تُعرّف المهارات المعرفيّة على أنّها العمليّات العقليّة التي تتيح لنا التفكير والتعلّم والتذكّر وحلّ المشكلات. بالنسبة إلى الأطفال، يعتبر تطوير هذه المهارات أساسًا ضروريًّا للتعلّم، ولتعزيز الذكاء العاطفيّ والصحّة العقليّة الشاملة. هذه المهارات مسؤولة عن معالجة المعلومات الحسّيّة التي تساعد الطفل في التعلّم والتقييم والتحليل والتذمّر وإجراء المقارنات وتحليل الأسباب والنتائج. كما أنّها ترتبط بالتركيب الجينيّ، ومع ذلك يمكن تعلّم بعضها وتنميتها والتحسين منها بالممارسة والتدريب.
يؤدّي الآباء والأمّهات ومقدّمو الرعاية والمعلّمون دورًا أساسيًّا في مساعدة الأطفال في تقوية هذه المهارات. لذا، سنتعرّف في هذا المقال إلى طرق عمليّة لتعزيز التطوّر الإدراكيّ والمعرفيّ لدى الأطفال، عن طريق الأنشطة والعادات والبيئات التي تحفّز الفضول، وتقوّي الذاكرة، وتنمّي القدرة على حلّ المشكلات والتفكير الناقد.
كيف يتعلّم الأطفال المهارات المعرفيّة؟
تشجيع الفضول والاستكشاف
يولد الأطفال بطبيعة فضوليّة، ويعدّ تشجيع هذا الفضول من أهمّ الوسائل لدعم نموّهم المعرفيّ. فعندما يستكشفون محيطهم، ويطرحون الأسئلة، ويبحثون عن تجارب جديدة، فإنّهم يمارسون نشاطات عقليّة تعزّز التفكير والإدراك.
- خلق بيئة تعليميّة مفتوحة الخيارات: بدلًا من توجيه كلّ خطوة يقوم بها الطفل أثناء اللعب أو التعلّم، امنحه مساحة لاستكشاف الأمور بنفسه. وفّر له مجموعة متنوّعة من الألعاب والكتب والموادّ التي تشجّع على الاستكشاف، مثل مكعّبات البناء، أو أدوات الرسم، أو أدوات الاستكشاف في الطبيعة؛ سيمنحه هذا فرصة لاتّخاذ القرارات وتطوير مهارات حلّ المشكلات.
- الاستجابة لأسئلة الأطفال بعمق: عندما يسأل الأطفال "لماذا؟" أو "كيف؟" فإنّه من المغري إعطاؤهم إجابة سريعة، لكنّ الإجابة العميقة يمكن أن تُحدث فرقًا كبيرًا. شجّعهم على التفكير عن طريق طرح أسئلة مثل "ما رأيك؟"، أو "كيف يمكننا اكتشاف ذلك؟". هذا يعزّز لديهم مهارات التفكير الناقد، ويحافظ على اهتمامهم.
- تنظيم رحلات ميدانيّة: يمكن للزيارات إلى المتاحف والمراكز العلميّة والحدائق الطبيعيّة أن تقدّم للأطفال معلومات وتجارب جديدة. هذه الرحلات يمكن أن تثير فضولهم، وتعرّفهم إلى مفاهيم جديدة، وتساعدهم في ربط الأفكار المجرّدة بأمثلة من الحياة الواقعيّة.
تعزيز المهارات اللغويّة والتواصل
يُعدّ تطوّر اللغة عنصرًا أساسيًّا في النموّ الإدراكيّ لدى الأطفال، فهي الأداة الرئيسة للتعبير عن الأفكار، واستيعاب المفاهيم، وبناء الذاكرة وتقويتها.
- - القراءة مع الأطفال يوميًّا: توسّع القراءة آفاق الأطفال، وتزيد مفرداتهم، وتعزّز مهارات الاستماع لديهم. اختر كتبًا تناسب أعمارهم، على أن تحمل نوعًا من التحدّي لتقديم مفردات وأفكار جديدة. لا تتردّد في إعادة قراءة الكتب المفضّلة، إذ إنّ التكرار يقوّي الذاكرة والفهم.
