الممارسات المهنيّة للمدرّسين: بين النظريّة والتطبيق
الممارسات المهنيّة للمدرّسين: بين النظريّة والتطبيق

انطلاقًا من فلسفتها الهادفة إلى نشر كتب متخصّصة في الحقل التربويّ العربيّ، نشرت إصدارات ترشيد التربويّة، مع مستهلّ سنة 2023، كتاب "الممارسات المهنيّة للمدرّسين: بين النظريّة والتطبيق"، تأليف: د. رولا قبيسي، ود. عزيز رسمي، وأ. يوسف أمهال. يعدّ الكتاب أكثر من دليل نظريّ للمعلّم، ويشكّل مساحة لعرض مفاهيم نظريّة وتطبيقيّة، تهدف إلى فتح أُفق إلى جانب مفهمة التطوير المهنيّ للمعلّم، لصقل مهاراته ودفع عجلة التطوير في المدرسة من جهة، وتقديم أدوات مُعاصرة للمعلّم من متخصّصين تربويّين، دعمًا لهُ في خضمّ تحدّياته اليوميّة من جهة أخرى. 

وإذ تنطلق إصدارات ترشيد التربويّة من مساحة للحوار والتجريب مع المُمارِس التربويّ ومنهُ وإليهِ، فهي تسعى، بنشر هذا الكتاب، إلى فسح المجال أمام المعلّم للتعرّف إلى أحدث الاستراتيجيّات، والأدوات التعليميّة، وطرائق تطبيقها، وتفعيلها داخل الصفّ الدراسيّ على نحو يتماشى مع احتياجات الطلّاب من ناحية، ومع السياسات التعليميّة والبرامج الدراسيّة للمؤسّسة التعليميّة من ناحية ثانية. 

 

المدرّس، مبتدئًا كان، أم صاحب تجربة 

يستهدف هذا الكتاب أساسًا المدرّس، مبتدئًا كان، أم صاحب تجربة، ويحرص على إتاحة الفرصة له لتطوير تدخّلاته التربويّة، وممارساته التعليميّة في الصفّ وخارجه. ويمثِّل، تاليًا، أداة دعمٍ من أجل تحقيق نجاح الطالب التربويّ والدراسيّ، بالإضافة إلى تحسين أداء المدرسة، ومردوديّتها في إطار بيئةٍ آمنةٍ ومتسامحةٍ وشاملةٍ الجميع. كما يدعم المعرفة النظريّة والعمليّة لمختلف الفاعلين المتدخّلين في المدرسة، لتحقيق هدفهم الرئيس المتمثِّل في تحسين مستوى تحصيل المتعلّمين وتحقيق رفاهيّتهم. 

لا يغطّي الكتاب، بالضرورة، مجمل المفاهيم التربويّة التي يحتاج الممارس التربويّ إلى فهمها واستخدامها، بل يقتصر على بعض المفاهيم الأساسيّة التي تشكِّل قاعدةً لرسم مشهد عام، لما تمثِّله عمليّة التعليم. 

يعرض الكتاب، في بعض فصوله، أطرًا ومفاهيم نظريّة تشكِّل نواة ممارساتٍ عمليّةٍ تطبيقيّة. ويعرض، كذلك، أمثلة وتجارب صفّيّة مستقاة من واقع التجربة والممارسة في حقل التعليم، بالعمل المباشر مع مدرّسين مختلفين، وجملة من المشاهدات الصفّيّة، وبعض المقابلات مع مدرّسين. فالتجارب لا تُستنسَخ، ولكن تُحلَّل بعين ناقدة وتأمّليّة، ليصبح تطبيقها أكثر فعّاليّة.  

 

عُدّة تربويّة للمدرّسين 

المفاهيم والممارسات التربويّة الرئيسة التي يعرضها الكتاب، إلى جانب الإجراءات العمليّة، موارد أساسيّة للمدرّبين في مؤسّسات التطوير المهنيّ الأساسيّ، وللمستشارين التربويّين، ورؤساء المؤسّسات التعليميّة، بتزويدهم بأدوات عمليّة لتسهيل تنفيذ عملهم التربويّ. فلا يدّعي العمل وجود طريقة واحدة للتعليم الفعّال فقط، بل يسعى به إلى تقديم فرصة للمدرّس للتفكير في دوره، والتأمّل في ممارساته، بما يتماشى واحتياجات صفِّه الدراسيّ بجميع مكوّناته. 

ويسعى الكتاب إلى أن يجد القارئ أكثر من مجرّد عروضٍ نظريّة، بل "عُدَّة تربويّة" تساعد المدرّس في بلوغ الأهداف التعليميّة والتعلّميّة، وبعض الإجابات عن تساؤلاته، واحتياجاته في الممارسة التربويّة والبيداغوجيّة. عمومًا، يخاطب هذا الكتاب المدرّسين في طور التطوير، أو الممارسين، سواء أكانوا من الناجحين، أم من أولئك الذين يحتاجون إلى مزيدٍ من الدعم، أم من الذين ينخرطون في برامج التطوير في مجالات مختلفة، مثل التطوير المهنيّ أو الصحّة أو برامج التدخّل الاجتماعيّ، وهو دعوة إلى التأمّل في بعض المفاهيم، وطرائق تطبيقها، وتفعيلها داخل الصفّ الدراسيّ. 

 

بين النظريّة والتطبيق 

يقع الكتاب في 304 صفحة من القطع المتوسّط، وينقسم إلى أربعة أقسام، ويضمّ ثلاثة عشر فصلًا تخصّ المعارف النظريّة والممارسات البيداغوجيّة.  

