حرص الوالدين الزائد على الأبناء بين الإيجابيّات والسلبيّات
حرص الوالدين الزائد على الأبناء بين الإيجابيّات والسلبيّات

كثيرًا ما يدفع الخوف والحرص على مصلحة الأبناء إلى زيادة سيطرة الوالدين على حياتهم بأدقّ تفاصيلها، والسيطرة على قراراتهم واختياراتهم، ظانّين بأنّ ذلك سوف يساعد أبناءهم على تلافي الأخطاء، وتحقيق الإنجازات الحياتيّة، بفضل إفادتهم من سجلّ الخبرات الحافل بالدروس الذي يملكه الوالدان بعد رحلة العمر. ربّما تبدو الصورة من وجهة نظر الوالدين إيجابيّة، وأنّ نظام الرقابة المُحكَم الذي يطبّقونه على حياة أبنائهم سيحقّق نجاحهم المستقبليّ. لكن، في الحقيقة، لهذه الاستراتيجيّة الوالديّة، كغيرها من الأساليب، إيجابيّات وسلبيّات. دعونا نطّلع على أبرز الجوانب السلبيّة والإيجابيّة لحرص الوالدين الزائد على الأبناء، سواء أكانوا في مرحلة الطفولة أم المراهقة.  

 

إيجابيّات حرص الوالدين الزائد على الأبناء 

هناك العديد من الأسباب التي تجعل تطبيقات الرقابة الوالديّة مطلوبة هذه الأيّام. وعلى الرغم من أنّ بعض مواقع الإنترنت والتطبيقات المختلفة تسمح للوالدين بمراقبة المحتوى لأطفالهم، إلّا أنّها ليست فعّالة دائمًا. في ما يلي بعض فوائد استخدام الرقابة الوالديّة على حياة الأبناء الرقميّة والواقعيّة:  

التوجيه  

يختصر توجيه الوالدين أبناءهم الكثير من العناء على الأبناء، لأنّ دروس الحياة التي مرّ بها الوالدان تُعدّ دليلًا لهم في رحلتهم، وتنطوي على سجلّ يضمّ أغلب المواقف التي يمرّ فيها الأبناء للمرّة الأولى.  

الأمان   

في حال مواجهة الأبناء أيّة مواقف تنذر بالخطر ولا تكفي خبرتهم لمواجهتها، تلعب الرقابة أو الحماية الوالديّة دور طوق النجاة الذي يأخذ بأيدي الأبناء إلى برّ الأمان.       

التقويم  

تسهم الرقابة الوالديّة في تقويم سلوك الأبناء نحو الأفضل، لأنّ التنشئة على الانضباط والمهارات التنظيميّة الجيّدة ومحاربة العادات السيّئة يؤثِّر إيجابًا في شخصيّة الأبناء ونجاحاتهم على المدى الطويل.   

مراقبة تصفّحه الإنترنت  

تتضمّن أدوات الرقابة الوالديّة ميّزة حظر المحتوى غير اللائق، سواء أكانت صفحة متصفّح آمنة أم لا. يمنع ذلك طفلك من الوصول إلى المحتوى الذي قد يكون ضارًّا بصحّته العقليّة، أو يؤثِّر فيه سلبًا، أو يتيح تنزيل البرامج الضارّة. 

تنظيم الوقت   

يحتاج الأبناء عادةً إلى تذكير دائم بأهمّيّة الوقت واستغلاله للقيام بما هو مثمر، ويرتبط تحكّم الوالدين بالأبناء بالتحكّم بأنشطتهم الروتينيّة ومنعهم، مثلًا، من قضاء معظم الوقت في المنزل على شاشة التلفاز، أو في النوم، أو غيرها من الأنشطة التي تثبّط نشاطهم البدنيّ، وتفقدهم الرغبة في الإنجاز.   

 

سلبيّات حرص الوالدين الزائد على الأبناء  

بالرغم من الإيجابيّات البارزة للمراقبة الوالديّة، إلّا أنّ هنالك جوانب سلبيّة تؤثِّر في ابنك لا يمكن التغاضي عنها. إليك أهمّها:   

تأثّر صحّته النفسيّة 

تحكّمك الزائد بابنك يؤدّي إلى تأثّر صحّته النفسيّة، وإن لم يبدُ ذلك جليًّا لك، لأنّ الضغط النفسيّ الناجم عن كثرة التحكّم بتفاصيل حياته، وضرورة حدوث كلّ شيء بصورة مثاليّة لا تخرج عن النمط التقليديّ المطلوب، يُرهق الطفل أو المراهق ويشعره دائمًا أنّه محلّ اتّهام ومحاسبة إن لم يقم بكلّ شيء كما يجب.  

