هل يوجد معلّم بلا ضمير؟
هل يوجد معلّم بلا ضمير؟
2023/06/26
زهور عقل | معلّمة لغة عربيّة- لبنان

يقول أحمد شوقي: "كاد المعلّم أن يكون رسولًا".

وأنا أؤكّد على مقولة أميرنا، ولكن على طريقتي؛ فنعم، كاد المعلّم أن يكون رسولًا، لأنّ الرّسول ينشر رسالته ويقدّم تعاليمه بلا أيّ مقابل مادّيّ.

في ظلّ ما يعيشه لبنان واللبنانيّون من أزماتٍ اقتصاديّةٍ، يبحث المعلّم عن حياة كريمة له ولأسرته، فيجد نفسه أخيرًا أمام عمل لا يساوي درجة شهادته ولا خبراته، ولكنّه مضطّر إلى توقيع عقد إذعان لتأمين لقمة عيشه وحسب، وهنا أقصد لقمة عيشه بمعناها الصّريح؛ فقد وقّعت بعض المدارس "التجاريّة"، والتي استغلّت الظروف، مع المعلّمين عقودًا بالليرة اللبنانيّة، بما يساوي 40 دولارًا شهريًّا! نعم صدّق، هذا هو المبلغ ولكن بالليرة. ومع تدهور قيمة الليرة، أمسى راتب المعلّم 20 دولارًا، لكنّ ضمير الإدارة الماليّة في المدرسة لقي في سباتٍ عميق: يوقّعون عقدًا معه، لكنّهم يُقدّمون إلى التّفتيش والمراقبة عقودًا أخرى لا يعرف عنها المعلّم شيئًا.

 

أعتقد أنّ المعادلة الصّعبة اليوم، هي أن تجد معلّمًا محفوظة كرامته في لبنان أوّلًا، وفي نطاق عمله ثانيًا. فهو بات إنسانًا مهدورة حقوقه، لكنّه مُطالب بتأدية واجباته من دون نقصان، وإلّا سيحاسب حسابًا عسيرًا.

فترى المعلّم يعلّم قبل الظهر في المدرسة، ويعمل عملًا آخر بعد المدرسة، حتّى يؤمّن الحدّ الأدنى من المتطلّبات الحياتيّة. ومع كل هذا، على المعلّم أن يكون سعيدًا ونشيطًا و... وإلّا...

 

هل جعلت كلّ هذه الأسباب المعلّمَ بلا ضمير؟

مع قلّة ضمير كلّ من أسهم بوصول لبنان إلى ما هو عليه اليوم، ومع انتشار الفساد علنًا من دون أيّ رادع، ومع تزايد أزمة الغذاء والاستشفاء و... كل ذلك برأيي ليست مبرّرات ليصبح المعلّم بلا ضمير.

فأنت كمعلّم عندما اخترت التّعليم مهنة، اخترت أن تنشر رسالة، واخترت أن تكون قائدًا لطلبة أنت قدوتهم، وأنت مثلهم الأعلى، بل أنت مربّيهم. فإذا أهملت دورك وواجباتك في إيصال المعلومة إلى التلميذ، وإذا لم تتدارك أخطاء ذلك وتصحّحها، وإذا لم تتقيّد بالمبادئ الإنسانيّة والدينيّة التي عليها أنت تربّي الأجيال القادمة، تخلَّ عن مهنتك قبل أن تستنسخ المزيد منك.

 

فالمعلّم الّذي أظهر قلّة المسؤوليّة، والإهمال، وعدم الأمانة في تقديم رسالته، لمبرّرات مادّيّة، ماذا يُظهر لنا سوى مادّيّته؟ ببساطة، إذا كان التّعليم لا يدرّ عليك ربحًا مادّيًّا اتركه.

لا تعتنق العلم وتكفر بالتّعليم؛ فأنت كمعلّم وأنتِ كمعلّمة، أب وأمّ، وأخ وأخت، لديكم أيضًا أولاد وإخوة يتعلّمون، فَقيسا ذلك عليهم. ألّا يجنّ جنونكما إذا أخبرك ابنكما أنّه لم يفهم الدّرس اليوم؟ ستضعان اللّوم على مَن حينها؟

 

عزيزي المعلّم

تأكّد من أنّك تعيش في البيئة نفسها التي يعيشها معظم، إذا لم يكن كلّ، طلبتك، وأنّ لديهم أهل يصارعون الحياة كلّ لحظة في سبيل تأمين حياة أفضل لأبنائهم، ترفع لهم القبّعة، على جهودهم في السّعي لتعليم أولادهم رغم هذه الظّروف القاسية. فكن أنت اللين في ظلّ هذه القسوة، وكن أنت الحبّ في ظلّ هذا الجفاء، وكن أنت العون في ظلّ هذا الوجع.

 

طالب بحقّك بالطرق الشرعيّة المختلفة، ستقول لي: "الأذان صمّاء والضّمير أخرس". أعرف، وأعرف أيضًا أنّ الحقّ لا يضيع. ولا أخفيك سرًّا، أنا من الّذين يؤمنون أنّ الله يستردّ الحقوق في الدنيا والآخرة، وصدّقني سيكون ذلك بشكلٍ لا يتصوّره العقل البشريّ.

وأخيرًا، لا يوجد معلّم بلا ضمير، بل توجد حكومة بلا ضمير سلبت حقّه، وجوّعت أطفاله، وقسمت ظهره، وإدارة مدرسة رأسماليّة قالت: "اللهمّ نفسي".