تمكين المعلّم، تمكين الحياة
تمكين المعلّم، تمكين الحياة

ملفّ العدد الخامس عشر من منهجيّات، "تمكين المعلّم أوّلًا: بحث في عناصره، رؤًى في عقباته"، موضوع شديد الأهمّيّة، نعتبره بابًا يُفتَح لملفّات تستكمل البحث والتعليق حول شأنٍ أساسٍ من شؤون تطوير التعليم في العالم العربيّ: فماذا يعني تمكين المعلّم؟ وهل هو سابق على بدء الممارسة التعليميّة، بما يعني مسؤوليّة الجامعات والمعاهد، أم هو عمليّة مستمرّة؟ ومن يتولّى مسؤوليّاتها من حيث الوقت المطلوب للتمكين المستمرّ، ومن حيث التكاليف؟

هذه الأسئلة تقابلها على الوجه الآخر أسئلة أكثر تعقيدًا، من مثل: هل حضور ورشات عمل ودورات تدريبيّة متناثرة وبما تيسّر، هو الشكل الأفضل لهذا التمكين؟ كيف يمكن للمعلّم تطوير أدائه ذاتيًّا في ظلّ وجود سياسات جامدة وقوانين متحجّرة قد تئد أيّ محاولة للتغير والتجريب عند المعلّم الفرد؟

وإبّان العمل على الملفّ والتعامل مع هذه الأسئلة، ومحاولة ترتيبها في حزمات يشكّل كلّ منها ملفًّا قائمًا بذاته، بدأت صور الأحداث في قطاع غزّة ترِد بعنفها المذهل ووحشيّتها. ومع الصور بدأت محاولة الفهم، وعادت الأسئلة ذاتها التي لم نجد إجابات عنها منذ أكثر من 100 سنة من تاريخ منطقتنا: لماذا يصرّ ساسة العالم "المتحضّر" (اقرأ المهيمِن) على عدم سماع سرديّاتنا ورؤية آلام ناسنا التي لا يتحمّلها بشر، على الرغم من أنّها هذه المرّة، وصلت إلى شوارعه مع مئات آلاف الناس الذين ملؤوا ساحات عواصمه لرفض المشاركة في المجزرة؟

 

كتب ماركيز رواية "قصّة موت معلن" بقسوتها، حيث أحدٌ لم يمنع الجريمة المعروف وقوعها. ونقرأ نسختها الواقعيّة الآن، في رسالة العزيزة أسماء مصطفى من تربويّات غزّة: "أنا ما زلت على قيد الحياة، مقطّعة أوصالي، جزء منّي في الشمال، وأطفالي في رفح، وأنا في خانيونس. لم يبق لنا بيت ولا مأوى، فقط مدارس الأونروا التي أصبحت مستباحة بشكل علنيّ، قصف جوّيّ ودبّابات...  كلّ بشر يتحرّك إلى خارج المدرسة يتمّ إعدامه... رعب رعب رعب، تجويع وقتل وإبادة جماعيّة. دعواتكم لنا ولأهلنا. صار أكبر همّنا أن يطلع علينا نهار جديد نتنفس".

نحن في منهجيّات، وفي حدود إمكانيّاتنا واختصاصنا، بادرنا إلى اتّخاذ موقف من المجزرة؛ فأطلقنا مدوّنة غزّة وشعارها "أيّ شيء إلّا الصمت"، حيث تابعنا مع من استطعنا إليهم سبيلًا من معلّمات غزّة ومعلّميها، يوميّاتهم، ونشرناها، وترجمناها، وتعاونّا مع "صوت بودكاست" في نشرها بصيغة صوتيّة، وما زلنا. ونعمل الآن على ملفّ يتعامل مع مفاعيل هذه الجريمة لعدد الربيع، سننشر تفاصيله قريبًا، على أمل أن يكون أطفالنا في غزّة يومذاك، قد نالوا رفاهيّة النوم بلا أصوات الرعب، وبأملٍ في الاستيقاظ.

 

وبالعودة إلى ملفّ العدد، تمكين المعلّم، نقرأ فيه مداخلة عن استعمال الذكاء الاصطناعيّ في تمكين المعلّمين لدلال حمّودة؛ وتوصيّات لدعم المعلّمين في سعيهم للتطوير، لجمانة حزبون؛ ومطالعةً مختصّة عن الاتّباع والإبداع في التعليم، لوائل كشك؛ وبحث في العلاقة بين السياسات التعليميّة وممارسات المعلّم الفعّال، لمروان حسن؛ ومداخلة مفصّلة عن تمكين المعلّمين في أوقات الحروب، لهنادي نصر الله؛ وأسئلة ضروريّة حول سبل تمكين المعلّمين لمحمّد الزعبي؛ وتفصيلًا مهمًّا للتجربة السنغافوريّة في تطوير أداء المعلّمين، لعبد الله الدرايسة.

 

أمّا في المقالات العامّة، فنقرأ "نعم للاحتمالات: تغذية الابتكار بالتحوّل البيداغوجيّ في ممارسات المعلّمين" لمحمّد حمّور؛ و"مستقبل التعليم في ضوء استخدام الذكاء الاصطناعيّ" لسحر درويش؛ و"لنطلق العنان لقدرات الطلبة" لعلي أمين؛ و"فعاليّة استخدام الصفّ المقلوب" لمرسال حطيط؛ و"حصّة على خشبة المسرح" لصهيب زعارير؛ و"التعلّم الذاتيّ: من قدرات فرديّة إلى قيادة تحويليّة" لمايا عبّاس. كما نقرأ ترجمة لمقال "كيف يمكن لكتابة فلسفلتك التعليميّة ومراجعتها أن تغذّي ممارستك؟" إضافة إلى مقال مستند إلى إجابات المعلّمين في الدردشة بعنوان: "من سيتولّى مهمّة التعليم في غياب المعلّمين والمتخصّصين التربويّين؟" ولا ننسى المحاورة المهمّة مع الأستاذ رفعت صبّاح من فلسطين، إضافة إلى أبواب المجلّة المعروفة.

تمكين المعلّم أمر أساس في تطوّر المجتمعات، شرط أن تكون هناك مجتمعات لا تُحذَف من سجّلات قيد الحياة، شرط ألّا تصير أقصى الأماني النجاة والعيش كيفما اتّفق، شرط أن نتأكّد من أنّ حكاياتنا ستبقى مسموعة ومتناقلة على ألسنة أحيائنا.