خوفه من التجربة   

حرص الوالدين الزائد على الأبناء يُنتج طفلًا يخشى كلّ مجهول، لأنّه لم يعتد على مواجهة الأمور بنفسه ولم يكتسب شيئًا سوى ما أملاه عليه والداه، ولا يعرف صورة للحياة سوى من عينيهما. لذا، غالبًا ما تتكّون لدى الأطفال الذين اعتادوا الحرص الزائد رهبةٌ زائدة من التجارب الجديدة أو التحدّيات وضغوط الحياة، ولا يخاطرون أبدًا. فحرص الوالدين الزائد على أبنائهم يضيّق آفاقهم ويقيّد تفكيرهم في أُطر أنموذجيّة جامدة، تحرمهم القدرة على التفكير خارج الصندوق أو تنمية مهاراتهم الإبداعيّة.  

قلّة الخبرة   

عندما يزيد حرص الوالدين على الأبناء عن الحدّ الطبيعيّ تكون خبرة الأبناء المباشرة معدومة تقريبًا، لأنّ الوالدين يتصدّران المواقف دائمًا ويقومان بأدواره بدلًا منه، ممّا يجعل رصيده من التطوّر الشخصيّ والممارسة الفعليّة للحياة ضعيف للغاية. وللأسف، ربّما لا يتحسّن هذا الوضع مع مرور الوقت، بل يزداد كارثيّة، لأنّ التقدّم في العمر يجلب معه مسؤوليّات أكثر جدّيّة، بينما يتوقّف تطوّر المهارات عند أبناء الوالدين الحريصين.   

ضعف الشخصيّة 

تتشكّل الشخصيّة بفضل التجارب الحياتيّة الفعليّة والمجازِفة باتّخاذ القرارات، واكتساب الدروس المستفادة من هذه المواقف. أمّا النمط التربويّ السلطويّ فيربّي أدوات الوالدين وأشكالًا مستنسخة عنهم، لا شخصيّات حقيقيّة. وهذا ما يُفقد الأبناء أيّ قدرة على اتّخاذ القرار بصورة مستقلّة تناسب حالتهم الخاصّة.  

عدم القدرة على تحمّل المسؤوليّة  

فقدان الطفل تحمّل المسؤوليّة نتيجة طبيعيّة لتحكّم الوالدين الزائد بالأبناء، لأنّ وجود من ينوب عن الطفل في التصرّف في كلّ موقف يبني جدارًا بينه وبين تحمّل المسؤوليّة تجاه أيّ قرار. يدفعه ذلك في المستقبل إلى إلقاء اللوم على الآخرين وتحميلهم الأخطاء الناتجة عن قرارته.   

 

* * * 

بينما نجتاز رحلة الوالديّة، يعدّ تحقيق التوازن الصحيح بين توجيه أطفالنا والسماح لهم بتطوير استقلاليّتهم في الوقت ذاته من أهمّ الجوانب التي يجب أن نتقنها. وبالرغم من حساسيّة هذه الاستراتيجيّة، إلّا أنّها عمليّة مدروسة تساعدك على تمكين طفلك من الازدهار، مع الاستمرار في توفير الدعم والإرشاد اللذين يحتاج إليهما. تذكّر أنّ إيجاد التوازن الصحيح بين السيطرة والاستقلاليّة عمليّة مستمرّة تتكيّف مع احتياجات كلّ طفل ومرحلة نموّه. كن صبورًا مع نفسك وأبنائك في هذه الرحلة، برعاية استقلاليّتهم، فأنت تعدّهم ليصبحوا أفرادًا قادرين وواثقين ومسؤولين.  

 

اقرأ أيضًا

ما أساليب المعاملة الوالديّة الأكثر نجاحًا؟ | منهجيات - نحو تعليم معاصر (manhajiyat.com)

كيفيّة التعامل مع الطفل الذي يريد كلّ شيء | منهجيات - نحو تعليم معاصر (manhajiyat.com)

المراجع 

https://www.verywellfamily.com/dangers-of-being-a-control-freak-with-your-child-1094802   

https://www.independent.co.uk/life-style/health-and-families/overlycontrolling-parents-cause-their-children-lifelong-psychological-damage-says-study-10485172.html   

https://www.capcertified.com/the-pros-and-cons-of-parental-controls/