التفكير بصوت مسموع.. آليّة فعّالة لإشراك الطلبة في تعلّمهم
التفكير بصوت مسموع.. آليّة فعّالة لإشراك الطلبة في تعلّمهم
2024/03/24
محمّد تيسير الزعبي | خبير مناهج اللغة العربيّة وأساليب تدريسها، ومصمم برامج تدريبيّة - الأردن

قلق المعلّمين من قلّة قراءة طلبتهم كبير، وكثرة النصائح التي تحثّ الطلبة على القراءة تكاد لا تتوقف، وكمّيّة اللوحات الإرشاديّة والحكم المشهورة المعلّقة في جدران المدرسة وممرّاتها، لم تُفلح بإقناع الطلبة بأن يكونوا قرّاء. تؤكّد هذا الأمر المراكز المتأخّرة التي يحرزها الفرد العربيّ في معدّلات القراءة العالميّة. عزوف الطلبة عن القراءة قد يكون لأنّهم لا يستطيعون القراءة، أو لا يفهمون المقروء بطريقة تجعله يترسّخ في أذهانهم، أو يجذبهم ويثير دافعيّتهم إلى مواصلة هذه العادة الجيّدة، وعدم المعرفة هذا ربّما يكون أحد أهمّ الأسباب لانتشار الدروس الخصوصيّة، وتراجع دور المدرسة في جعل التعلّم حياتيًّا مستمرًّا، ويظهر أثره في كلّ مكان.   

هذه التدوينة تتطرّق إلى استراتيجيّة ستساعد المعلّمين والمعلّمات على منح الطلبة الوقت الكافي ليُسمعوا صوتهم، ويثبتوا أنّهم اكتسبوا التعلّم. وأنّ التغذية الراجعة التي تلقّاها الطلبة من معلّميهم أحدثت أثرًا في مسيرتهم التعليميّة، وفي الجانب الآخر يقلّ دور المعلّم في الحصّة لصالح الطالب الذي سيصبح شريكًا في تعلّمه، ويمتلك أكثر من طريقة ليعبّر عن تعلّمه.

 

معنى التفكير بصوت مسموع

ماذا لو جعل المعلّم طلبته يرونه وهو يفكر أمامهم بصوت مسموع؟

من أهمّ ما يعيق فهم النصوص التي نقرؤها في الكتب أو وسائل التواصل الاجتماعيّ، عدمُ استطاعتنا التوصّل إلى معاني المفردات الجديدة في تلك النصوص، فيصبح عدم معرفتنا لهذه المعاني سببًا في عزوفنا عن القراءة (العيساويّ، 2014). ويمتدّ هذا الأمر في حياة الطلبة عندما لا يستطيعون فهم سؤال الامتحان، أو يخبرون أهلهم أنّهم أنهوا دراسة المادّة المقرّرة للامتحان في زمن قصير، أو يدّعون أنّ القصّة التي انتهوا من قراءتها لم تعجبهم ومملّة.

إنّ إجراء تأمّل عميق في هذه الأعراض التي تبدو على طلبتنا وأبنائنا يقودنا إلى التفكير: هل فهم الطلبة معاني المفردات الواردة في النصّ الذي بين أيديهم؟ ما الذي يؤكّد لي هذا الأمر؟ ولا سيّما أنّ مادّة الامتحان تحتاج إلى وقت أطول من الذي أمضاه الطالب في القراءة، وتلك القصّة مليئة بالأحداث المشوّقة، والقيم الإيجابيّة، والتعبيرات الرائعة، والصور الجميلة، فلماذا لم تعجبه وتُثِر اهتمامه؟

المعلّم الماهر يستطيع التفكير بصوت مسموع أمام طلبته، عندما يعلّمهم كيف يتوصّلون إلى معاني المفردات الجديدة بالنسبة إليهم، فتراه يقرأ النصّ أمامهم من الكتاب، ثم يحدّد الكلمة الجديدة التي لم يفهم معناها، ثم يبيّن لهم كيف أنّه لجأ إلى السياق الذي وردت فيه الكلمة، فيفكّر بالكلمات التي قبلها، والكلمات التي بعدها، وكيف استفاد منهما في اكتشاف معنى الكلمة الجديدة. فلو أراد المعلّم تعليم طلبته التوصّل إلى معنى الأسلاف في عبارة "ليس علينا أن نقلّد آباءنا وأسلافنا بلا رويّة وتفكير، ونعيش كما كانوا يعيشون"، فإنّه يفكّر أمامهم بصوت مسموع: أعرف معنى التقليد، وهو اتّباع الآخرين وفعل ما يفعلون، وأعرف معنى التفكير، وهو التمهّل قبل الفعل أو القول، والجملة تتحدّث عن الماضي الذي حدث، وضرورة التفكير قبل اتّباع الآخرين. وبناءً على هذا، فإنّ الأسلاف هم الذين سبقونا من أصحاب العلم والفضل، وعاشوا قبلنا.

