ماذا سيحدث عندما يركّز المعلّم على الإنجاز وليس على النشاط؟
ماذا سيحدث عندما يركّز المعلّم على الإنجاز وليس على النشاط؟
2024/04/14
محمّد تيسير الزعبي | خبير مناهج اللغة العربيّة وأساليب تدريسها، ومصمم برامج تدريبيّة - الأردن

تجذبني كثيرًا الملتقيات التي تعقدها المؤسّسات المهتمّة بدعم المعلّمين وتطوير أدائهم، فهي فرصة لإظهار المهارات الفرديّة التي يمتلكها المعلّمون والمعلّمات، ومن جهة أخرى، تشكّل هذه الملتقيات فرصة لسماع التأمّلات حول فعاليّة كثير من استراتيجيّات التدريس، وعلى هذا الأساس، فإنّها تصبح نوعًا من أنواع التعلّم بالأقران الذي ننفّذه في غرفنا الصفّيّة، لكنّنا في الملتقيات نعقده بين التربويّين والمتخصّصين. 

لكن، هل الملتقيات كلّها مفيدة؟

مسؤوليّة نجاح هذه الملتقيات تقع بشكل كبير على عاتق اللجان المنظّمة لها، فهي التي تختار المشاركين وفق معايير محدّدة، ولا بدّ أن تكون المُشارَكات التي ستعرض هي أفضل ما وصلهم من مُشارَكات، إلّا أنّ الواقع يقول عكس ذلك.

يهتمّ المنظّمون بنوعيّة محدّدة من الأنشطة والاستراتيجيّات، والتي يوظّف فيها المعلّمون الأنشطة الحركيّة، والمحسوسات، والوسائل التكنولوجيّة، وهذا مهمّ وأساسيّ عندما يُحدث الأثر المتوقّع، ويحقّق التعلّم بصورة شاملة، ولا يحتاج إلى كثير من التجهيزات التي تفوق قدرة المعلّم والمدرسة، ويحتاج إلى وقت طويل لتنفيذه، أو الإعداد المسبق.

 

يظنّ الكثير من المعلّمين والمعلّمات أنّ تحرّك الطلبة في الغرفة الصفّيّة، وعدم بقائهم في مقاعدهم فترات زمنيّة طويلة، وتوظيف الأدوات المختلفة مثل الكرتون، والأعواد الخشبيّة، والألوان، في المهمّات التعليميّة التي تنفّذ في الغرفة الصفّيّة، يجعل التعلّم مختلفًا، وهذا الظنّ صحيح إلى حدّ ما؛ لأنّ تحرّك الطلبة وعملها في المحسوسات مفيد، ويقرّب التعلّم إلى أذهانهم، لكنّ لهذا الأمر محاذيره، فهو يجعل الطلبة يغرقون في الأنشطة على حساب الإنجاز، فيأتي أثر التعلّم بعد كثير من النشاط قليلًا، وهذا الأمر يشبه تمامًا فريق كرة القدم الذي يركض كثيرًا في الملعب، لكنّه لا يحقّق الفوز!

النقطة المهمّة التي يجب أن يلتفت إليها المعلّم عندما يريد اعتماد هذه الطريقة في تعليم طلبته، هي ألّا يكون النشاط على حساب الإنجاز، فيهدر كثيرًا من الوقت والجهد للحصول على نتائج متواضعة، وأثر محدود، بينما سيكون من المفيد التركيز على الإنجاز الذي يتحقّق بأقلّ الجهود والأدوات، وأقصر الأوقات، ذلك أنّه من غير المنطقيّ أن ينهمك المعلّم في إعداد الأدوات والوسائل والتجهيزات لوقت طويل، ويخصّص بعض الموارد الماليّة، ويحتاج إلى مساعدة من آخرين لتنفيذ نشاط يستغرق في الحصّة وقتًا قصيرًا، ويكون له أثر محدود في تعلّم الطلبة.

 

من جهة أخرى، فإنّ تأمّلًا بسيطًا في طبيعة هذا النوع من الأنشطة يقودنا إلى عدد من الملاحظات: 

- ليست كلّ الاستراتيجيّات صالحة للتطبيق في البيئات الصفّيّة، بل إنّ الباحثين في الأدب التربويّ اليوم توقّفوا عن استخدام مصطلح "الاستراتيجيّات الحديثة"، وباتوا يقولون "الاستراتيجيّات الفاعلة"، لذلك، فإنّ ما أشاهده في كثير من اللقاءات يكون غير فاعل بالدرجة الكافية، والأسباب كثيرة.

- المعلّم الماهر يدرك جيّدًا أنّ استخدام الألوان والوسائل والأدوات بشكل مفرط ومستمرّ، خاصّة في المراحل الدراسيّة بعد الصفّ الثالث، قد يكون سببًا في وقوع الطلبة في إرباك، ولا يثبّت التعلّم في أذهانهم.

- كثير من الاستراتيجيّات المعروضة تصلح للتطبيق مرّة واحدة، إذ لا فائدة من إبقاء المغلّفات المرقّمة من 1- 6 معلّقة لأسبوعين على سبيل المثال، وفي كلّ حصّة يختار الطالب رقمًا، ليجيب عن السؤال الموجود في المغلّف، فاحتماليّة أن يسمع الطالب الأسئلة كلّها في حصّة واحدة عالية، خاصّة عندما يصمّم المعلّم على أن يزور الطلبة كلّهم ركن المغلّفات في الحصّة، ناهيك عن الوقت اللازم لتنفيذ تلك الزيارة.

- كثير من المعلّمين يرغبون بالتخلّص من دورهم التلقينيّ في الحصّة، لكنّ كثرة الأنشطة التي يكون فيها المعلّم المسؤول الأوّل عن تنفيذها، وصياغة تعليماتها وأدواتها، لا تسمح له بالتخلّص من التلقين، إذ تجد المعلّم فوق رأس كلّ طالب، وفي بعض الأنشطة التي شاهدتها، رأيت المعلّم يعيد تعليمات النشاط لكلّ طالب بشكل فرديّ.

- في كثير من تلك الأنشطة يسمع المعلّم صوته فقط، فتراه يخطّط للمهمة وينفّذها، ولا يتبعها بمحاولة الحصول على تغذية راجعة من أطراف العمليّة التعليميّة، مثل المدير أو الزملاء في التخصّص نفسه، حتى الطلبة الذي نفّذوا المهمّة، لا يبدون رأيهم أو مقترحاتهم في نقاط القوّة التي قدّمتها المهمّة، ومجالات التحسين التي يمكن تطويرها، وخطورة هذا الأمر، أنّ المعلّم لا يعرف إن كان النشاط الذي نفّذه يحدث ذاك الأثر العميق في تعلّم الطلبة، أم أنّه فقط لمجرد التنويع، وتحريك الطلبة.