لا تسمح للانفجار أن يحدث
لا تسمح للانفجار أن يحدث
2024/02/18
محمّد تيسير الزعبي | خبير مناهج اللغة العربيّة وأساليب تدريسها، ومصمم برامج تدريبيّة - الأردن

هذه التدوينة موجّهة إلى قادة المدارس والمعلّمين على حدٍّ سواء. ولمزيد من التوضيح، فإنّي أعني بالضبط دلالة الانفجار عندما اخترت هذه المفردة لتكون في العنوان؛ فالانفجار الذي أقصدُه هو عدم تحقّق أهداف التعلّم في الصفّ، وضياع جهود المعلّم. وهو أيضًا عدم قدرة المدرسة على أن تؤثّر في الطلبة، أو المجتمع الذي توجد فيه، بسبب عدم تمكين المعلّمين، أو الطلبة بالطرائق والأدوات المناسبة والملائمة، وعدم تحقيق القيادة المدرسيّة رسالة المؤسّسة ورؤيتها.

الانفجارات تحدث في المدرسة والغرفة الصفّيّة بمستويات متباينة وأشكال متنوّعة، إذ نردّد دومًا تلك العبارة التي تنطوي على قدر كبير من الحكمة "القشّة التي قصمت ظهر البعير". فيجب ألّا نستهين بكثير من التصرّفات في المدرسة أو الغرفة الصفّيّة، مهما بدت لنا بسيطة سطحيّة ساذجة؛ لأنّنا أحيانًا لا ندري أيّ تلك التصرّفات التي تحمل القشّة التي ستقصم ظهر المعلّمين والمعلّمات، والطلّاب والطالبات. وبعد قصم ظهر الأداء، ربما تكون معالجة آثار الانفجار أكثر كلفة ممّا لو اتّخذنا الاحتياطات التي تحول دون وقوعه.

يجب ألّا نستهين بالمهمّات الإضافيّة التي نطلقها ونطلبها باستسهال، وألّا نظنّ أنّنا وحدنا فقط من يطلب من الطلبة أو المعلّمين. وأنّ ما نطلبه، بنظرنا، بسيط سهل لا يحتاج إلى كثير وقت أو جهد، فنطلب أبسط الأمور في أيّ وقت، وحتّى من دون أن نقدّر متى سيكون طلبنا القشّة التي ستشعل فتيل الانفجار في المدرسة، أو الغرفة الصفّيّة. ولا نعرف أنّ السبب المباشر لذلك الانفجار، مهما كان بسيطًا ومحدودًا، هو عندما أغرقنا المعلّمين والطلبة بالكثير من المهمّات والطلبات.

 

قائد المدرسة

يلتقي قادة المدارس عند غاية واحدة؛ أن تكون مدارسهم داعمة لتعلّم الطلبة وملبيّة لاحتياجاتهم. وهذه الغاية يحقّقها المعلّمون والمعلّمات عندما يعملون في جوٍّ مريح تسوده الألفة، والتوجيه الدقيق، والدعم الحقيقي، ويكون تجاوز التحدّيات أمرًا متّفقًا عليه بين الزملاء وقيادة المدرسة، لذلك فإنّ القائد الماهر في المدرسة:

1. يتجنّب الطلبات المتتابِعة والمتلاحقة من فريقه، فكثرة الطلبات والمهمّات ترهق الفريق، وتضعه في بيئة غير مؤاتية للإنجاز الدقيق والجيّد، ويتحوّل الأمر إلى الانتهاء فقط من المهمّات من دون اعتبار لمعايير تحقيق الجودة العالية.

2. يحرص أن تكون أنشطة المدرسة هادفة، وتخدم أهداف التعلّم، وتنمّي مهارات الطلبة الحياتيّة والتفاعليّة خارج أسوار المدرسة، وليست فقط لمجرّد وضعها رقمًا في قائمة أنشطة العام الدراسيّ، أو نشرها في منصّات التواصل الاجتماعيّ.

3. يجد آليّة لمراعاة العدالة والنزاهة في توزيع المهمّات بين المعلّمين والمعلّمات، إذ من غير المنطقيّ أن يتحمّل المعلّم النشيط بسبب رغبته في العمل الحمل الأكبر، بينما بقية المعلّمين يراقبونه، فتراه يحمل سجلّ المهمّات، أو يضع لوحًا في الإدارة، أو يصمّم ملفًّا في برمجيّة إكسل يتضمّن المهمّات التي يعمل عليها المعلّمون، والمدّة المحدّدة للإنجاز.

4. يتوقّف عندما يشعر أنّ المعلّمين ينهمكون في إنجاز مهمّات مطلوبة منهم، فلا يضيف جديدًا إلى ما بين أيديهم، أو تراه يلحّ في الإسراع من دون الاكتراث بالجودة العالية، أو يراقبهم بهدف التصيّد والتفتيش، أو يكلّف زميلًا دون غيره بالمهمّة الجديدة، بل يراعي العدالة في التكليف والدعم، إذ من غير المنطقيّ أن تُلقى المهمّات على زميل بينما غيره لا يقوم بشيء سوى الدخول إلى الحصص.

5. يبتعد عن المهمّات التي تحتاج إلى ميزانيّة عالية تفوق الموارد المخصّصة في المدرسة، أو يضطّر فيها المعلّم إلى تحمّل تكاليف ماليّة عالية، ويوجّه للاستفادة القصوى من موارد المدرسة أو إعادة التدوير، ولا يبخل بالدعم الماليّ والمعنويّ عند الاستطاعة والضرورة.