يتفرّد قسمه الأوّل "التطوير المهنيّ للمعلّمين: بين التأمّل والممارسة" بالحديث عن مفهوم التطوير المهنيّ. ويقدّم الفصل الثاني أنموذج الممارسة التأمّليّة القائم على مفهوم الممارِس المتأمِّل، ومنهجيّة تحليل الممارسة. ويختصّ الفصل الثالث بأدوات عمليّة للتطوير المهنيّ للمدرّسين.  

 

وبعد أن وُضعَ هذا الجزء الأساس، ينتقل في قسمه الثاني إلى "الممارسات المهنيّة الصفِّيّة: جولة في بعض المفاهيم"، إلى عرض أربعة مفاهيم أساسيّة، وأداة قياسٍ، وتقييم. ويعالج الكتاب في الفصل الرابع أوّل هذه المفاهيم: مفهوم البيداغوجيا الفارقيّة المُشكّلة جزءًا من العمليّة التعليميّة ومن المُمارسات العادلة في التعليم. ويسلّط الفصل الخامس الضوء على مفهومين يرتبطان بالنهج البنائيّ الاجتماعيّ في التربية والتعليم، وهو النهج الذي تُبنى على أساسه معظم النُّظم التعليميّة، انطلاقًا من فكرة أنّ التطوّر العقليّ للفرد يجري بالأنشطة الاجتماعيّة المشتركة بوساطة الأدوات الثقافيّة التي يتفاعل معها الإنسان، وأنّ عمليّة تطوّر الطفل نتاج تفاعله الاجتماعيّ والثقافيّ مع الآخرين، ومع الأدوات المتوافرة في المكان. أمّا المفهومان فهما التسقيل، ومنطقة التطوّر الأقرب. وينتقل الكتاب بعد ذلك في الفصل السادس إلى تقييم التعلّمات؛ وهو مفهوم طَرَح الكثير من الإشكاليّات لعدد من المدرّسين من ناحية تطبيقه.  

 

ويختصّ القسم الثالث من الكتاب بـ "تطوير البيئة الصفّيّة والمدرسيّة" لتكون آمنة ومشجّعة ومنفتحة وقادرة على مواجهة التسرّب المدرسيّ، كما يبيّن أهمّيّة عمل المدرّس في إطاره الأوسع خارج حدود الصفّ. ويتطرّق في فصله الثامن إلى الإدارة الصفّيّة؛ أحد أكثر المفاهيم المُثيرة لقلق المدرّسين، ولا سيّما حديثو الخبرة، إذ يعرّف مفهومَ الإدارة الصفّيّة بأنّه مجموعة من الأساليب والاستراتيجيّات المُستَخدمَة لتنظيم أنشطة الصفّ، ويعرض عرضًا مختصرًا نظريّات الإدارة الصفّيّة، مُركِّزًا على بعض الشروط الأساسيّة للنهوض بها. ويركّز الفصل التاسع على دافعيّة المتعلّم؛ ففي صميم الإدارة الصفّيّة الفعّالة، ثمّة متعلّم له احتياجات وظروف وتمثّلات، ودافعيّة يعرّفُها الفصل، ويعرض أنموذج التوقّعات والقيَم، ثمّ الشروط المتّبعة لرفع دافعيّة المتعلّمين. 

 

ويتناول الفصل العاشر مفهوم التعليم في بيئة متعدّدة الثقافات، فبالإضافة إلى أهمّيّة تقبُّل الاختلافات، والتعامل معها بإيجابيّة، على المدرّس أن يؤقلم طرائق تدريسه مع سياق صفّه الاجتماعيّ. أمّا الفصل الحادي عشر فعنوانه "المتعلّمون في خطر التسرُّب المدرسيّ وسبل التدخّل"، إذ ازدادت خطورته في السنوات الأخيرة نتيجة الأزمات والحروب. يتألّف الفصل من جزئين أساسيّين: يعرض الجزء الأوّل مفهوم التسرّب المدرسيّ، والمتعلّمين في خطر التسرّب المدرسيّ، والتدخّلات الفعّالة في هذا المجال وسبل نجاحها. ويعرّج الجزء الثاني إلى التعمّق في الحديث عن دور الأهل وتعاونهم مع المدرسة للحدّ من هذه الظاهرة. ولكي يتمكّن المدرّس من تطوير بيئةٍ آمنة، عليه أن يأخذ بعين الاعتبار السياقات الاجتماعيّة والثقافيّة للصفّ والمدرسة. 

 

عنوان القسم الرابع "توظيف التكنولوجيا في حقل التعليم"، وهو موضوع يرتبط بتطوير البيئة التعليميّة، وطرائق التدريس، ويحتاج إلى خططِ تطويرٍ مهنيٍّ ليتمكّن المدرّسون من توظيفه ضمن أهدافٍ بيداغوجيّة تخدم العمليّة التعليميّة. وضمن هذا السياق، يطرح الفصل الثاني عشر موضوع إدماج تكنولوجيا المعلومات والاتّصال في التعليم والتعلّم، فيتطرّق إلى موضوع دمج التكنولوجيا في التعليم وأهمّيّته، ويعرض إطارًا عامًّا لهذا الدمج، يكون مساعدًا للمدرّسين، ويتناول المهارات التكنولوجيّة الأساسيّة للمتعلّمين، ويقدِّم أمثلة عن الممارسات البيداغوجيّة المرتبطة بدمج تكنولوجيا المعلومات والاتّصال، ويعرض أخيرًا التحدّيات التي يواجهها المدرّسون في هذا الإطار وفق نتائج بحثٍ حول الموضوع. وأمّا الفصل الأخير فيعرض المفاهيم والممارسات التربويّة الواعدة والناتجة من الأبحاث الحديثة في علم الأعصاب التربويّ والذكاء الاصطناعيّ، مُبرِزًا المعلومات التي جرى التوصّل إليها حديثًا حول العمل الوظيفيّ للدماغ البشريّ.