- - تشجيع رواية القصص: اطلب من أطفالك أن يرووا قصصًا، أو يصفوا أحداث يومهم. هذا يساعدهم في تنظيم أفكارهم بشكل منطقيّ، ويحسّن قدرتهم على التعبير اللفظيّ، ويقوّي ذاكرتهم. أمّا إذا كان طفلك خجولًا، فقم أنت بالمبادرة واسرد قصّة عن يومك، ثمّ افتح له المجال لينضمّ إلى الحديث.
- - العبوا ألعاب الكلمات: الألعاب مثل "أنا أرى" و"20 سؤالًا"، أو ألعاب القوافي يمكن أن تكون وسيلة ممتعة لتقديم مفردات ومفاهيم جديدة. حتّى وصف الأشياء أو الحيوانات بشكل مفصّل يمكن أن يساعد الأطفال في تعلّم اللغة الوصفيّة وتوسيع مفرداتهم.
تنمية الذاكرة باللعب
تعتبر الذاكرة جزءًا أساسيًّا من النموّ المعرفيّ لأنّها تدعم التعلّم، وحلّ المشكلات، والقدرة على الاحتفاظ بالمعلومات. يمكن أن تكون تمارين الذاكرة جزءًا من وقت اللعب بسهولة.
- اللعب بألعاب التطابق: الألعاب التي تستفزّ الذاكرة، أو ألعاب التطابق التي تتطلّب من الأطفال مطابقة الأزواج من البطاقات أو الصور، تساعد بشكل كبير في تحسين الذاكرة البصريّة والتركيز. كما أنّ الألعاب اللوحيّة التقليديّة التي تتطلّب تذكّر خطوات أو قواعد معيّنة يمكن أن تكون مفيدة لتطوير الذاكرة.
- سرد القصص باستخدام بطاقات التسلسل: تعرض بطاقات التسلسل صورًا بترتيب معين، مثل "أوّلًا، ثم، وأخيرًا". ترتيب الأطفال للبطاقات بالشكل الصحيح يبني مهارات الذاكرة، ويساعدهم في فهم السبب والنتيجة.
- ممارسة ألعاب الرياضيّات البسيطة: ألعاب العدّ والألغاز والأنشطة التي تتضمّن الأرقام يمكن أن تساعد الأطفال في تحسين الذاكرة. جرّب أنشطة مثل عدّ الخطوات أثناء المشي، أو جمع الأجسام الصغيرة مثل الحصى أو الألوان، لجعل الرياضيّات جزءًا من الحياة اليوميّة.
تشجيع حلّ المشكلات والتفكير النقديّ
يساعد حلّ المشكلات الأطفال في تعلّم كيفيّة مواجهة التحدّيات واتّخاذ القرارات والتفكير النقديّ. هذه المهارة ضروريّة للنجاح الأكاديميّ المستقبليّ والمرونة في الحياة.
- - تقديم الألغاز والألعاب الذهنيّة: الألغاز المناسبة للعمر، مثل ألغاز الصور المتقطّعة، والألغاز المنطقيّة، والمستوى المبتدئ من سودوكو، يمكن أن تحسّن الوعي المكانيّ والصبر ومهارات حلّ المشكلات. ابدأ بألغاز أبسط، ثمّ قدّم الأصعب تدريجيًّا مع نموّ الطفل.
- - إتاحة الفرصة للعب المستقلّ: عندما يشارك الأطفال في اللعب المستقلّ، يتعلّمون اكتشاف الأمور بأنفسهم. أنشئ منطقة يمكنهم فيها التجربة والبناء والإبداع. السماح لهم بالمحاولة والفشل والمحاولة مرّة أخرى يعزّز المرونة، ويقوّي مهارات حلّ المشكلات بشكل مستقلّ.
- - طرح أسئلة افتراضيّة: اطرح أسئلة تشجّعهم على التفكير في نتائج أو حلول مختلفة، مثل "ماذا سيحدث إذا لم يعُد لدينا ماء بعد الآن؟"، أو "كيف ستشعر إذا كنت مكان تلك الشخصيّة؟". هذه الأسئلة تطوّر القدرة على التفكير المنطقيّ والتعاطف، وتحثّ الأطفال على التفكير في سيناريوهات متعدّدة.
تشجيع النشاط البدنيّ لتحسين وظائف الدماغ
النشاط البدنيّ ليس مهمًّا فقط للصحّة الجسديّة، بل يعزّز أيضًا الوظائف الإدراكيّة. فممارسة الرياضة تزيد من تدفّق الدم إلى الدماغ، وتحسّن التركيز، وتساعد في تنظيم الحالة المزاجيّة.