6. عندما يقرّر التكريم والتعزيز والإشادة، فإنّه يقدّمها بعدالة وإنصاف، وبعبارات تصف بصدق ما قام به المُكرّم، وعند الحاجة والضرورة، ولا تصبح هذه الممارسة مبتذلة بحيث يُفقدها تكرارها أثرها المتوخّى منها. ومن جهة أخرى، فإنّه يبتعد عن اللوم والمعاتبة في حال لم تنجز المهمّات، بل يحوّل الأمر إلى فسحة للتعلّم، فيتأمّل الأسباب ويوجد الحلول المناسبة لها.

وفي الأحوال كلّها، فإنّ قائد المدرسة هو القدوة والنموذج الذي يحتذي به بقيّة أعضاء الفريق. وفي كثير من منعطفات اليوم المدرسيّ، تجدهم يبرّرون بعض التصرّفات غير المتوقّعة منهم بالقول: قائد المدرسة تصرّف الشيء نفسه عندما واجهه هذا الموقف، وكي نتجنّب الضرر وتقويض القيادة الفاعلة للمدرسة، يحرص القائد الماهر على أن يكون مثلًا رائعًا يُقتدى به.

 

المعلّمون والمعلّمات

الانفجار، مهما كان حجمه ومدّته، داخل الغرفة الصفّيّة لا يقلّ أهمّيّة عن الانفجار خارجها، لا بل ربّما يحصل في البيت أثناء نقاشات العائلة حول أيّ أمر حياتيّ، وربّما يحدث بين الأصدقاء في الحيّ السكنيّ، وقد يكون امتدادًا لما حصل بينهم في المدرسة. لذا، فإنّ المعلّم الماهر يتيح لطلبته الانخراط بأنشطة تعزّز رقابتهم الذاتيّة على تصرّفاتهم، وتعينهم على التحمّل وتقبل الاختلافات وإدارة الحوارات؛ تجنبًا لحدوث أيّ انفجار، فترى المعلّم الماهر:

1. لا يحوّل المهمات والأنشطة على الطالب أو الأهل، فتكون مهمّاته مدروسة، ومناسبة لحاجات الطلبة وضمن مقدرتهم واستطاعتهم، ولا يجعلها مركّبة أو متداخلة، ويخصّص لها الوقت الكافي لإنجازها بأفضل الصور.

2. يتيح لطلبته الشعور بنشوة الإنجاز وفرح تحقّق التعلّم، فلا تكون مهمّاته متتابعة، بحيث ما إن ينتهي الطلبة من واحدة حتّى يباشروا بالأخرى، أو ينخرطوا في مهمّتين بوقت واحد، إذ من غير المنطقيّ أن أطلب إليهم كتابة مقال عن التلوّث في البحار في الوقت الذي يعملون فيه على تحليل إحدى القصص إلى عناصرها الرئيسة.

3. يخطّط بشكل مدروس للمهمّات من ناحية العمق والمدّة الزمنيّة، ومناسبتها لمستوى الطلبة وحاجاتهم، ومدى توفّر الموارد لإنجازها. إضافة إلى أنّه قد يأخذ رأي الطلبة بالمهمّة، وسبل إنجازها وطريقة تنفيذها، فالطالب لدى المعلّم الماهر شريك في تعلّمه.

4. يتجنّب المهمّات السطحيّة وذات التأثير المحدود في ممارسات الطلبة، وهذا لا يعني نهائيًّا جعل المهمّة بسيطة ساذجة، بل يسمح بإجراء حوارات ثنائيّة أثناء العمل على تنفيذها، أو تنفيذ المهمّة بشكل جماعي، أو القيام بنشاط ترفيهيّ لكسر الجمود، وتعزيز التواصل والتفاعل. وهذه الإجراءات لا تعني إساءة الظنّ بالطالب واتّهامه بالتهرّب من العمل، وتكون مدعاة لإطلاق أحكام قاسية بحقّه.

5. يستشعر إرهاق الطلبة من المهمّات المتتابعة، فتراه يمنح طلبته فسحة للراحة بين مهمّة وأخرى، ويجعل التركيز على النقاط الأساسيّة، والأفكار الضروريّة، وتأجيل التفاصيل الهامشيّة إلى وقت لاحق، ذلك أنّ هذا الأمر يجعل التركيز عاليًا، ولا يحتاج من المعلّم أو الطالب إلى العودة كثيرًا إلى الوراء لإنجاز ما بين يديه، أو ما يعمل عليه الآن.

6. يدعم تعلّم الطلبة، ولا يصفهم بسوء التخطيط وقلّة الإدارة، والاسترسال بسرد قصص لأشخاص عملوا في ظروف أكثر صعوبة، وتقديم النصح المستمرّ. فهذا الأمر يُشعر الطلبة أنّهم تحت المراقبة دومًا، وأنّ المعلّم لهم بالمرصاد.

 

تفهُّم الظروف الضاغطة هو القاسم المشترك بين المعلّمين وقادة المدارس في ما يتعلّق بالأنشطة والمهمّات المطلوبة. لذلك، فإنّ التأمّل وتقديم الحلول الواقعيّة هو التصرّف الطبيعي الذي يجعل البيئة المدرسيّة آمنة، وغير معرّضة لأيّ انفجار من أيّ نوع.