طريقة المعلّم التي سمعها الطلبة ستكون سبيلًا للطالب كي يتعامل مع أيّ مفردة بالطريقة نفسها، ومع أيّ نصّ يقع بين يديه. وتكرار هذه الممارسة في الغرفة الصفّيّة سيرسّخها في أذهان الطلبة. واهتمام المعلّم بها وتطويرها سيدفع الطلبة إلى استخدامها في الموادّ كلّها، وفي مواقع التواصل الاجتماعيّ كذلك.

 

أسمع الطلبة صوتك كي تشركهم في التعلّم

كثير من النظريّات تحثّ المعلّمين على التخلّي عن دور المحاضر أو الملقّن في الغرفة الصفّيّة (أبو خطوة 2018)، وتقدّم كثيرًا من الاستراتيجيّات التي تساعدهم على تحقيق هذه الغاية. ومن المؤكّد أنّ بدء المعلّمين بالتفكير بصوت مسموع أمام الطلبة، هو الخطوة الأولى لإشراكهم في التعلّم، وتحويلهم إلى منتجين للتعلّم. فعندما يعرف الطالب الطريق التي سلكها المعلّم للوصول إلى الحلّ سيتّبعها، وهذا الأمر يخرج من إطار التأصيل النظريّ إلى التطبيق والعمل عندما يقترن بكتابة محدّدة الخطوات، فلو نسي الطالب جزئيّة ما سهل عليه استذكارها بنظرة إلى اللوح، وإذا أراد المعلّم تقديم الدعم للطلبة فإنّه لن يوقف الطلبة الذي استوعبوا نقطة التعلّم التي قدّمها في الحصّة، بل سيتجوّل بهدوء بينهم، ويراقبهم بصمت، حتى إذا ما وجد طالبًا توقّف عن أداء المهمّة، أو ينفّذها بطريقة بعيدة عمّا يريده المعلّم، قدّم إليه الدعم الذي يحتاج إليه بالتحديد. وهنا، لن تذهب جهود المعلّم على أشياء يعرفها الطلبة، بل كان دعم المعلّم مركّزًا على ما يريده الطالب بالتحديد.

 

إدارة صفّيّة فاعلة

التفكير بصوت مسموع لا يقتصر فقط في التوصّل إلى معاني المفردات الجديدة، بل يمكن توظيفه في أيّ نشاط أو مهمّة تعليميّة يريد المعلّم إكسابها لطلبته. ففي حصّة الرياضيّات، يستطيع المعلّم وصف الخطوات التي قام بها لضرب كسرين بصوت مسموع، مرفقًا بخطوات بصريّة على اللوح. وفي حصّة العلوم، فإنّ مبدأ عمل الروافع سيتصوّره الطالب في ذهنه عندما يسمع المعلّم وهو يفكر بآليّة العمل، وسيسهّل على الطالب بعد ذلك تخيّل ما سمعه، وإعادة وصفه فيما لو سئل عن مبدأ عمل ميزان رفع السيّارة في محطّة الغسيل.

ولأنّ الطلبة يروننا أكثر ممّا يستمعون لنا، فإنّ التفكير بصوت مسموع قد يأخذ الشكل الصامت في مواقف محدّدة، فكتابة المعلّم على اللوح بخطّ واضح جميل، وترتيب السبّورة بطريقة منظّمة، يغني عن كثير من التعليمات في هذا المجال. ولا يحتاج المعلّم إلى تخصيص وقت للحديث عن النظافة، عندما يأتي ذكرها في تمرين من تمرينات الكتاب، بل يكفيه رفع أيّ ورقة يجدها في ممرّ المدرسة، أو أثناء تجوّله في الصفّ.

