التعليم عمل إنسانيّ نبيل يسمو عن تسميته مهنةً، ويسمو عن حسابات الربح والخسارة أو الغالب والمغلوب، فهو يرتقي بمكانته عن هذه التسميّات، إلى مكانة ربّانيّة رفيعة، ثمّ مكانة مجتمعيّة لها خصوصيّتها من التبجيل، باعتبارها رسالة وأمانة عظيمة من إنسان نذر نفسه لتعليم الناس الخير، قدوته في ذلك الحبيب المصطفى صلّى اللّه عليه وسلّم.
الدور الجوهريّ للمعلّم قائم على نظرته إلى الغرفة الصفّيّة مكانًا للعلماء الصغار، يتعلّمون ويكتسبون الخبرات فيه، ويشعرون بالاحترام (ليس مكانًا للتهديد والقهر والسخريّة والتأنيب) ينطلق من خلاله بهم ليأخذوا مكانهم علماءَ كبارًا يُشهد لهم بالإنجازات التي تنفع البشريّة.
أدوار المعلّم الجوهريّة
المعلّم القُدوة
المعلّم صاحب رسالة نبيلة، وهو قدوة طلّابه في الشكلّ والمضمون بما يُظهره أمامهم من لياقة ولباقة.
المعلّم المُستثمر
المعلّم القيميّ أمين على طلّابه في إدارة وقت الحصّة، وتقديم التعلّم الذي يحقّق الفرق في المستوى. ولا يبخل على طلّابه في جهده المُنصبّ على تمكينهم من امتلاك المعارف والمهارات المقرّرة. هو يستثمر كلّ دقيقة في حصّته في تحقيق الأهداف، فالمعلّم القيميّ معلّم يخاف الله في طلّابه، ويستشعر الرقابة الإلهيّة بعيدًا عن الرقابة الإداريّة، حريص على رفعتهم، ملتزم بتعليمهم إلى أقصى ما تستطيع قدراته وقدراتهم.
المعلّم التكامليّ / الترابطيّ بذكاء
يربط المعلّم القيميّ بين المعرفة والاستخدام الوظيفيّ لتلك المعرفة بالحياة. لا يكتفي بسرد المعلومة وتقديمها، بل يربط بينها وبين استخداماتها الحياتيّة المختلفة. ويربط كذلك المعرفة بمادّته بمعارف في موادّ أخرى، إنّها الجوهر من المعرفة، أن يُحسن الطالب استخدامها في حياته، ويدرك علاقاتها البينيّة؛ فاللغة العربيّة مرتبطة بالعلوم، والعلوم مرتبطة بالتربية البدنيّة، والإسلاميّة مرتبطة بالعلوم والرياضيّات، والرياضيّات مرتبطة باللغة العربيّة والعلوم... وهكذا.
المعلّم المُخَطِّط
عمل المعلّم القيميّ مُتقَن مستند إلى التخطيط الذهنيّ والمكتوب لما سيتمّ تعليمه أثناء الحصّة. إذ لا عمل من دون تخطيط، ولا حصّة ارتجاليّة، ولا حصّة من دون استخدام الوسائل التعليميّة، ولا حصّة من دون دور أكبر للطالب من وجهة نظر المعلّم القيميّ.
المعلّم المُحاور بكامل طاقته الجسديّة
ليس في مدارس هذا العصر معلّم مُحاضِر. دور المعلّم في المدارس العصريّة دور نوعيّ مُيسِّر للتعليم، ووسيط بين المعرفة وبين الطالب. إنّ حصّة يُسيطر فيها المعلّم على كلّ مجرياتها وأنشطتها حصّة منقوصة؛ تَعِبَ فيها المعلّم واستُنفِذت طاقته الجسديّة والنفسيّة من جانب، وأتعب طلّابه، وبثَّ فيهم الملل والضجر وعدم الرضا من جانب آخر.
المعلّم المدَبِّر
إدارة وقت الحصّة عند المعلّم من عوامل نجاحها، وحُسن تدبير فعّاليّات الحصّة مؤشّر من مؤشّرات كفاءة المعلّم. إنّ حصّة أنهاها الجرس قبل نهاية أهدافها حصّة غير ناجحة؛ فإذا استمرّت الحصّة في مجرياتها بعد قرع الجرس يصبح الطلّاب في حالة من الإرباك، ويُترك المعلّم الآخر مُنتظرًا خروج زميله على مَضَض.
المعلّم الإنسان
للمعلّم أدوار جوهريّة متكاملة مع أدوار الآخرين، وتربطه بهم علاقة قائمة على الاحترام والتعاون والإيثار وتقبُّل الرأي، وتربطه بالطلّاب علاقة إنسانيّة قائمة على الرحمة والرفق والتغافل.
المعلّم المُحفّز
التعزيز والاحتفال بإنجازات الطلّاب من الأدوار الجوهريّة للمعلّم. حصّة خالية من التعزيز ومن التنويع في التعزيز، حصّة ينقصها الكثير لتكون ناجحة. وضعف استجابات المعلّم لأفكار الطلّاب أو تجاهل نجاحاتهم، من عوامل انهيار التفاعل الصفّيّ.
المعلّم المُؤثّر
زيادة الشغف بالتعلّم دور من الأدوار النوعيّة للمعلّم، وزيادة الشغف تتطلّب مجموعة من المهارات والأدبيّات التدريسيّة، ومنها التنويع في نبرات الصوت والتنقّل بين النبرات. الرتابة والثبات على نبرة صوت واحدة، إمّا أن يثير ضجر الطلّاب وإمّا أن يقضي على دافعيّتهم، ويزيد من مَللهم. وليحذر المعلّم من الصوت العالي/ الصراخ على مدار الحصّة؛ فإنَّه يُتعِب المعلّم ويُتعِب الطلّاب، بل ويزيد من الصخب ويزيد من التوتّر بما يدفع بعض الطلّاب إلى الاستئذان بالخروج بذرائع غايتها الخروج من هذا الجوّ المزعج للحصّة.
ونختم بالدور الجوهريّ للمعلّم بخير قدوة لنا في حديثه النبويّ الشريف، في ما يُروى عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه: أنّ النبي صلى الله عليه وسلّم قال: إنّ الله لم يبعثني معنّتًا ولا متعنّتًا، ولكن بعثني معلّمًا ميسّرًا (رواه مسلم).