رانيا مصطفى- أستاذة علوم الحياة- لبنان
رانيا مصطفى- أستاذة علوم الحياة- لبنان
2021/05/11

كيف تتخيّلين شكل التّعليم لو لم يكن هُناك مدارس؟ وما هو مستقبل المدرسة كمكانٍ، خصوصًا بعد تجربة التّعليم عن بُعد؟ 

في حالة غياب المدارس، سيكون التعليم منزليًّا أو ربما عبر المذياع بضوابط أقلّ وتفاوت أكبر، إذ سيتلقى الغنيّ تعليمًا جيّدًا عكس الفقير.

أمّا بالنسبة للمدرسة كمبنى في غياب التعليم الحضوريّ، كما يحدث حاليًّا في وسط جائحة كورونا، فعلى الدول استغلالها بشكلٍ يعود على المجتمع بفائدةٍ، فمثلًا نستطيع تكوين واستغلال مراكزًا ثقافيّة مع مراعاة الشروط الصحّيّة، إذ ستكون الأعداد الوافدة إليها أقلّ بكثير من الأعداد الصفّيّة. ولكن ماذا لو قُدّمت الدروس عن بُعد انطلاقًا من المدارس بدلَ البيوت؟ الأمر الذي سيعود بفائدةٍ للمتعلّم والمعلّم على حدٍّ سواء؟ حينها يخفُّ الضغط المادّيّ وغيره على المتعلّم عدا وجود اللّوح والقلم والطبشور، وغيرها من وسائل تعوّدا عليها المتعلّم والمعلّم، ما يُشعرهما بالراحة ويسهل العمليّة التعليميّة.

 

ما هي أوّل نصيحة تنصحين بها مُعلمًا جديدًا؟ لماذا؟ 

على المعلّم الجديد أن يكون واسع الصبر، هادئًا متمكّنًا من مادّتهِ التعليميّة بشكلٍ جيّد، وعليه أن يُحضّر درسه ليتمكّن من الإجابة عن معظم الأسئلة ويكسب مودّة واحترام المتعلّمين، الذين سيحبّون المادّة وسيستمتعون بها، وعليه، أيضًا، ألّا يفوّت دورة تعليميّة، فكلّ دورة تدريبيّة في مسيرتنا التعليمية دورًا في بناء شخصيّاتنا وخبراتنا، كما عليه بالتواضع وعدم التعالي على المتعلّمين والاستعانة على الدّوام، بمن هُم أخبر منه.

 

ما هو تعريفكِ للدهشة؟ وكيف وصلتِ إلى هذا التّعريف؟

الدهشة هي حالة تعجّب إزاء موقفٍ ما أو ظاهرة معيّنة، وهي تؤدّي إلى طرح تساؤلات ووضع فرضيّات. وقد وصلت إلى هذا التعريف من خلال التجارب والمُلاحظات الحياتيّة والتعليميّة على حدٍّ سواء، فدهشة المتعلّم أمام وضعيّة معيّنة أطرحها عليهم، من خلال نصّ أو فيلم تعليميّ قصير أو صورة ما تجعله يطرح التساؤلات ويضع الفرضيّات، ما يُسهّل سير الدرس وغيرها من التجارب التي لا أستطيع حصرها.

 

ما هي مصادر الإلهام في مسيرتكِ التعليميّة؟ لماذا؟ 

إنّه والدي العصاميّ الذي صنعَ نفسه بنفسهِ وواصل تعليمه إلى أن حصل على درجة الدكتوراه. وهو لم يبخل على طلّابه بشيء، وكان لهم قدوةً حسنةً في احترام الوقت والحصص، وهو مخلصٌ لعملهِ متقنٌ له، إذ علّمنا أن نتقنَ عملنا ونكون مخلصين مليئين بالعطاء، لذلك هو ملهمي في مسيرتي التعليميّة.

 

من هو الطّالب المُتميّز برأيكِ؟ لماذا؟ 

الطالب المتميّز ليس بالضرورة من ينال أعلى الدرجات، إنّما قد يكون طالبًا ينال درجات عاديّة ولكن يبذل قصارى جهدهِ لينالها، وذلك عبر المشاركة الكثيفة وطرح الأسئلة والمواظبة على الدوام، فهو بذلك يُعبّر عن طموح كبير قد يدفعه إلى التميّز والتألّق دومًا.

 

حسب معاييرك، كيف تصفين المُعلّم المُلهِم؟  

المعلّم الملهم هو الذي لديه أسلوب مميّز في إيصال الفكرة والهدف للمتعلّم، ما يجعل المتعلّم يستمتع في الحصّة ويتأثّر بأسلوب مُعلّمهِ في حياته اللّاحقة، وهو المتمكّن من المادّة التعليميّة جيّدًا، إذ لا يترك أيّة ثغرة عبر تحضيره الجيّد للدرس قبل شرحه، وهو، أيضًا، مَن يمتلك مهارة التعامل والتواصل مع المتعلّم، وهو المعلّم المبدع المبتكر المثقّف الذي يحبّ عمله ويخلص له، تُميّزهُ البساطة، إذ لا يتعالى على المتعلّم، ويحترم الوقت، باختصارٍ، هو القدوة والمثل الأعلى.

