كيف تتعامل تربويًّا مع تصرّفات المراهق غير المنضبطة؟
كيف تتعامل تربويًّا مع تصرّفات المراهق غير المنضبطة؟

تمرّ السنوات فتكتشف أنّ صغيرك لم يعد طفلًا مدلّلًا، بل أصبح بالغًا يحاول أن يثبت لك ولمن حوله أنّه جدير بالثقة، وقادر على تحمّل المسؤوليّة والتصرّف باستقلاليّة. ولكن، خلال هذه الفترة قد يبدأ المراهق بتصرّفات غير منضبطة يجدها معظم الأهل خاطئة وغير منطقيّة، نتيجة مروره بمرحلة البلوغ التي تشمل مجموعة من التغيّرات الهرمونيّة. يتمثّل دورك هنا في فهم هذه التصرّفات والتعامل معها بطرق تربويّة. في هذه المقالة، نقدّم لك مجموعة من الإرشادات التربويّة التي من شأنها أن تساعدك على تقييم أخطاء ابنك المراهق، واستيعاب تقلّباته بطريقة إيجابيّة.

 

كيف تتكوّن أخطاء المراهق؟

قبل أن نتطرّق إلى طرق التعامل مع سلوكيّات الابن المراهق، لنناقش تصرّفات المراهق غير المنضبطة، والتي يعدّها معظم الوالدين غير متوازنة:  

الانعزال  

غالبًا ما يصبح للمراهق عالمه الذي يحبّ أن ينعزل فيه لعدّة أسباب، مثل عدم شعوره بالانسجام مع عائلته، أو محاولته فهم الأسئلة التي تجول في خاطره وحده.  

المطالبة بوقت إضافيّ للبقاء في الخارج 

يحاول المراهق التحرّر من سيطرة ذويه، كأن يخبرهم بأنّ لديه حياته الخاصّة التي يريد أن يعيشها بالطريقة التي يراها مناسبة.  

رفض إظهار التعاطف  

في سنّ المراهقة، عادةً ما يشعر المراهق بأنّه في حالة صراع مع والديه. الأمر الذي يدفع إلى رفضه إظهار التعاطف لاعتقاده أنّ العواطف تعبِّر عن الضعف.  

الكآبة والمزاجيّة

نظرًا إلى اختلال توازن الهرمونات في جسم المراهق تتغيّر حالته المزاجيّة باستمرار، وهذا ما يؤدّي إلى اختلاف عواطفه سريعًا وباستمرار، ما بين الطاقة المرتفعة والمنخفضة، وبدون أسباب محدّدة.  

 

كيف تتعامل مع تصرّفات المراهق غير المنضبطة؟  

قد يكون التعامل مع أخطاء الابن المراهق عمليّة حسّاسة وصعبة. إليك طرق تربويّة فعّالة تساعدك في تجنّب الأخطاء عند التعامل مع المراهق:  

تفهُّم الاحتياجات النفسيّة

غالبًا ما يكمن سرّ نوبات غضب ابنك المراهق المتكرّرة، في احتياجاته النفسيّة غير المشبعة؛ فكلّما تعرّض المراهق للإهمال والتجاهل، بحث عن طريقة تمكِّنه من جذب انتباهك وإثارة اهتمامك. وفي مرحلة المراهقة تحديدًا، عادةً ما تكمن هذه الطريقة في الغضب والعدوانيّة. وعليه، يقع عليك التعبير لابنك عن حبّك له وملاحظتك التغيّرات التي يمرّ بها والصعوبات التي يختبرها للمرّة الأولى، ومشاركته أفكاره وطموحاته دعمًا له. 

المثل الأعلى 

لا شيء يؤثِّر في المراهقين كالمثل الأعلى، حيث يميلون عادةً إلى محاكاة أنماط حياة قدوتهم، والتشبّع بأفكارهم. لذلك، عند التعامل مع أخطاء الابن المراهق عليك ملاحظة اتّجاهاته والأشخاص الذين يُعجَب بأفكارهم، ويمثّلون القدوة بالنسبة إليه. وقبل أن يبحث ابنك المراهق عن قدوة خارج المنزل، يجب أن تكون قدوته الأولى عاطفيًّا وسلوكيًّا، وأن يتأثّر بك ويشاركك لحظاته السعيدة وهمومه رغبةً منه. فكلّما كنت في نظره مصدر ثقة ومثالًا يُحتذى به، أفصح لك عن أسراره وميوله الفكريّة باطمئنان، ممّا يمكّنك من التدخّل لمساعدته في الوقت المناسب. 

