الرفاه في المجتمع المدرسيّ: حول دور المدرسة الأساسيّ
الرفاه في المجتمع المدرسيّ: حول دور المدرسة الأساسيّ
2022/09/11
محمّد تيسير الزعبي | خبير تطوير أساليب تدريس اللغة العربيّة - الأردن

نكاد نجزم بالقول إنّ الرفاه المدرسيّ أولوية في قائمة الأدوار المتعدّدة للمدرسة.

إنّ شعور المعلّم والمتعلّم وولي الأمر، وبقيّة أركان المجتمع المدرسيّ بالاطمئنان والرضا عمّا يتم داخل المدرسة من تربية وتعليم،هو النتيجة التي نريد الوصول إليها، ذلك بعد قضاء وقت محدّد في المدرسة يتضمّن كثيرًا من الأنشطة المهاريّة والمعرفيّة والأدائيّة والتوجيهيّة. وهو أيضًا النتيجة التي نريد عبرها الوصول إلى فرد منتج مجتمعيًّا، مؤثّر إيجابيًّا في محيطه وبيئته. إضافة إلى أنّنا جميعًا نريد رؤية أثر التربية والتعليم يمتدّ خارج أسوار المدرسة. وهذا الطموح المشروع لن يتحقّق في ظلّ وجود بيئة تعليميّة فقيرة، ومعلّم يلهث وراء تلبية متطلّبات العيش المتزايدة نتيجة ارتفاع الأسعار، وتعاظم متطلّبات الحياة.

 

لن نصل إلى هذا النوعية من الأفراد إذا لم تحقّق المدرسة الرفاه للطلبة والمعلّمين على حدٍّ سواء.

لا يتبادر إلى الذهن أنّ المسؤوليّة تقع على عاتق إدارة المدرسة ومعلّميها وحدهم في هذا المجال؛ فهم، وإن كانوا بالدرجة الأولى من يتوّلون المسؤوليّات التربويّة والتعليميّة، إلّا أنّهم بحاجة إلى دعم من بقيّة عناصر العمليّة التعليميّة، وأوّلهم الجهات الرسميّة التي تتولّى إصدار التشريعات الناظمة للعمليّة التعليميّة، والتعليمات المرافقة لتطبيقها وتنفيذها في أرض الواقع. فهذه التشريعات تدعم عمل إدارة المدرسة ومعلّميها، وتعزّز جهودهم في إطار تحقيق نتاجات التعلّم، وتوفير الموارد اللازمة لتنفيذ خطط المنهج أو الأنشطة المهاريّة الأدائيّة. كما أنّها تضمن حصول العاملين في المدارس على دخلٍ يغطّي التزاماتهم، بحيث لا يشغلهم همٌّ عن مهمّتهم النبيلة في إعداد الفرد الصالح الذي نريد رؤيته في المجتمع.

عدد منهجيّات التاسع حول الرفاه في المجتمع المدرسيّ يلفت النظر في مقالاته، إلى الحدود التي يتضمّنها مفهوم الرفاه في المجتمع المدرسيّ وكيفيّة تطبيقه، ومواجهة التحدّيات التي تعيق هذا التطبيق. وهو يعرض صورة تطبيقيّة لواقع الرفاه في المجتمعات المدرسيّة، فينقل العدسة إلى دور المرشد التربويّ في تحقيق الرفاه، والأمور التي تدفع بالتربويّين عامّة إلى الاهتمام بتحقيق الرفاه، ولا سيّما في ظلّ الأزمات وفي مجتمعات اللاجئين التي تكون فيها الحاجة إلى تحقيق الرفاه أكثر إلحاحًا وأشدّ أهمّيّة. ويُشيرُ العدد إلى أهمّيّة إشراك أولياء الأمور، وفتح قنوات دائمة من التشاور والتواصل مع إدارة المدرسة في سبيل تحقيق الرفاه، ليتطرّق آخر مقالات ملف العدد إلى دور الأدب التربويّ النظريّ في تعزيز الرفاه، وضرورة اطّلاع المعلّمين والمعلّمات وقيادة المدرسة على هذا الأدب في طريق تحقيق الرفاه.

 

اكتسب موضوع الرفاه في المجتمع المدرسيّ أهمّيّة إضافيّة بعد الجائحة. وهذه الأهمّيّة الإضافيّة لا تعني غيابه سابقًا، بل تلفتُ النظر إلى أهمّيّته المتزايدة، وإلى أن التغيُّرات المتلاحقة مجتمعيًّا تفرض علينا إيلاءه الأهمّيّة التي تجعل البيئات المدرسيّة آمنة ومطمئِنة للطلبة والمعلّمين على حدٍّ سواء، وقابلة لاستيعاب التغيُّرات بأدنى حدٍّ من التأثّرات والإرباكات.

وفي هذا، يعيننا الاطلاع على التجارب المتقدّمة للدول في هذا المجال، على تلمّس السبل الكفيلة بتحقيق الرفاه في مجمعاتنا المدرسيّة العربيّة؛ فعند الاطلاع على تجربة سنغافورة، نجد أنّ الدولة منحت المعلّم مكانة مجتمعيّة مرموقة، وسخّرت موارد الدولة وإمكانيّاتها في خدمة التعليم، لتحصل النقلة النوعيّة التي نقلت سنغافورة إلى مرتبة متقدّمة في تصنيف الدول المتطوّرة.

فالواضح إذًا، أنّ الاهتمام الكبير بتأمين مكانة المعلّم وحفظها، وتسخير إمكانيّات كبيرة لخدمته، وفّرا لجميع المواطنين راحة ورفاهًا في المجالات كافّة. وتجربة سنغافورة ربّما تثبت أن منح التعليم الأولويّة في قائمة اهتمامات الدولة، كفيل بتحقيق نهضة مشابهة في بقيّة قطاعات الدولة الأخرى، مثل الصحّة والصناعة والسياحة والزراعة وغيرها.

هذه النهضة نتيجة طبيعيّة للرفاه الذي عاشته المدرسة في سنغافورة.

من الواضح أنّ وضع خطّة إصلاح شاملة للتعليم في البلدان العربيّة، وفق أسس واضحة، يمثّل سبيلًا فوريّا لتحقيق الرفاه المدرسيّ. هذه الخطّة الشاملة يجب أن تراعي الظروف المختلفة التي طرأت على العالم من حروب وأزمات وتغيُّر مناخيّ، والتغيُّرات التي أصابت المجتمعات العربيّة في بُنيتها وتوجّهاتها نتيجة اللجوء أو التطوّرات السياسيّة والبيئيّة والصحّيّة. ومن الضروريّ تأمين عبور الطالب العربيّ ومعلّمه بهدوء نحو مدرسة آمنة، تحقّق الاطمئنان النفسيّ والرضا المهنيّ لأركان المجتمع المدرسيّ كافّة، ذلك أنّ حصول المعلّم على الاهتمام الماليّ والمعنويّ، وتوفير الموارد التي تعينه في تحقيق أهداف المناهج الدراسيّة، سينعكس بالضرورة رفاهًا له وللطالب، ويريح ولي الأمر من عناء التفكير باختيار المدرسة المناسبة لأبنائه، أو تخصيص جزء من موارد الأسرة للتعليم.   

مرّة جديدة تثير منهجيّات بموضوعاتها اهتمامنا، وتنير مصباحًا آخر في سبيل تعليم عربيّ مختلف.