إعداد المعلّم: التعليم البنائيّ والنظريّة البنائيّة في تطوير التعليم
إعداد المعلّم: التعليم البنائيّ والنظريّة البنائيّة في تطوير التعليم

تعدّ العمليّة التعليميّة من المنظور البنائيّ عمليّة شخصيّة وتأمليّة وتحويليّة يتكامل فيها الفِكَر والخبرات ووجهات النظر، وبذلك تنمو المعارف والخبرات الجديدة. وتكمن الأهمّيّة العمليّة للنظريّة البنائيّة في أنّ المتعلّم ينبي بنفسه المعرفة، ويمتلك حلول المشكلات، فتصبح هذه المعرفة جزءًا أصيلًا لديه. لذا، يكمن إعداد المعلّم في ضوء هذه النظريّة في تدريبه على جعل الطالب محور العمليّة التعليميّة، ومنحه الثقة في بناء المعرفة بنفسه، وتنمية مهاراته لحلّ المشكلات التي تواجهه. وهناك عدّة مبادئ للنظريّة البنائيّة في إعداد المعلّم تتمثّل في ما يلي:

 

المبدأ الأول: ارتباط التعليم بحاجات الطلّاب واهتماماتهم 

يكمن مبدأ البنائيّة الأوّل لإعداد المعلّم في تدريبه على كيفيّة تقديمه قضايا تهمّ طلّابه، وتناسب حاجاتهم، وتثير تساؤلًا مهمًّا، يجب على المعلّم الإجابة عليه إجابةً عمليّة: هل يدرس الطالب ما يناسب حاجاته في الحاضر أم في المستقبل؟ يتطلّب حلّ هذه الإشكاليّة من المعلّم أن يتمتّع بمهارات المرونة والخيال، حيث يساعد على التوصّل إلى المحتوى والأسلوب الذي يناسب حاجات المتعلّم الحاضرة، والذي يعدّ نواة يُبنى عليها لتساعده وتناسب حاجاته في المستقبل. ومن هنا، يجب أن تتضمّن برامجُ إعداد المعلّم تدريبَه على تصميم مهمّات التعلّم، بما يسمح للطالب بالتأمّل والخيال وتعدّد الرؤى، واختبار مصداقيّة ما يتعلّمه. وتوظيف الآليّات التي تساعده على فهم العلاقة بين ما يدرسه وعالمه الفعليّ. 

 

المبدأ الثاني: بناء المقرّرات حول مفاهيم أساسيّة كلّيّة

حين تقدَّم المفاهيم الكلّيّة يصل المتعلّم إلى المعنى من تحليلها إلى جزئيّات، وأثناء التحليل يدرك المتعلّم العلاقة بين المفهوم الكلّيّ الذي بدأ منه، والجزئيّات التي توصّل إليها بالتحليل. يتكوّن في هذا التحليل خلق بناء جديد، وفهم جديد للمفهوم الكلّيّ والجزئيّات. لذلك، يجب، عند إعداد المعلّم، أن يتدرّب على البعد عن تقديم جزئيّات منفصلة، لأنّه يجد صعوبة في إدراكها إدراكًا كلّيًّا؛ بل ينصبّ تدريبه على تقديم المفهومات تقديمًا كلّيًّا، حتّى يصل المتعلّم إلى المعنى من تحليلها إلى جزئيّات.

 

المبدأ الثالث: تشجيع الطلّاب على التعبير عن آرائهم

يعدّ تدريب المعلّم على فهم رؤية الطالب نفسَه وعالمَه مبدأً أساسيًّا في إعداده، في النظريّة البنائيّة، حيث لا تنفصل الخبرات الجديدة عن الخبرات القائمة. ويوظِّف التعلّم البنائيّ هذا الفهم في إثارة دافعيّة الطلّاب للتعلّم، وفي تصميمه المهمّات التعليميّة، وبدون هذا الفهم يحوّل المعلّم الطلّاب إلى كتلة واحدة، أو قالب واحد، سواءٌ في تدريسه مادّته أو توقّعاته أدائهم. الأمر الذي يحرم الكثيرين منهم من فرص التميّز، وقد يعرّض الكثير منهم لمخاطر صعوبات التعلّم أو التخلّف الدراسيّ، حيث يتفاوت الطلّاب في قدرتهم على تواؤم النموذج الواحد الذي يفرضه المعلّم.

 

المبدأ الرابع: تطويع المقرّر لإمكانات الطلّاب العقليّة والوجدانيّة والاجتماعيّة 

تنشَّط عمليّات التعليم والتعلّم حين تتلاءم متطلّبات النجاح في المقرّر التعليميّ مع إمكانات الطلّاب، وهذا يعني وجود علاقة بين متطلّبات المقرّر وما يحمله الطالب من خبرات واستعدادات. لذلك، يعني هذا المبدأ تدريب المعلّم على تحمّل المسؤوليّة عن تطويع المقرّر وفق حاجات طلّابه، حيث يخاطب ما لديهم من خبرات، واتّجاهات، وتوقّعات. فإن أخفق المعلّم في تحقيق هذا المبدأ، فقد أفرغ المقرّر من معناه بالنسبة لطلّابه، وحوّله إلى عبء ثقيل. لذا، لزم أن تتضمّن برامج إعداد المعلمّ هذا المبدأ المهمّ.

 

المبدأ الخامس: دمج قياس التعلّم داخل عمليّة التدريس

يعدّ القياس التربويّ عنصرًا أساسيًّا في عمليّة التعليم والتعلّم، ويرى بعضهم أنّ القياس مدخل لإصلاح التعليم وهذا صحيح. ولكن، أيّ قياس؟ إذا استبعدنا بعض الاجتهادات الفرديّة، أو بعض التجديد، فنجد أنّ القياس يأتي بعد انتهاء المعلّم والمتعلّم من وحدة تعليميّة أو أكثر، بهدف الاطمئنان إلى أنّ الطالب قادر على اختيار الإجابات الصحيحة التي تضمن له النجاح. وفي هذه الحالة، يتراجع التفكير بكلّ صوره، وتصبح المعلومة الجاهزة الهدف الأعلى للمعلّم والمتعلّم، وهذا يتناقض مع البنائيّة التي توجّه عمليّة التعليم والتعلّم لتعديل البناء المعرفيّ للطلّاب وتطويره؛ بالتفاعل مع الخبرات التعليميّة الجديدة. 

 

 

صبري، عبد العظيم، وتوفيق، رضا. (2017). إعداد المعلم في ضوء تجارب بعض الدول. المجموعة العربية للتدريب والنشر. ص. 14-17.