعر طفلك بالأمان، وأشعره بحبّك غير المقترن بقيد أو شرط. شجّع التواصل المفتوح الذي يسمح له بالتعبير عن مخاوفه وحزنه وارتباكه من دون حكم. يساعدك استعدادك للاستماع إليه وفهم مشاعره على الشفاء. وعلى الرغم من أنّ الطريق أمامك قد يبدو طويلًا وغير واضح المعالم، إلّا أنّك لست الوحيد وسط المعاناة. لذلك، اجعل من قصّتك منارة للأمل لك ولطفلك. 

 

أقرأ أيضًا

طرق التعامل مع المراهق العنيد | منهجيات - نحو تعليم معاصر (manhajiyat.com)

الرهاب الاجتماعيّ عند الأطفال: أسبابه وعلاجه | منهجيات - نحو تعليم معاصر (manhajiyat.com)

 

المراجع

https://www.concern.net/news/how-does-war-affect-childrens-lives  

https://theconversation.com/war-devastates-the-lives-of-children-what-the-research-tells-us-and-what-can-be-done-168157  

https://www.unicef.org/parenting/how-talk-your-children-about-conflict-and-war