كيف غيّرت التكنولوجيا في التعليم؟
كيف غيّرت التكنولوجيا في التعليم؟
2023/05/21
مجد مالك خضر | كاتب ومدوّن- الأُردن

صارت التكنولوجيا الحديثة، بجميع أدواتها ووسائلها، واقعًا لا يمكن تجاهله أو الاستغناء عنه. أدّى ذلك إلى استحواذها على مكانة كبيرة في كثير من المجالات المتنوّعة، لم يكن التعليم، بطبيعة الحال، بمنأى عن التأثّر بها. ظهرت، في مطلع الألفية الأولى من القرن الواحد والعشرين، وسائل تعليميّة تكنولوجيّة جديدة، بدأت من فكرة دمج جهاز الحاسوب في التعليم، واستخدامه وسيلة من وسائل التعلّم والتعليم غير التقليديّة، ما جعل الموادّ التعليميّة بأساليبها أكثر قدرة على التفاعل والتواصل والتشارك مع الطالب. وساعد، في الوقت ذاته، المعلّم على الخروج من قالب النمطيّة في إيصال المحتوى التعليميّ، والاعتماد على طرق جديدة أكثر كفاءة.

 

تكنولوجيا التعليم، هل هي أداة تعلّم جديدة أو قديمة؟

في مطلع الألفيّة، بدأت بعض الدول تدريس مادّة الحاسوب لطلبة المدارس، من حاجةٍ ملحّة لتأليف مادّة تتحدّث عن هذا الجهاز، كونه بات انعكاسًا لصورة العصر الحديث. بالتالي، أدرك المجتمع التعليميّ أنّ من الضروريّ تعلّم أساسيّات الحاسوب، والتعرّف إلى برمجيّاته.

أرى أن تكنولوجيا التعليم أداة جديدة قديمة في آنٍ، لتطوّرها المستمرّ، ومواكبتها التغيّرات النوعيّة في عالم المعلومات والاتّصالات. واستفادت من الاختراعات البشريّة التي احتوت مميّزات قابلة للتوظيف في التعليم.

ومن واقع خبرتي وتجربتي في التعامل مع تكنولوجيا التعليم في التدريس، ومتابعتي لمستجدّاتها في الميدان التعليميّ التربويّ، لاحظتُ أنّها باتت مقبولة لدى كثير من المعلّمين والطلّاب. ففي المدرسة التي أعمل فيها، بادر كثير من زملائي المعلّمين إلى توظيف تكنولوجيا التعليم في إعطاء حصص محوسبة، بالتزامن مع استخدام جهاز العرض الرقميّ. وأبدوا رغبةً ملحوظةً في تدريس موادّهم باستخدام أدوات التعلّم الحديثة، ذلك من أجل تغيير نمط التدريس المباشر الذي يطبّقونه في الغرفة الصفّيّة، وإيجاد بيئة تعليميّة نموذجيّة، قادرة على مراعاة الفروق الفرديّة بين الطلّاب، وتشجيعهم على المشاركة والتفاعل.

 

أدوات تكنولوجيا التعليم

بعد أن تطرّقت إلى تكنولوجيا التعليم، لا بدّ من الإشارة إلى أدواتها، خصوصًا التي يستخدمها المعلّم في الصفّ، أو الغرفة المخصّصة لذلك في المدرسة.

يعدّ جهاز الحاسوب أوّل أدوات تكنولوجيا التعليم، وقد يكون أقدمها. تزامنت بدايات انتشار الحاسوب في شكله المتعارف عليه حاليًّا، مع دخوله في كثيرٍ من المجالات المختلفة، منها التعليم. وخلال وقت قصير، صارت علوم الحاسب الآليّ مادّة دراسيّة في كثير من الدول، مُفسحةً المجال أمام الحاسوب ليصير أداة من أدوات التعليم الحديثة بدورٍ فعّال ومستمرّ إلى الآن.

ولم تتوقّف أدوات تكنولوجيا التعليم عند الحواسيب، بل ظهرت أدوات جديدة تواكب العصر الحديث من التكنولوجيا. انتشرت خلال الأعوام العشرة الأخيرة الأجهزة اللوحيّة الذكيّة، وصارت توفّر تطبيقات متنوّعة، ومنها تعليميّة. أذكر أنني شاركتُ في إحدى الدورات التدريبيّة حول استراتيجيّات التعلّم الحديثة، وقد تدرّبتُ وقتها على كيفيّة استخدام الألواح التفاعليّة (السبورات الرقميّة)، التي تجمع شاشة حاسوب، وشاشة عرض رقميّ، وسبورة للكتابة في آن. وأتوقّع خلال السنوات القادمة أنّه ستظهر أدوات تعليميّة جديدة.

