التَّيْمِينَة موروث عُمانيّ تربويّ
التَّيْمِينَة موروث عُمانيّ تربويّ
2023/01/22
أنيسة بنت عبد الله العامريّة | معلّمة تربية إسلاميّة- سلطنة عُمان

تزخر سلطنة عُمان بموروثات شعبيّة عريقة مُستمدّة من القيم الإسلاميّة، والعادات العربيّة الأصيلة. ومن أبرز هذه الموروثات التي تناقلها الخلف عن السلف "التيمينة".

والتيمينة احتفال مُتحرّك، موكبٌ يدور فيه طلبة المدرسة، فتيانًا وفتيات وأطفالًا، في طُرقات الحارة وأزقّتها، في إشارة إلى التعبير عن الفرحة الغامرة بالنجاح، والرغبة في إشهار إنجاز معيّن حقّقه الطالب/ الطالبة. وكان في الأساس احتفالًا بختم المتعلّم للقرآن، وإعلام الجميع بذلك. يقودُ هذا الموكب ويتقدّمه المُعلّم، كما في بعض الولايات، أو أحد الطلبة الكبار في بعض الولايات الأخرى.

 

وللتيمينة موكب عادةً ما ينطلقُ من بيت المعلّم، ويمرُّ بالبيوت والحارات. وخلال سير الموكب، تُنشدُ من قِبل المعلّم أو أحد الطلبة، قصائد باللغة العربيّة من الشعر بإيقاعات مُختلفة، على أن تحملُ كلمات هذي القصائد معانيَ دينيّة واجتماعيّة. وحسب الشيدي، "تكون هذه القصائد، عادةً، في الوعظ والإرشاد، وتحثّ على مكارم الأخلاق والحمد والثناء وغير ذلك. ويردُّ على المُنشد جميع التلاميذ بعد كل شطرٍ من أبيات القصيدة التي يُنشدها بكلمة "آمين" أو "أومين" (الشيدي، 2018).

وأمّا عن اشتقاق الكلمة، فيوضّح البحراني في مقال "أناشيد الطفولة" أنّ التيمينة قد اشتُقَّت من كلمة آمين، وأحيانًا يتم تفخيمها في بعض اللهجات العمانيّة، إذ تُقلب الهمزة ياءً، فتنطق أومين. وتُسمّى أيضًا التأمينة أو التحميدة أو التومينة أو الختم أو الختمة (البحراني، 2016).

تعدُّ التيمينة نوعًا من الشعر العربيّ وفنًّا من فنونه، وهي النوع الأدبيّ الأكثر ارتباطًا بالتعليم في مدارس القرآن الكريم قديمًا في عُمان، مقارنةً بالقصائد الشعريّة المعهودة التي كانت تُعلّم أيضًا في هذه المدارس، وذلك لما تحويه من معارف وقيم وأخلاق يُراد من الطالب اكتسابها والتحلّي بها.

 

تتكوّن منظومة القيم في التيمينة من اثني عشر قسمًا، هي القيم الروحيّة والأخلاقيّة والمعرفيّة والتعليميّة والاجتماعيّة والفرديّة والبيئيّة والترويحيّة والاقتصاديّة والصحّيّة. ومن القيم الروحيّة، مثلًا، الإيمان، عبر الدعوة إلى الكرم والتسامح والأمانة وعدم إفشاء الأسرار. كما تحثُّ على المعاملة الحسنة، وبرّ الوالدين، والتكافل، وحبّ الخير، والبعد عن فاحش الكلام، والحرص على طلب العلم ونشره، واحترام المعلّم وإكرامه. ومن القيم الصحّيّة التي تدعو إليها هذه المنظومة الاهتمام بنظافة الجسم والثياب وتقليم الأظافر والاغتسال. كما تدعو إلى حبّ الوطن والانتماء إليه، وغير ذلك من القيم الترويحيّة والاقتصاديّة والإنسانيّة. (الجابري،2020)

وهُنا أمثلة على القيم الصحّيّة:

وجمعة الزهراء لغسل الراسي
مـع الثيـاب واجـب يـا ناسـي
وقلّموا الأظفار فيها وابكروا
السبت للتعليم فاحضروا

وأمثلة على القيم الاجتماعيّة:

وأنت يا خـالي فنعـم الخالـي
أنت الذي تعطي جزيل المالي
تعطـي بـلا مَـنٍّ ولا سـؤالـي
وأنـت يـا عمّـي فنـعم العمّا
سـألت ربـي لا يريك هَمّـا
وأنت يا أمّي فنعم الوالــدة
جزاكِ ربّي نعمـةً وفائـدة

 

من هُنا، حرصت وزارة التربية والتعليم في سلطنة عُمان، على إدراج هذا الموروث التعليميّ كأسلوب تربويّ مفيد في المناهج الدراسيّة؛ فقد تضمّن كتاب اللغة العربيّة "أحبّ لغتي" للصفّ الثالث، مثلًا، نصًّا بعنوان "التيمينة". وأدرجت كلمات التيمينة في كتاب المهارات الموسيقيّة للصفّ الرابع الأساسيّ، ليدرك الطلبة أهمّيّة الحفاظ على هذا الموروث الشعبيّ الأصيل.

في الختام، تُعتبر الموروثات الشعبيّة جزءًا من هويّة الأوطان، وثقافتها الراسخة التي تجب المحافظة عليها وإبرازها وتعليمها للناشئة، لدورها الكبير في تنمية الفرد والمجتمع؛ فهي تعزّز هويّته وأصالته وخصوصيّته التي تميّزه عن الآخرين، كما تمنعه من الانغماس والذوبان في ثقافات الشعوب المختلفة، وتعطيه عمقًا تاريخيًّا ضدّ التقليد والاستيراد الأعمى، ما يجعله أكثر استقلالًا واعتزازًا بموروثاته وعاداته وقيمه.

 

المراجع

  • - البحراني عماد بن جاسم (16، مارس،2016)، أناشيد الطفولة مجلة شرق غرب العدد 9 https://sharqgharb.net/anashed-altdfwltt                             
  • - الجابري خلفان بن ناصر(أكتوبر،2020)، القيم التربوية المتضمنة في قصيدة التيمينة في سلطنة عمان، مجلة كلية التربية بالمنصورة، المجلد 112، العدد1 https://maed.journals.ekb.eg/article_180762.html
  • - الشيدي، خميس بن جمعة (20 مارس،2018)، التيمينة فرحة ختم القرآن واحتفال القرى، جريدة عمان  https://6q15.short.gy/vAbnrf