فرصة جدار الكهف، ضرورةٌ لتعليم اليوم
فرصة جدار الكهف، ضرورةٌ لتعليم اليوم

يُقال إنّه منذ آلاف السنين، ارتاحت العائلة في كهفها الأمين، وظلال النار تتلاعب على جدران الكهف. كان أفراد العائلة منهكين من يوم حافل بالصيد والمهام، والنوم أقصى أمانيهم. فجأة، رجل أو امرأة منهم، حمل بقايا عود محترق، وبدأ يخطّ على جدار الكهف؛ رسم أو رسمت الصيد الوفير، والحيوانات المخيفة، وربّما ما كان أحلامًا بالنسبة إلى العائلة حينذاك.

لقد عبّرَ، أو عبّرت، عن الرغبات والمخاوف والأماني؛ وفي تعبيره/ ها هذا، بدأت رحلة الإنسانيّة الإبداعيّة التي تمدّدت إلى تزيين الملابس، وارتداء الحلي، ونحت المجسّمات، فالموسيقى...

 

هذا التعبير واحد من أكثر ما يميّزنا كبشر، التعبير المجّاني غير النفعيّ عن الذات، رغباتها وهواجسها وأحلامها. في الطبيعة، يكون هذا التعبير استجابة لوظيفة أو حاجة محدّدة، كجمال الزهور وألوانها التي تجذب الحشرات الملقِّحة، أو ريش الطاووس الذي يغري فيه أنثاه. أمّا نحن، فالتعبير الفنّيّ أساسه فرادتنا، وخوفنا من وحدتنا في كون لا متناهٍ.

ولهذا التعبير شروط، أوّلها الحرّيّة والإرادة واحترام الفرد وخياله. كما له نتائج أساسيّة في تصرّفات البشر وسلوكهم، فالتعبير الفنّيّ يفتح المجال لمفهوم المنظور ووجهة النظر، وللتمييز بين الحقائق العلميّة والانطباعات والآراء. كلّ هذا جزء ضروريّ يمنع تشيّؤ الحياة وبرودتها، ويكسر رتابتها، ويمنح الإنسان العائش في ظلّ الحروب والكوارث فسحة أملٍ بغدٍ أجمل يمكن أن يتحقّق.

الكلام على الفنون يحتاج إلى أطروحات، لكنّ أهمّيّتها في حياتنا لا تحتاج إلى نقاش. من هُنا، تربية الأجيال القادمة على تذوّق الفنون، وإنتاجها، واحترام تعبيرات الآخرين، كلّ ذلك تشكّل قاعدة انطلاق لتأمين أجيال متصالحة مع ذواتها، تحترم الحياة وتحترم الآخر والاختلاف معه، وقادرة على التعبير عن نفسها بلا تحفّظ. ولا شكّ في أنّ مثل هذه الأجيال تشكّل الأمل الأقوى للبشريّة، كي تبقى وتستمرّ وتمنع الانقياد وراء شهوات السلطة والتفوّق والحروب.

 

انطلاقًا من هذه الرؤية، يأتي ملفّ منهجيّات "حصّة الفنون: فرصة وضرورة"، ليشدّد على أهمّيّة تعليم الفنون بذاتها في المراحل الدراسيّة المختلفة، وعلى ضرورة الاستعانة بالأنواع الفنّيّة المختلفة في التعليم. أيّ التشديد على الفنون غايةً ووسيلةً في المناهج الدراسيّة والاستراتيجيّات والممارسات التعليميّة – التعلّمية؛ فنقرأ في الملفّ عن مزايا دمج العناصر الإبداعية في الفصل الدراسيّ لمحمّد سلامة، وعن دور الفنون في التحرّر الثقافيّ لشيرين جبالي. كما نطّلع على تجربة فنانة تشكيليّة في مجال التعليم، وانعكاس ذلك في ممارساتها الصفّيّة في نصّ صفاء بديع، وعلى نصّ علي عزّ الدين الذي ينقل إلينا تجاربه معلّمًا مستثمرًا في الفنون لتحسين جودة تعليمه. ويقودنا نصّ محمّد الزعبيّ إلى الاطّلاع على ممارسات مستفيدة من الفنون في مجال تعليم العربيّة. ويناقش مجد مالك خضر دور التربية الفنّيّة في تنمية إبداع الطالب. وفي ختام الملفّ، تعرض فداء فاتوني تجربة ملهمة من خلال مقالها معلّم وطلّاب في مشهد سينمائيّ: "عن الدراما في التعليم نتحدّث". وليس بعيدًا عن سياق الملفّ، حَوَت المحاورة مع الشاعر والأستاذ والمدرّب وسيم الكردي، نقاشات وتجارب حول ضرورة الفنّ، ولا سيّما الدراما في التعليم.

 

وفي العدد أيضًا مقالات عامّة تناولت مواضيع مختلفة تهمّ العاملين في الحقل التربويّ؛ ومقالًا عن مقاربات التعليم النشط وأهمّيتها لعبير حمصي، ورؤية بديعة عن تعليم التاريخ عبر الروايات الأدبيّة لريما ضو، وشرحًا عمليّا لنهج "عباءة الخبير" لسحر درويش، ومطالعة ممتازة عن التأهيل المهنيّ للمدرّس في المغرب لمحمّد الخالدي، وتعريف بالإسكيما المعرفيّة وأثرها في القراءة لفادية حسين، وتقديمًا تفصيليًّا لاستراتيجيّة دورة المعلّم الخماسيّة لمحمّد القدّة. وكان الروائيّ والصحفيّ إبراهيم فرغليّ ضيف عددنا في مقال جدليّ حول التعليم واللغة. ونقرأ أيضًا في العدد أبواب المجلّة المعهودة.

العدد بين أيديكم وعلى شاشاتكم، اقرؤوا، ناقشوا، عارضوا واكتبوا لنا وجهة نظركم... قوموا بما يفيدكم كتربويين فاعلين، فهذا مطمحنا ومطمعنا.