واقع اللغة العربيّة في صفوف المرحلة الثانويّة
واقع اللغة العربيّة في صفوف المرحلة الثانويّة
2025/05/04
هويدا خالد مصطفى | أستاذة في التعليم الثانويّ في مادّة اللغة العربيّة- لبنان

لا يُخفى على أحد ما آلت إليه اللغة العربيّة من واقع مزرٍ في الصفوف التعليميّة، خصوصًا في المرحلة الثانويّّة. فالعربيّة لم تعد جذّابة كسابق عهدها، وتعليمها أصبح ممِّلًا وغير مشوِّق، وهذا ما يدركه المراقب عن كثب لصفوف الثانويّات.

ما إن يُدقّ جرس الحصّة منبئًا بانتهاء حصّة مادّة علميّة ما، ومؤشّرًا إلى قدوم حصّة اللغة العربيّة، حتّى يتراءى المشهد الذي نقصده واضحًا جليًّا، وتبدأ رحلة المعاناة. يدخل معلّم اللغة العربيّة الصّفّ، فينتبه القليل لدخوله كالعادة. يلقي السلام على الطلّاب، فيردّ عليه السلام واحد أو اثنان منهم. يقف ينتظر الهدوء والاستعداد: فهنا في  أوّل الصفّ ثلّة من الطلّاب يتناقشون في مسألة المادّة العلميّة التي سبقت حصّة اللغة العربيّة. وفي آخر الصفّ تجمّع عدد حول زميل يشرح لهم مسألة لم يفهموها. ينادي المعلّم بأعلى صوته: "ها قد دخلت الصفّ، وأنا أنتظر هدوءكم واستعدادكم". يلبّي النداء عدد منهم، ويتجاهل عدد آخر. وبعد توجيه نداءات للمتجاهلين، يسترجع المعلّم هدوء الصفّ، ويطلب من المتعلّمين وضع الكتب والدفاتر أمامهم ليبدؤوا الدرس. هنا يبدأ مشهد دراميّ آخر، معظمهم لم يُحضر كتاب اللغة العربيّة، فيتدارك المعلّم الوضع ويوزِّع عليهم نصوصًا مصوَّرة مسبقًا أحضرها معه. يبدأ بشرح نمط من أنماط النصوص، فيستأذن متعلّم برفع اليد طالبًا الكلام. يسمح له المعلّم، فإذا السّؤال المعتاد: "ما نفع هذا النمط يا أستاذ في الحياة العمليّة؟ وبماذا سأطبّقه في مهنتي إن تخصّصت في علوم الحاسوب؟" يتوالى هذا النوع من الأسئلة إلى أن يضع المعلّم حدًّا ينهي هذا الجدل. أمّا بالنسبة إلى التقييم ونتائجه فحدِّث ولا حرج، فهناك مشهد تراجيديّ بامتياز: سوء فهم النّصّ؛ عدم توظيف المكتسبات؛ عدم معرفة الحلّ...

إنَّ هذا المشهد المؤلم لتعليم اللغة العربيّة في الصفوف الثانويّة مردّه عدّة أسباب. من الصعب علينا حصرها في سطور هذه التدوينة، إنّما سنكتفي بذكر الآتي منها:

أوَّلا: الاستخفاف باللغة العربيّة

فالطالب لا يعيرها ما ينبغي من اهتمام، بل يصبّ جهوده على الموادّ العلميّة والاجتماعيّة، ويعلّل ذلك بتوجُّهه العلميّ. وللأهل دور عظيم في ذلك، إذ نجدهم يهتمّون بالموادّ العلميّة وباللغات الأجنبيّة، خصوصًا الإنكليزيّة، بحجّة أنّها لغة العلوم والتكنولوجيا. حتّى إنّ المسؤولين التربويّين في المدارس يصرفون جلّ اهتمامهم وتركيزهم على الموادّ العلميّة، ونادرًا ما نجدهم يعلّمون أبناءهم وطلّابهم اللغة العربيّة تعليمًا إضافيًّا، بينما نرى المناطق تكتظّ بمراكز التعليم الخصوصيّ للموادّ العلميّة، واللغات الأجنبيّة كالفرنسيّة والإنكليزيّة.

 

ثانيًا: المنهج

من حيث المنهج، استُجلبت المناهج المعلّبة المأخوذة عن اللغات الأخرى، خصوصًا اللغة الفرنسيّة والإنكليزيّة، لتطبيقها على اللغة العربيّة؛ ففقدت رونقها ولم يعد الطالب يتذوّق جمالها. جاء التقليد الأعمى بمصطلحات وتقنيات مستحدثة ما زال الهدف منها غير واضح لدى طرفَي عمليّة التعلّم على السواء.

فما جدوى تدريس الأنماط، والترويسة، والحقل المعجميّ، ووظائف الكلام، والكلمة الموضوع والكلمة المفتاح، وغيرها من المسمّيات الكثيرة؟ وما دورها في فهم النّصّ والتعبير عنه؟

إنّ غاية تعليم اللغة العربيّة هي فهم المقروء والمسموع والتعبير عنهما. فلو طلبنا من المتعلّم أن يبدي رأيه، أو يبرهن فكرة، أو يكتب مقالة أو يصف مشهدًا، فهو ليس بحاجة إلى معرفة مؤشّرات النمط والترويسة.

إنَّ كل هذه التقنيّات تفرّغ اللغة العربيّة من مضمونها وتجعلها معتمدة على الشكل، لا على المضمون، وتعقّد الفهم، ما يجعل عمليّة التعلّم أصعب لا أسهل. 

 

خلاصة القول، إنّ واقع تعليم اللغة العربيّة في صفوف المرحلة الثانويّة مأزوم، ويزيد تازُّمًا عامًا بعد عام، وهذا ما نلمسه من تدنّي علامات الطلّاب في الشهادات الرسميّة، الأمر الذي يلزمه وضع خطط وورش عمل لتدارك هذا التدهور.