الفرد العربيّ لا يعدّ قارئًا، ودائمًا يكون في المراتب المتأخّرة في معدّلات القراءة العالميّة. تخيّلوا لو أنّ وقت الحصّة يقسّم فعليًّا بين المعلّم وطلبته، بحيث يُخرج المعلّم، أثناء انهماك الطلبة في العمل المستقّل، ولا يحتاجون إلى أيّ دعم من أيّ نوع، لأنّ كلّ شيء واضح في أذهانهم. يخرج كتابًا، ويبدأ القراءة أمام الطلبة، ولأنّ الفروقات الفرديّة بين الطلبة موجودة، فإنّ كلّ طالب يبدأ بتقليد المعلّم، فيخرج كتابه ويبدأ القراءة، وما إن ينتهي الوقت المخصّص لتنفيذ المهمّة حتّى يغلق المعلّم وطلبته كتبهم، ويناقشون المهمّة.   

الوصول إلى هذه المرحلة من إشراك الطلبة في الإدارة الصفّيّة الفاعلة، وكلّ واحد منهم يقرأ ما يحبّه، لن يكون سريعًا، بل يحتاج إلى وقت. وريثما نصل إلى تلك المرحلة، فإنّ المعلّم هنا لم يقدّم تعليمات مباشرة، بل كان يُسمع الطلبة ما يريده منهم، ويمثّله أمامهم، وهذه الطريقة جعلتهم يقتدون به، ويقتنعون بما يقوم به.

 

مجتمعات التعلّم الفاعلة

 فائدة هذا النهج لن تقتصر على الطلبة.

ماذا لو كتب المعلّمون خطط دروسهم مثلما يفكّرون بالتحديد؟ عندما يزور المشرفون التربويّون الغرف الصفّيّة، ويطّلعون على خطط المعلّمين، يجدونها مختصرة، وتكاد تكون الإجراءات التي سيقوم بها المعلّم لتنفيذ نتاجات الحصّة عامّة. فيأتي ردّ المعلّم على استفسار المشرف بهذا الخصوص بأنّهم يفعلون في الحصّة ما لا يستطيعون كتابته، وهذا صحيح، لكن وفق نموذج التفكير بصوت مسموع، ماذا لو كتب المعلّمون خططهم مثلما ينفّذونها في غرفة الصفّ؟ هذا الأمر سيوجد مجتمع تعلّم فاعل في المدرسة، وسيأخذ بيد المعلّم الذي يمتلك مهارات تدريس بسيطة ليطوّر أداءه. ولن يشعر الطلبة بالفرق بين أسلوب معلّم ومعلّم آخر، فجميع المعلّمين يتّبعون النهج نفسه. وهذا الأمر سيجعل عمليّة إدارة مجتمع المدرسة في جميع مرافقها أمرًا أسهل، ويجعل قائد المدرسة أكثر مهارة في رصد جوانب قوّة المعلّمين، ومجالات التحسين في أدائهم.

 

التحدّيات

لن يخلو الأمر من عثرات وتحدّيات، فأن يصبح هذا النهج ممارسة ثابتة في أداء المعلّمين والطلبة على حدّ سواء، سيحتاج إلى وقت. لذلك، يجب على المعلّمين التحلّي بالصبر، والمثابرة على تكرار هذا النهج في حصصهم كلّها، وأن يتّفقوا بينهم أن يظهر هذا النهج في الصفوف كلّها.

 

خاتمة

العاملون في القطاع التعليميّ يتوقون إلى اللحظة التي يصبح فيها الدور الأبرز للطلبة، وأن تكون عمليّة إشراكهم في التعلّم حقيقيّة وإجرائيّة، وليست مجرد شعار، أو مجرد تطبيق عابر في مدد متباعدة. وهذا النموذج في التدريس يجعل الطالب، إضافة إلى إشراكه في تعلّمه، مسؤولًا عنه كذلك، فبمجرد أن يعود إلى ما سمعه المعلّم أو كتبه، فإنّه سيعرف الخلل الذي وقع فيه، ويعمل على تصحيحه بنفسه.

 

المراجع

- أبو خطوة، السيد عبد المولى السيد. (2018). مبادئ تصميم المقرّرات الإلكترونيّة المشتقّة من نظريّات التعلّم وتطبيقاتها التعليميّة. المؤسّسة العربيّة للبحث العلميّ والتنمية البشريّة، (1)، 11-58. https://cutt.us/7Yedb

- العيساويّ، رهيف ناصر، والجماليّ، خمائل شاكر. (2014). نموذج درايفر والنظرية البنائيّة. مجلّة العلوم التربويّة والنفسيّة، (110)، 360 – 335. https://cutt.us/IkhEd