تعديل سلوك الطفل الخجول بطرق تربويّة حديثة
تعديل سلوك الطفل الخجول بطرق تربويّة حديثة

بينما يميل أغلب الأطفال إلى اكتشاف بيئتهم، فيسعون إلى مشاركة اللعب مع أقرانهم، ويتحمّسون عند لقاء أطفال من المرحلة العمريّة نفسها، ويتفاعلون مع محاولات الآخرين مداعبتهم أو الحديث معهم، هناك بعض الأطفال الوحيدين الذين يبقون بمفردهم دائمًا. قد تلاحظ عزوف هؤلاء الأطفال عن التواجد في أيّ وسط تفاعليّ وارتباكهم من وقوع الأنظار عليهم، أو محاولة إشراكهم في نشاط يجمعهم بالآخرين.

قد يكون سلوك الطفل الخجول أحيانًا نابعًا عن طبع شخصيّ، ولكن هناك بعض العلامات التي تنبِّئ بالخطر، وبوجود درجة غير طبيعيّة من الخجل الاجتماعيّ، ربّما تعود إلى أزمة يعانيها الطفل، ولا يستطيع التعبير عنها أو معالجتها؛ إلّا أنّ هناك بعض الطرق التربويّة الحديثة التي تنفع في تعديل سلوك الطفل الخجول، وتحرّره من الخوف والقلق اللذين يعيقان حركته وتطوّره وتفاعله الاجتماعيّ.

 

أنواع سلوك الطفل الخجول

قبل الحكم على طفلك، وتصنيف طبيعته الخجولة بأنّها مشكلة مرضيَّة تتطلّب علاجًا وتعديلَ سلوك، يجب أن تدرك مدى شدّة خجل طفلك الاجتماعيّ، وإن كان خجله مرحلة طبيعيّة في طفولته، أم أنّه خجل يزيد عن الدرجة الطبيعيّة.

الخجل الطبيعيّ 

لا تُعدّ هذه الدرجة من الخجل أمرًا مثيرًا للقلق، حيث تقتصر مظاهر الخجل في هذه الحالة على عزوف الطفل عن المبادرة في الانخراط في العلاقات الاجتماعيّة. فلا يُقدِم الطفل على التواصل مع الآخرين، ولكنّه يستجيب بصورة طبيعيّة لمحاولات أقرانه التواصل معه، وينجح في بناء العلاقات مع الوقت.

الخجل الطفوليّ أو الصبيانيّ 

تُعدّ طبيعة العلاقات الاجتماعيّة المصاحبة لهذا النوع من الخجل مُذبذَبة، مقارنةً بالمعدّل الطبيعيّ، لأنّ الطريقة التي يستخدمها الطفل للتقرّب من أقرانه والتواصل معهم، أو لفت الأنظار إليهم تكون أكثر حدّةً وإزعاجًا. فردود أفعال هؤلاء الأطفال تجاه الخسارة أو الفشل في لعبة ما، أو عدم تحقيق رغباتهم، تكون صبيانيّة ومزعجة للأطفال الآخرين. هذا الوضع يحدّ من سرعة توطيد العلاقات الاجتماعيّة بين هؤلاء الأطفال وأقرانهم. 

الخجل العنيف  

يحجز هذا النوع من الخجل الطفل عن العلاقات الاجتماعيّة، لأنّ الأسلوب الذي يستخدمه الطفل في التعبير عن خجله يأتي بصورة عنيفة ووقحة. من هنا، عجز الطفل الشديد عن التواصل بصورة صحيّة مع الآخرين يدفعه إلى التصرّف بصورة غير مستحَبّة بالنسبة إلى أقرانه، ويؤدّي بهم إلى استبعاده والعزوف عنه. 

 

طرق تعديل سلوك الطفل الخجول

مع الأساليب التعليميّة الحديثة، يمكننا استخدام استراتيجيّات مختلفة لتعديل سلوك الطفل الخجول، ومساعدته على بناء الثقة في البيئات الاجتماعيّة. إليك أهم هذه الأساليب:  

التمهيد وعدم المفاجأة  

إذابة الجليد بين الطفل الخجول والمواقف الاجتماعيّة ليست بالأمر السهل، أو الذي يمكن تحقيقه سريعًا؛ بل يحتاج الوصولُ إلى هذا الهدف إلى الوقت والجهد، لتهيئة الطفل نفسيًّا وتنمية قدرته على التعامل مع المواقف الاجتماعيّة المختلفة تدريجيًّا، حتّى يصل إلى المرحلة المطلوبة ويتمكّن من مواجهة الخجل بفضل تراكم رصيد التجارب. فيجب ألّا يستعجل الوالدان التغيير في شخصيّة الطفل الخجول وانفتاحه على الأوساط الاجتماعيّة، بل عليهما مراعاة طبيعته الشخصيّة التي لن تتحوّل جذريًّا، ولكنّها يمكن أن تتغيّر نسبيًّا مع محاولات تعديل سلوكه.

وضعه في بيئة مدرسيّة مشجِّعة  

في مرحلة مبكِرة من حياة الطفل، تكون المدرسة عالمه الثاني، وتملك تأثيرًا قويًّا في حياته، لا يقلّ أهمّيّة عن تأثير الأسرة. لذلك، يسهِم التنسيق مع المعلّم في المدرسة كثيرًا في فعّاليّة نتائج محاولاتك. من هنا، تشغل البيئة المدرسيّة حيّزًا كبيرًا في اكتشاف الخجل الاجتماعيّ لدى الطفل ومعالجته، ويُعبِّر أداء الطفل المدرسيّ ودرجة تفاعله مع معلّمه وأقرانه عن مستوى الخجل الاجتماعيّ الذي يعانيه، ومدى خطورته؛ فكلّما كانت البيئة المدرسيّة صحّيّة ومنفتِحة وآمنة للطفل، استطاع مجابهة الخجل واستجماع الشجاعة للتعبير عن نفسه وتنمية علاقاته بصورة أفضل. 