- - الدمج بين الحركة والتعلّم: يمكن أن تكون الأنشطة التي تجمع بين الحركة والتعلّم مفيدة جدًّا. على سبيل المثال، الألعاب التي تتضمّن الركض والعدّ (مثل لعبة "الحجلة بالأرقام") يمكن أن تعزّز مهارات الرياضيّات.
- - الاستمتاع بالطبيعة واللعب في الهواء الطلق: يعزّز الوقت الذي يقضيه الأطفال في الطبيعة التركيز والرفاهيّة النفسيّة. الأنشطة الخارجيّة مثل المشي والتسلّق والاستكشاف تدعم أيضًا حلّ المشكلات والوعي المكانيّ.
- - تجربة تمارين التأمّل واليوغا للأطفال: تمارين التأمّل البسيطة، مثل التنفّس العميق أو التأمّل الموجّه، يمكن أن تساعد الأطفال في التركيز وتنظيم مشاعرهم وإدارة التوتّر. كما أنّ أوضاع اليوغا التي تتطلّب التوازن والتركيز تعتبر طريقة ممتعة لتقوية الرابط بين العقل والجسد.
تحديد وقت الشاشة وتعزيز الأنشطة العمليّة
بينما يمكن للتكنولوجيا أن تكون تعليميّة، فإنّ الاستخدام المفرط للشاشات يمكن أن يؤثّر سلبًا في النموّ المعرفيّ. وتشير الأبحاث إلى أنّ الأنشطة العمليّة أكثر فعّاليّة في بناء المهارات الإدراكيّة لدى الأطفال الصغار.
- تشجيع التعلّم العمليّ: امنح الأطفال الفرصة لاستكشاف العالم المادّيّ. الأنشطة مثل الطهو والبستنة، وحتّى الأعمال المنزليّة البسيطة، يمكن أن تعلّمهم دروسًا قيّمة في الرياضيّات والعلوم والمسؤوليّة.
- استخدام التكنولوجيا بشكل واعٍ: عندما يستخدم الأطفال الشاشات، اختر برامج تعليميّة أو تطبيقات ذات جودة عالية، تشجّع على التفاعل وحلّ المشكلات. ابحث عن تطبيقات تعزّز الإبداع والتفكير النقديّ أو تعلّم لغات جديدة، بدلًا من الترفيه السلبيّ.
- إنشاء روتين يومي متوازن بعيدًا عن الشاشات: أسّس روتينًا يتضمّن أنشطة غير مرتبطة بالشاشات، مثل القراءة، واللعب في الهواء الطلق، والمشاريع الإبداعيّة. هذا التوازن يساعد الأطفال في بناء الانتباه والانضباط، وهما عنصران أساسيّان للنموّ الإدراكيّ.
توفير الدعم العاطفيّ
تتّصل الصحّة العاطفيّة ارتباطًا عميقًا بالنموّ الإدراكيّ. فالطفل الذي يشعر بالأمان والدعم والحبّ، يكون أكثر قابليّة للتعلّم والتفاعل مع التحدّيات بطريقة إيجابيّة.
***
لا يتعلّق تطوير المهارات المعرفيّة لدى الأطفال بحفظ الحقائق أو تحقيق الأهداف الأكاديميّة، بل بخلق بيئة تعزّز الفضول، وتدعم الصحّة العاطفيّة، وتشجّع الاستكشاف واللعب. عن طريق دمج هذه الاستراتيجيّات في الحياة اليوميّة، يمكن للأهل ومقدّمي الرعاية والمعلّمين مساعدة الأطفال في بناء الأدوات العقليّة التي يحتاجون إليها مدى الحياة من التعلّم. تذكّر أنّ كلّ طفل فريد من نوعه. لذا، كُن مرنًا، ولاحظ الأنشطة التي تتوافق أكثر مع طفلك، فالهدف يكمن في رعاية عقل متكامل وواثق وفضوليّ، ومستعدّ لمواجهة العالم.
المراجع
https://positivepsychology.com/cognitive-development-activities/
https://www.lillio.com/blog/preschool-cognitive-activities-overview
https://simimamaarabia.com/eg/ar/feeding-my-baby/cognition/enhance-cognitive-development