المرونة  

تتعدّد أخطاء الابن المراهق في هذه المرحلة الحسّاسة وتصدر عنه العديد من ردود الأفعال غير المُرضية وغير المقبولة. ومن المهمّ أن يتفهّم الوالدان أنّ هذه التصرّفات ليست موجَّهة إليهم شخصيًّا، بل تندرج تحت طبيعة المرحلة. لذا، لا يضرّ أحيانًا التغاضي عن الأبناء واستيعابهم، لأنّ التصادم المتكرّر يُعقِّد الأمور ويصعِّب التفاهم والوصول إلى الحلّ. كما أنّ الميول المتغيّرة من حين إلى آخر وحبّ التجربة والمغامرة التي ربّما تتّجه لقيم غريبة وغير مقبولة عن المجتمع، سمةٌ رئيسة تُصاحِب هذه المرحلة العمريّة. لذلك، قد تكون سعة الصدر والتغافل عن بعض التغيّرات ومنح المراهق الوقت والمساحة شيئًا صحيًّا أحيانًا، ولكن من دون التجاهل التامّ. مع ضرورة الالتزام برقابة تصرّفاته واتّخاذ المواقف الحازمة عند اللزوم.  

الصداقة

جهودك المبذولة لتُصبِح صديق ابنك الأوّل استثمار في علاقتكما المستقبليّة، وسلاح يحميه من أصدقاء السوء وتأثيرهم الذي يصبح أحيانًا طويل المدى في حياته. فالأصدقاء هم وقود الاتّجاهات التي يميل إليها ابنك المراهق في هذه المرحلة. لذلك، من أكثر الطرق فاعليّة لحماية ابنك المراهق خلق مساحة آمنة مشتركة بينكما، تنشأ بها علاقة تشوبها الصداقة أكثر من الوالديّة، والتقبّل أكثر من الخوف من التعرّض للنقد. فمن الأساليب المُجدية في التعامل مع أخطاء الابن المراهق الدردشة الخالية من الأحكام المسبقة، واستعادة الوالد مرحلة مراهقته والتقلّبات التي مرّ فيها حينها، وروايتها لابنه في صورة حديث ودّيّ بين صديقين. فيجب ألّا ينسى المُربّي أنّه كان مراهقًا يومًا ما، لأنّ ذلك سوف يساعده على تفهّم ابنه المراهق واحتوائه، ولا سيّما أنّه غالبًا ما تكون هناك صفات مشتركة بين الأب، عندما كان مراهقًا، والابن المراهق حاليًّا. الأمر الذي يساعد على تفهّم كلّ منهم الآخر.  

التقدير 

الشعور بالتقدير أحد المفاتيح السحريّة للتغيير الإيجابيّ وضبط سلوكيّات الابن المراهق. فكلّما شعر الابن أنّك تُقدِّر جهوده وفضائله وتلاحظ مواهبه ونقاط تميّزه، مال تلقائيًّا إلى مشاركتك ومشاركة أسرته يوميّاته وقراراته. كما يمثِّل الدعم الذي يتلقّاه الابن من والديه قوّة دافعة وهائلة ومصدرًا قويًّا للثقة بالنفس وارتفاع التقدير الذاتيّ.

وعلى العكس، كلّما شعر المراهق بأنّه ليس مرغوبًا فيه وتعرّض للنقد واللوم المستمرّين على أفعاله، نَفر من الجوّ الأسريّ وابتعد عن والديه، ليقترب أكثر من أوساط أصدقاء السوء التي تُحقِّق له الشعور بالراحة والتقدير والقبول غير المشروط. 

تقديم الاقتراحات بدل الأوامر 

اللغة التي تستخدمها رغبةً في معالجة أخطاء الابن المراهق عامل مؤثِّر في تشكّل استجابته لتوجيهاتك، حيث إنّ مواجهة الابن المراهق لغة الأوامر سيّئة للغاية؛ فهو لا يتقبّلها ولا يُقابلها إلّا بالعناد والندّيّة، ولا يُدرِك أنّ المقصود منها مصلحته، بل تُمثِّل له محاولة للسيطرة عليه وتقييد حريّته وكبح طموحه. لذلك، لا تأتي لغة الأمر، وإن كان الغرض منها تربويًّا، إلّا بنتائج عكسيّة مع المراهق، وتُبعدِه خطوات أكثر عن تقويم سلوكه. ومن الأفضل استبدال أسلوب الاقتراح والترغيب حتّى لا يأخذ التوجيه منحى شخصيًّا، ويعتقد أنّ والديه يفعلان ذلك لمعاقبته وتحدّيه.

 

* * *

قد يكون التعامل مع تصرّفات الابن المراهق غير المنضبطة عمليّة مرهِقة، إلّا أنّه، وبتعزيز التواصل المفتوح والتعاطف بينك وابنك، يمكنك مساعدته على ضبط سلوكيّاته والتعبير عن نفسه باتّزان وقوّة. تذكّر أن أخطاء ابنك المراهق ما هي إلّا خطوات نحو نموّه الشخصيّ واكتشاف ذاته. عند دعم المراهقين وتوجيههم بالتعامل بحكمة مع تصرّفاتهم غير المنضبطة، نضع أساس المرونة والمسؤوليّة والنجاح في رحلتهم إلى مرحلة البلوغ. 

 

اقرأ أيضًا

كيفيّة التعامل مع سلوكيّات الأطفال غير المنضبطة بطرق تربويّة | منهجيات - نحو تعليم معاصر (manhajiyat.com)

مشكلات المراهقين النفسيّة وكيفيّة التعامل معها | منهجيات - نحو تعليم معاصر (manhajiyat.com)

المرجع

https://www.daniel-wong.com/2018/03/19/disrespectful-teenager/