يعدّ دور المعلّم مفتاحًا سحريًّا لتعديل سلوك الطفل الخجول، إذ يساعد الدعم النفسيّ الذي يقدّمه المعلّم للطفل الخجول، وتشجيعه على المشاركة والفاعليّة، على تقليل خجله نسبيًّا، لأنّ شعوره بالتميّز بين زملائه وتقدير معلّمه يدفعه دائمًا إلى كسر حواجز الخجل. 

تعزيز نقاط تميُّزه 

الموهبة وقود الثقة بالنفس والدافع الأوّل إلى التخلّص من الخجل الاجتماعيّ، حيث يمنح الشعورُ بالتقدير وثناء الخرين الطفلَ الشجاعةَ لمواجهة المواقف الاجتماعيّة والتعبير عن نفسه بارتياح. لذلك، يعدّ دور الأسرة التربويّ، والمدرسة في اكتشاف مواهب الطفل ونقاط تميّزه والعمل على تطويرها، في غاية الأهمّيّة لتقوية شخصيّة الطفل وتعزيز ميله إلى التفاعل الاجتماعيّ. كما يساعد اكتشاف الطفل اهتماماته على تخطّي الخجل والاندماج مع الأطفال الذين يشاركونه الاهتمامات بسهولة، فيحافظ على توازنه النفسيّ، إن عانى الوحدة في بداية اندماجه في أوساط جديدة بسبب طبيعته الخجولة. 

الدعم الأسريّ المستمرّ 

يحتاج طفلك إلى الأمان ودعم أسرته أوّلًا، فقد يرتبط خجله الاجتماعيّ بكثرة توجيه اللوم والنقد له، أو تجاهله وعدم الاهتمام به وحثّه على اتّخاذ المواقف الإيجابيّة. لكي يتحقّق تعديل سلوك الطفل الخجول، يجب أن يستمدّ احتياجاته النفسيّة، مثل الثقة بالنفس، من نظرتك إليه، لتُبنى لديه قناعة باستحقاقه الاهتمام، ولكي يتمكّن من تقديم الاهتمام إلى غيره، وتلقّيه بصورة متبادلة، وبناء علاقات اجتماعيّة صحّيّة. 

تشجيعه على التفاعلات الاجتماعيّة بالتدريج 

من الأساليب المفيدة في تعديل سلوك الطفل الخجول وضعُه في مواقف اجتماعيّة منخفضة الضغط، وزيادة مستوى التحدّي تدريجيًّا بمرور الوقت. على سبيل المثال، في البداية، شجِّع طفلك على التفاعل مع مجموعة صغيرة من الأصدقاء المقرّبين أو أفراد الأسرة، ثمّ وسِّع الدائرة تدريجيًّا لتشمل الوجوه غير المألوفة. تساعد هذه الطريقة الأطفال الخجولين على أن يصبحوا أكثر راحة مع التفاعلات الاجتماعيّة، وبناء الثقة بالسرعة التي تناسبهم. 

تطوير ذكائه العاطفيّ

يلعب الذكاء العاطفيّ دورًا حيويًّا في التفاعلات الاجتماعيّة. ساعِد طفلك الخجول على تنمية الوعي العاطفيّ والتعاطف ومهارات التنظيم، وشجِّعه على تحديد مشاعره والتعبير عنها وممارسة الاستماع الفعّال. علّمه فهم الإشارات الاجتماعيّة، وعرِّفه إلى مشاعر الآخرين، ليستجيب استجابة مناسبة. يمكن لطفلك، بتنمية ذكائه العاطفيّ، التعامل مع المواقف الاجتماعيّة تعاملًا أكثر فعّاليّة، وإقامة روابط ذات مغزى مع الآخرين. 

 

طلب المساعدة عند الضرورة 

في بعض الحالات، قد يتطلّب تعديل سلوك الطفل الخجول دعمًا إضافيًا من المختصِّين. ضع في اعتبارك استشارة علماء نفس الأطفال، أو معالجي الأطفال، أو المعلّمين المختصِّين في التنمية الاجتماعيّة والعاطفيّة. يمكن لهؤلاء الخبراء تقديم رؤى وإرشادات قيّمة ومصمَّمة لاحتياجات طفلك الخاصّة، ومساعدته على التغلّب على خجله، وازدهاره في البيئات الاجتماعيّة. 

* * *

 

اقرأ أيضًا

صعوبات التعلّم عند الأطفال | منهجيات - نحو تعليم معاصر (manhajiyat.com)

ابني لا يحبّ الدراسة... ماذا أفعل؟ | منهجيات - نحو تعليم معاصر (manhajiyat.com)

 

المراجع

https://www.betterhealth.vic.gov.au/health/healthyliving/shyness-and-children  

https://www.psychologytoday.com/us/blog/growing-friendships/201606/helping-your-shy-child#:~:text=Looking%20outward%20and%20focusing%20on,ability%20to%20grow%20and%20learn.  

https://www.healthychildren.org/English/ages-stages/gradeschool/Pages/Shyness-in-Children.aspx#:~:text=Should%20I%20be%20worried%3F,and%20interactions%20can%20be%20terrifying.