ما الذي يجعلك تضحك في المدرسة على الرغم من الضغوط؟
ما الذي يجعلك تضحك في المدرسة على الرغم من الضغوط؟
2025/10/22
لما شوقي دبّوس | مُعلمة كيمياء لمرحلة الدبلوم وعلوم للمرحلة الثانويّة- لبنان/ قطر

كثيرًا ما يُطرح عليّ السؤال: كيف تمضين يومك؟ فأنا المعلّمة، والزوجة، والأمّ، وربّة المنزل، والصديقة، والزميلة. هل يمكن حقًّا أن أؤدّي كلّ هذه الأدوار يومًا بعد يوم من دون تحدّيات؟ من دون الحاجة إلى دافع؟ من دون أن تمرّ عليّ لحظات من الحزن أو ومضات من الفرح؟

يبدأ يومي بتحدّي الاستيقاظ باكرًا، وإعداد الفطور وحقائب الظهر، وإعادة التخطيط الذهنيّ لساعتي المدرسيّة وبرنامج الحصص، كلّ ذلك مع إيقاظ أطفالي النعّاس برفق، واحتضانهم، والتأكّد من خروج الجميع في الوقت المحدّد.

في طريقي إلى المدرسة، تجول في ذهني فكرة لدرسٍ جديد لم تكتمل بعد، ومخطّط يحتاج إلى مراجعة، وقائمة مهام لا تنتهي أبدًا. ثمّ أجد نفسي أفكّر في بناتي، أتساءل إن كانتا مستعدّتَين لما ينتظرهما، وإن كانتا واثقتَين من نفسيهما للامتحان، وإن كان هناك موقف جميل سيجعلهما تبتسمان بقوّة. أهمس لهما بدعاءٍ وأملٍ صامتين يختبئان بين إشارات المرور ومتطلّبات اليوم.

أخطو أخيرًا إلى الحرم المدرسيّ، حاملة أثقالي الشخصيّة ومبتسّمة للوجوه التي أراها تدخل بهمّة ونشاط. لكنّ الفصل الدراسيّ ينتظر، ويجب أن أتعلّم التخلّي عن هذا الثقل عند الباب. أتنفّس، وأعيد ضبط نفسي، وأدخل بكل دفءٍ وحضور. من تلك اللحظة، يصبح الأمر التزامًا صادقًا: أطمئن على الطلّاب، أهدّئ القلقين، أشجّع المنعزلين، وأحتفي بالفضوليّين.

أظهرت دراسة نُشرت في مجلّة "Frontiers in Psychology" أنّ المعلّمين يستخدمون استراتيجيّات مختلفة لإدارة عواطفهم. وهذا ليس مفاجئًا، فالتدريس ليس مجرّد وظيفة، بل هو استثمار عاطفيّ يوميّ. نحن المعلّمون نحتضن تلك الوجوه البريئة، نضمن سلامتها، ونصغي لأصواتها، ونشاركها. وفي خضمّ كلّ هذا، تأتي اللحظات الذهبيّة: الرقص العفويّ لطالبٍ متحمّس، النكتة التي يهمس بها طالب الصفّ التاسع كما لو كنّا نتشارك سرًّا، والابتسامة الخجولة لطالبٍ أتقن المفهوم أخيرًا. هذه هي الشرارات التي تضيء اليوم كلّه، والضحك الذي يجد طريقه عبر التعب، ويذكّرني بأنّ الفرح ما يزال يعيش هنا، حتّى في أكثر الأيّام ازدحامًا.

ما يجعلني أضحك في المدرسة، أنا المعلّمة، هي تلك اللحظات العفويّة والمواقف الطريفة، والتي تحدث مع الطلّاب من دون تخطيط. هي تعليقاتهم البريئة، ومحاولاتهم اللطيفة لإلقاء النكات، وحتّى أخطاؤهم البسيطة التي تحمل في طيّاتها لمسة من الطرافة؛ كأن يصرّ أحدهم على رفع يده فقط ليسألني إن كنت أشجّع ريال مدريد، أو ليسرد لي قصّة حصلت معه في الفصل السابق. تلك اللحظات البسيطة تضيف لمسة من الفرح تخفّف من وطأة اليوم الدراسيّ.

 

الفكاهة في التعليم ليست ترفًا، بل هي ضرورة. أظهرت الدراسات أنّ الضحك داخل الصفّ يقلّل من مستويات التوتّر والقلق لدى المعلّمين والطلّاب على حدّ سواء، ويخلق بيئة تعليميّة أكثر إيجابيّة وتفاعلًا. في جوّ يسوده المرح، تنمو العلاقات بين المعلّم والطالب، ويصبح التعلّم أكثر سلاسة وعمقًا.

وخارج الصفّ، هناك نوع آخر من الضحك لا يقلّ قيمة، ذلك الذي نتشاركه نحن المعلّمين، في غرفنا: حين نروي مواقف مضحكة من الحصص، أو نرسل صورة معبّرة في منتصف أسبوع مزدحم بالتصحيح، أو نلتقي بنظرة مليئة بالتفاهم بعد حصّة مليئة بالفوضى. تلك الروابط بين الزملاء عميقة، تمنحنا شعورًا بأنّنا لسنا وحدنا في هذا الطريق، وأنّ هناك من يفهم تمامًا ما نمرّ فيه من تعبٍ وبهجة في آنٍ.

هذه اللحظات من الفرح والضحك الحقيقيّ، هي ما يجعل من مهنة التعليم أكثر من مجرّد وظيفة.