الرحلات المدرسيّة بين الضروريّ والكماليّ
الرحلات المدرسيّة بين الضروريّ والكماليّ
2023/08/20
روزين رزق | مدرّسة ومنسّقة لغة عربيّة للمرحلة الابتدائيّة - لبنان/ قطر

ألهمني مقال المدرّب عليّ عزّ الدين "العام الدراسيّ بين احتفال واحتفال" في منهجيّات، ودفعني إلى الكتابة عن الرحلات المدرسيّة. عندما كنت تلميذة، كانت الرحلات المدرسيّة رحلات للاستجمام والاستمتاع، وقضاء أوقات فرحة مع الأصدقاء والمدرّسين. كانت الرحلات في العادة تحصل يوم العطلة، فنتجهّز لها قبل وقت، ونحضّر أفضل الملابس لنرتديها. وكنّا نشتري ما لذّ وطاب من الأطعمة والحلويّات، هذا بالإضافة إلى اصطحاب بعض الآلآت الموسيقيّة معنا لأداء أشهر الأغاني آنذاك. كانت أشبه بسياحة داخليّة في البلد. أمّا أقصى نشاط كان يحصل بعد الرحلة، فهو نشاط كتابيّ نَصِفُ فيه أحداث الرحلة، ونعبّر عن مشاعرنا.

أمّا اليوم، فتغيّر مفهوم الرحلات المدرسيّة وأصبحت هادفة، وبات اسمها "رحلة مدرسيّة تعليميّة". مع التحضير لكلّ وحدة بحثيّة، يعمل المدرّسون على الاطلاع على لائحة بالأماكن التي يمكن زيارتها لتخدم الوحدة، سواء في بدايتها أو منتصفها أو آخرها، بالإضافة إلى الأنشطة المرافقة: ما قبل الرحلة، خلال الرحلة، ما بعد الرحلة. لكن، هل كلّ وحدة بحثيّة تحتاج إلى رحلة ميدانيّة؟ كمدرّسين، كم من الوقت نهدر في التحضير للرّحلة، من ملء استمارات، وحجز الحافلات، وحصر أعداد المدرّسين وتغطية الحصص وما إلى هنالك؟

 

كلّنا يتذكّر كيف توقّفت الرحلات المدرسيّة خلال جائحة كورونا. لكن، هل توقّف التعلّم؟ بالتأكيد لا. لقد تمّ الاستعاضة عن الرحلات بمفهومها المادّيّ والمحسوس بالرحلات الافتراضيّة. أليس في تلك التجربة استغلال أمثل للوقت طالما النتائج ذاتها؟ أليس في ذلك دليل على أنّ التعلّم غير مرتبط بزمان ومكان محدّدين؟

هنا، سأعود إلى مقال الزميل عليّ، تخيّلوا معي الكثير من الأنشطة والاحتفالات مع المزيد والمزيد من الرحلات المدرسيّة، فأين أصبح العام الدراسيّ؟ أبدًا لا أدعو إلى التقليل من شأن الرحلات المدرسيّة، بل على العكس، هي ضروريّة وإثرائيّة، وفيها ربط للمنهج المدرَّس بخبرات المتعلّم وواقعه، وفيها أيضًا خبرة حيّة وغنًى. لكن، هل هذه الرحلات بالفعل هادفة أم أصبحت موضة تتباهى بها المدارس وتتنافس في ما بينها، وعرضٌ للصّور على وسائل التواصل الاجتماعيّ؟  

 

بالإضافة إلى الرحلات المحلّيّة، بدأنا ننتقل تدريجيًّا إلى ظاهرة الرحلات الدوليّة. نحن ندرك أنّ في السّفر معرفة لا محدودة، ومتعة تفوق الوصف، وانفتاحًا على عادات وشعوب وثقافات مختلفة. لكن، هل الرحلات الدوليّة هي التي تجعل المتعلّم صاحب عقليّة دوليّة أم طريقة التفكير، وطرح الأسئلة، والاطّلاع، والتواصل، والاهتمام، والانفتاح على أفكار الآخرين، وغيرها من الملامح التي تطوّر شخصيّة المتعلّمين؟ هل الرحلات الدوليّة هي التي تطوّر المفاهيم وتعالج القضايا من منظور محلّيّ وعالميّ؟ أليس في الرحلات الدوليّة تعزيز للفروقات الطبقيّة؟ هل بمقدور جميع المتعلّمين المشاركة في الرحلات الدوليّة؟ أعتقد أنّنا بحاجة إلى إعادة التأمّل في الرحلات المدرسيّة سواء كانت محلّيّة أو دوليّة، واختيار الملائم والهادف منها. فكم من متعلّم يتمتّع بعقليّة دوليّة وعبر المحيطات وجاب العالم من خلال الكتب؟!