 

ما هو الموقف الذي تندمين عليه في مسيرتك التعليميّة؟ 

الموقف الذي أندم عليه هو الموقف الذي أفقدني هيبتي أمام التلاميذ، إذ لجأتُ إلى الصراخ لإخراج تلميذ وهذا ما لا أنصح بهِ أيّ معلّم جديد. هذا أمرٌ يُسهم في إضعاف المُعلّم لا تقويته أمام المتعلّمين.

 

برأيكِ، كيف تؤثّر علاقة الإدارة بالمُعلّم على مسيرتهِ؟  

كلّما كانت العلاقة محترمة ومتينة بين الإدارة والمتعلّم كلما كان المعلّم مرتاحًا أكثر في الصفّ وله صلاحيات كثيرة ضمن الحدود. ولكن إذا شاب العلاقة تعكر فقد تنعكس سلبًا على العمليّة التعليميّة، وقد يلجأ المعلّم إلى العصبية دومًا ما قد يحدث خللًا ويعرقل الوصول إلى الأهداف.

 

ما الذي تُريدين محوه من طريقة التّدريس والتّقييم في مدارس اليوم؟  

طرق التدريس هي الكيفيّة التي يستخدمها المعلّم لإيصال الفكرة أو المعرفة، وهي الكيفيّة التي يستخدم فيها المعلّم المادّة التعليميّة. وهناك عدّة طرق للتدريس، منها التبادليّة أو التعاونيّة، والتي تعتمد على المشاركة والإشراك والحوار، ويستطيع من خلالها المتعلّم أن يعبّر عن رأيه ما يُساهم في صقل شخصيّته وبناءها ويعزّز الثقة بالنفس عنده. وهناك التلقينيّة، أي طريقة التدريس القائمة على جهد المعلّم فقط، وهي تعني تعليم إلقائيّ، ولا تُعنى بوجود المتعلّم كثيرًا، فهو هُنا يلعب دور المتلقّي، أما في طريقة التدريس الذاتيّة فيلعبُ المعلّم ضمنهُ دورَ الموجّه والمرشد ولا غنى عن وجوده.

إن كان باستطاعتي محو طريقة، فسأمحو، حتمًا، الطريقة التلقينيّة، التي تُلغي عقل ودور الطالب كلّيًّا وتساهم في الضغط على المعلّم.

أمّا بالنسبة لطرق التقييم فتختلف عن سائر الدول، فهي تتضمّن التقييم المستمرّ، التشخيصيّ والتكوينيّ. ولا تستعمل كلّ القطاعات الطُّرق ذاتها؛ أي تقييم يتناول كلّ الكفايات والأهداف، ولكن تبقى الكفايات المخبريّة غير خاضعة للتقييم. ضمن هذا السّياق، لا أريد المحو إنّما حثّ المركز التربويّ للبحوث على إعادة هيكليّة طرق التقييم، ذلك بعد العمل على تغيير أو تعديل الكتب والمناهج، والعمل على التحسين وإجراء بعض التعديلات التي من شأنها تقويم العمليّة التعليميّة والسير بها نحو الأحسن، ذلك أنّنا نملك طاقات ممتازة في مجال التربية والتعليم في لبنان.

 

ما هو الكِتاب الذي لهُ تأثير كبير عليكِ وعلى تجربتكِ في الحياة؟  

في الحقيقة، لا يوجد كتاب مُحدّد فكلّ كتاب قرأته ساهم في إغناء تجربتي التعليميّة والحياتيّة وغيّرَ كثيرًا في مسيرتي التعليميّة، كروايات نجيب محفوظ، مثلًا، التي أغنت لغتي كثيرًا، وجعلتني أتعرّف على العالم الذي نعيشه.

سأحدّثكم عن كتاب قرأته مؤخرًا وهو "سبعون" للراحل ميخائيل نعيمة، الذي أخذني إلى عالم لم يكن مألوفًا لي، عالم من الطبيعة التي رافقت طفولة الكاتب حيث نشأ بين الأشجار البرّيّة وأصوات العصافير، والوديان والبساتين ما يخلقُ صفاء الذهن لدى أيّ كاتب وشاعر، وهنا استطعت استنتاج أنّ البيئة التي ننشأ بها تؤثّر على مجرى حياتنا لاحقًا سلبًا أو إيجابًا. لقد عبّر نعيمة عن عالم الهجرةِ وزواياه من ألمٍ واندفاع، وقارب حياة المدينة والريف، حيث كانت مشاعره خالية من الدهشة عند وصوله إلى أمريكا وناطحاتها، وأخيرًا شاركَ تخلّيه عن الغربة وفرضها للخضوع لحنينهِ لأوّل منزلٍ سكنه ولحضن الطبيعة والسكينة.

لقد أثّر هذا الكتاب الرائع في نظرتي إلى كثير من الأمور، لا يكمن النجاح والشهرة في المال والثراء، إنّما في حنين عاصف إلى شجرة كُنّا نجلس تحت أغصانها ونستمع إلى نشيد ساكنيها، قد يكمن في إرادة صلبة وذهن صافٍ.

أجد في كتاب نعيمة الآن رسائل إنسانيّة واجتماعيّة عديدة نحتاجها في يومنا هذا في حياتنا العمليّة والاجتماعيّة.

 

Tags