 

أثر تكنولوجيا التعليم في تحسين أداء المعلّمين والطلّاب

من واقع تجربتي في توظيف تكنولوجيا التعليم في التدريس، أرى أنها ساهمت في تحسين أداء الطلّاب، خصوصًا عند توظيفها ضمن الغرفة الصفّيّة، أو مختبر الحاسوب، أو قاعة تدريسيّة مجهّزة بأدوات التعلّم الرقميّة المحوسبة. وأثناء متابعتي لأداء مجموعة من الطلبة، حيث كنتُ أستخدم جهاز العرض الرقميّ (Data Show)، واللوح التفاعليّ (Smart Board)، تمكّنتُ من استنتاج مدى فاعليّة توظيف التكنولوجيا وأدواتها في تعزيز مشاركتهم في الحصّة، وزيادة تفاعلهم، ومبادراتهم لإعداد دروس لتقديمها لزملائهم. أدّى تشجّع الطلبة وتفاعلهم إلى زيادة وعيهم بأهمّيّة دورهم كمتعلّمين وباحثين عن المعلومات والمعارف. وبهذا، تمكّنتُ من الجمع بين استراتيجيّة المعلّم الصغير، والأدوات التكنولوجيّة في تقديم أسلوب تعلّم جديد وممتع ومفيد للطلبة. 

بالإضافة إلى ذلك، ساعدت التكنولوجيا المعلّمين على متابعة الطلّاب، وبناء أدوات قياس جديدة لقدراتهم ومهاراتهم، تختلف عن أدوات القياس التقليديّة. وبناءً على تجربتي الشخصيّة، استطعتُ قياس مهارات طلّابي في تنفيذ نشاط (إعداد الشطائر في المنزل)، من خلال تعاونهم مع أحد أفراد عائلتهم في تصوير فيديوهات قصيرة أثناء إعدادهم الشطائر المنزليّة، ومراعاتهم متطلّبات الصحّة والسلامة أثناء العمل، واهتمامهم بتوفير المكوّنات اللازمة، واتّباع خطوات التنفيذ الصحيحة. كما تمكّنتُ من قياس مدى التزامهم بإجراءات ومعايير تطبيق النشاط، عن طريق توظيف استراتيجيّة التقويم المعتمد على الأداء في متابعة أدائهم، ما ساعدني في تقييم الطلّاب، ورصد علاماتهم على سجلّات العلامات. وهكذا استفدتُ من الدمج بين التكنولوجيا، وأدوات القياس والتقويم في متابعة أداء طلّابي.

 

كيف غيرّت التكنولوجيا في التعليم؟

أرى أن التكنولوجيا أسهمت في تغيير التعليم، من خلال دورها في إيجاد بيئة تعليميّة مستحدثة وغير تقليديّة. كما أضافت وسائل وأدوات جديدة إليها، انتشرت بشكل سريع خلال السنوات العشر الماضية التي شهدت قفزات متلاحقة في أنماط التعليم. وصولًا إلى مرحلة التعلّم عن بُعد المقترنة بانتشار فيروس كورونا، والتي أدّت إلى أن تسودَ تكنولوجيا التعليم، وتصير في الصدارة، خلال مرحلة كان لا بدّ فيها من الاعتماد عليها لاستمرار التعلّم، بغض النظر عن الإيجابيّات والسلبيّات المرافقة لها، والمؤثّرة مباشرة في الطلاب.

وبرأيي، لاقت التكنولوجيا في مرحلة كورونا نجاحًا وفشلًا؛ نجحت في استحداث بيئة تعلّم جديدة خارج الغرفة الصفّيّة وجدران المدرسة، وتمكّنت من تحفيز الطلّاب للبحث عن المعلومات، والحصول عليها عن طريق شبكة الإنترنت، ومصادر المعرفة الرقميّة. وفي المقابل فشلت في الوصول إلى عددٍ لا يستهان به من الطلّاب الذين واجهوا فجوة تعليميّة احتاجت إلى تنفيذ برامج تعويضيّة لما فقدوه من التعلّم، خلال فترة الغياب عن المدرسة.

لقد استنتجتُ من تجربتي في التعامل مع تكنولوجيا التعليم، أنّها من متطلّبات التطوّر العصريّة المؤثّرة في العمليّة التعليميّة. وتوظيفها بالطرق المُثلى يسهم في تحقيق جودة التعلّم لدى الطالب والمعلّم على حدٍّ سواء، فيصير الحصول على المعلومة ومناقشتها متاحًا في المدرسة والمنزل.

وباعتقادي، لن يظلّ التعلّم والتعليم مقترنًا بأيّام الدوام الأسبوعيّة المعتادة، بل سيتعدّاها إلى ما هو أبعد، عبر الوصول إلى مصادر المعلومات بأقلّ جهد وأسرع وقت ومن أيّ مكان. بطبيعة الحال، مع توفير إمكانيّة للتواصل بين المعلّم والطالب، والإسهام بتكوين بيئة تعلّم تفاعليّة وتعاونيّة تمتاز بالمرونة والابتكار، لتحقيق المزيد من الإنجازات المتوافقة مع نتاجات التعلّم.