التحفيز الإيجابيّ: أداة لبناء الدافعيّة للتعلّم
التحفيز الإيجابيّ: أداة لبناء الدافعيّة للتعلّم
2022/09/17
طارق محمّد | معلّم مرحلة ابتدائيّة- الأردن/ قطر

إنّ جوهر العملية التعليمية تمكينُ المتعلم من اكتساب المهارات اللّازمة والمعارف المفيدة ليصبح متعلّمًا مدى الحياة، ذا دافعيّة ذاتيّة نحو التعلّم والحرص على تطوير شخصيّته وقدراته. وحتى نصل إلى ذلك، لا بدّ لنا، كمعلّمين وأولياء أمور، من أن نسعى إلى أن يتّصف أبناؤنا بملامح وسمات تؤهّلهم لأن يكونوا كذلك.

 

أثر الكلمات الإيجابيّة في تحفيز الدافعيّة للتعلّم

يؤكّد علماء الصحّة النفسيّة أنّ لسماع التلميذ العبارات المكرّرة من معلّميهم أو أولياء أمورهم، سواء كانت إيجابيّة أو سلبيّة، أثرًا كبيرًا في النفس، يطال دافعيّة المتعلّم للتعلّم والإبداع صعودًا وهبوطًا. لذا، يحرص المربّون على استخدام الكلمات والعبارات التي من شأنها أن تشجّع الطفل على حبّ ذاته وتقديرها، وتحفزّه نحو التعلّم والمضي قدمًا بإيجابيّة وانسجام. 

 

لا تبالغ في الثناء، بل عليك بالانتقاء

ومع الأخذ بما سبق وأهمّيته في نمو الطفل وصحّته، إلّا أنه لا بدّ من الحرص على انتقاء الكلمات والعبارات التحفيزيّة للتلاميذ؛ فكلّما كانت الكلمات والعبارات الإيجابيّة تحملُ معاني ذات اتّصال مباشر بعملية التعلّم أثناء مشاركة الطالب إنجازاته، كان لها وقع إيجابيّ ملموس على المتعلّم، ولا سيّما إذا كانت عبارة التحفيز تعكس فعل المتعلّم المستحقِّ لهذا الإطراء. "فعندما يُولي، المعلّم، انتباهًا مدروسًا لعمل التلميذ، فإن ذلك يبيّن مدى احترامه له واهتمامه به. فبدل أن يقول "أحسنت عملًا"، عليه أن يقول السبب الذي يجعل هذا العمل حسنًا". ("قبول التنوّع: مجموعة أدوات تتيح تهيئة بيئات جامعة صديقة للتعلّم").

كما أنّ بعد عبارات التحفيز عن أداء المتعلّم، أو استخدامها بشكل مبالغ فيه، يُفقِدانها بريقها وأثرها في نفسيّته؛ ففي الحالة الأولى، تقول للمتعلّم مثلًا: أنت رائع وجميل، من دون التركيز على أدائه، فيصبح التحفيز لشخصه لا للأداء، ما قد يصيب الطالب بالغرور، أو يبعده مع الوقت عن تقبّل للنقد. وفي الحالة الثانية، المبالغة، قد تقول للطالب: أحسنت عملًا، وكان أداؤك مميّزًا. فيظنّ الطالب، بسبب ما يسمعه من هذه التعابير المبالغ فيها، أنّ عمله كامل لا غبار عليه، فيتوقّف عن الاستمرار في الاجتهاد والسعي نحو التطوير والتحسين، ما قد يضعف الأمر المنشود من التحفيز. ويؤكّد تيم إلمور على هذا الأمر بقوله: " منذ نحو ثلاثين عامًا، سمعت أن الآباء والمعلّمين يستخدمون التحفيز الحرّ مع الطلاب، آملين أن يؤدّي ذلك إلى زيادة ثقتهم بنفسهم واحترامهم لذاتهم. قلنا أشياء من مثل: أنت مميّز، أنت طفل ذكيّ، أنت جميل، عمل رائع. كان لجميع هذه العبارات، رغم أنها تبدو إيجابيّة تمامًا، تأثيرٌ عدائيّ على الأطفال. عند تكرار هذا الكلام، يمكن للطلاب استنتاج الاستنتاجات الخاطئة والبدء في تخريب تطوّرهم".

 

أثر استخدام ملامح متعلّم البكالوريا الدوليّة ككلمات تحفيزيّة

خلال تجربتي التعليميّة لطلبة مرحلة السنوات الابتدائيّة، وفي فصول متعدّدة وأعمار متفاوتة، وجدتُ أنّ استبدال عبارات الثناء والتحفيز التي اعتاد الطلبة على سماعها، مثل أنت ممتاز وأنت رائعة، وعملك جميل وأحسنتِ، بملامح المتعلّمين العشرة لبرامج البكالوريا الدوليّة (مطّلعون، متأمّلون، متوازنون، مفكّرون، ذوو مبادئ، متواصلون، مجازفون، متسائلون، مهتمّون، ومنفتحو العقل)، ما يحفّز الطالب بشكل أكبر، وينمّي لديه الدافعيّة الذاتية للتعلّم؛ فكل ملمح منها يحمل معاني عميقة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بتعلّمهم واختياراتهم وأدائهم في المدرسة وخارجها. وبرأيي، عندما يتساءل تلميذ حول قضيّة ما، سواء بتدوين السؤال أو عرضه شفهيًّا أمام الفصل، ثم يقوم المعلّم بتعزيزه والثناء عليه بقوله: لقد كنت اليوم متسائلًا عندما طرحت تساؤلًا مهمًا حول قضيّة ما، فإن ذلك ينعكس إيجابًا على نفسيّة الطالب، ويرفع من دافعيّته الذاتيّة نحو الاستمرار في التساؤل والبحث لمعرفة المزيد. والأمر ذاته عند تفاعل الطالب في مجموعته لإنجاز مشروع ما، فإنّ تحفيزه علنًا أمام زملائه بكونه "متواصلًا" و"مهتمًّا" يزيد لدافعيّته نحو مشاركة الآخرين ما تعلّمه والاستفادة من أقرانه وتقبّل آرائهم، والاهتمام بهم. فضلًا عن ذلك، فإنّ استخدام المعلّمين، ابتداء من مرحلة السنوات المبكّرة فصاعدًا، لهذه الملامح العشرة ومشتقّاتها، يثري المخزون اللغويّ للطالب ويزيد من مهارة التعبير لديه، ويحسّن من إدراكه لدلالات الألفاظ والمعاني التي تحملها هذه الملامح.

 

الدافعيّة الذاتيّة للتعلّم هي من الموضوعات المهمّة التي يسعى المعلّمون لتحقيقها في المتعلّم. والتأثير القويّ للكلمة في بناء الدافعيّة للتعلّم، يستوقفنا لنفكّر ونتأمّل في أساليب تحفيز طلبتنا بشكل إيجابيّ نحو التعلّم.