أهمّيّة الإذاعة المدرسيّة في تنمية شخصيّة الطالب
أهمّيّة الإذاعة المدرسيّة في تنمية شخصيّة الطالب
2022/04/24
مجد مالك خضر | كاتب ومدوّن- الأُردن

تجمعُ بيئة التعلّم في المدرسة بين المنهاج الدراسيّ والمحتوى التعليميّ والأنشطة المنهجيّة واللامنهجيّة، وعبرها تُمكّنُ الطالب من تنمية شخصيته، وتساعدهُ على إظهار مهاراته المتنوّعة، سواء في المجالات التعليميّة الأكاديميّة أو المهنيّة العمليّة. من هنا تُشكّلُ المدرسة المكان الثاني، الذي يدعم الطالب، ويُقدّمُ له المساعدة اللازمة، بعد المنزل، الذي يُشاركُ في بناء الأسس الأولى لشخصيّته؛ من خلال التربية المنزليّة المبنية على تعزيز المهارات المكتسبة من محيطه العائليّ، ودعمه نحو الاهتمام بتنمية مهاراته ومواهبه، وهكذا تُمثّلُ التشاركيّة بين المنزل والمدرسة، أساسًا من أساسات النموّ الشخصيّ، والتنمية الذاتيّة لكلّ طالب.

وأرى أن العلاقة القائمة بين المنزل والمدرسة ليست فقط ذات بُعدٍ أكاديميّ بحت؛ أي أنها مرتبطة بمتابعة دراسة الطالب، ورصد علاماته، وتوجيهه نحو تحسينها في حال تقصيره، أو حتّى توبيخه إذا أخطأ في تصرف ما أو لم يحقق النتائج المرجوة، بل لهذه العلاقة أبعاد أخرى أكثر شمولًا، كالاطلاع على رغباته الشخصيّة، والمشاركة في رفدها بكل ما يلزم لتطويرها؛ عن طريق عددٍ من الأنشطة والفعاليات الداعمة لذلك، لعلّ من أهمّها الإذاعة المدرسيّة، المنبر الطلابيّ اليوميّ، الذي يُشاركُ فيه طلاب المدرسة بتقديم مجموعة من الفقرات، والمشاركات المتنوّعة، والتي تعدّ جميعها حافزًا من الحوافز الداعمة لتنمية شخصيّة الطالب، ومساعدته على الإنجاز والإبداع.

 

الإذاعة المدرسيّة: أدبيّات وماهيّة

عندما بحثتُ في الأدبيات التربويّة والتعليميّة، وأيضًا المتخصّصة بالإعلام والإذاعة، لم أجد إشارةً إلى التاريخ أو الوقت الذي ظهرت فيه فكرة الإذاعة المدرسيّة، وجميع ما وجدته أشار إلى الإذاعة المدرسيّة على أنها مجموعة من الفقرات الصباحيّة، التي ترافق بداية اليوم الدراسيّ، وتبدأ مع دوام الطلاب في المدرسة، ويُخصص لها جزءٌ من الطابور الصباحيّ، حيث يتحدّثُ فيها أحيانًا مدير المدرسة، لنصح الطلاب أو توجيههم، وقد تحتوي على إعلانات حول تنفيذ مسابقات أو نشاطات في المدرسة، كما يُقدّمُ فريق الإذاعة من الطلاب فقرات تشملُ غالبًا، تلاوة آيات من القرآن الكريم، ومعلومات ضمن فقرة لها عنوان تقليديّ هو "هل تعلم؟"، مع حكمٍ بسيطة، وفقرات متنوّعة أخرى.

وأيضًا، قد يُنظّمُ المعلمُ المسؤول عن الإذاعة المدرسيّة برنامجًا إذاعيًّا، لا يقتصرُ فقط على طلاب فريق إذاعة المدرسة، بل يشملُ جميع صفوف المدرسة؛ إذ تنتقلُ مهمّة تقديم الإذاعة الصباحيّة بينهم بتسلسل يتم ترتيبه مع مربّي الصفوف، والهدف منه، دعم مشاركة جميع طلاب المدرسة في الإذاعة، وتقديم أفكار فريدة من نوعها في البرامج الإذاعيّة، ما يعزّز من المنافسة الإيجابيّة بين الطلاب في تقديم برنامج إذاعيّ احترافيّ، مع وجود تقدير وتحفيز من إدارة المدرسة، وهكذا برأيي باتت الإذاعة المدرسيّة جزءًا من الأنشطة التفاعليّة، التي واكبت التطوّرات المؤثّرة في بيئة التعلّم المدرسيّ، واستمرت، كأحد أهم العناصر الداعمة للتعليم على المدى البعيد.

 

أنماط الإذاعة المدرسيّة

من خلال عملي في التعليم، وانتقالي بين مجموعة من المدارس، واستلامي في إحداها مسؤولية متابعة الإذاعة المدرسيّة، وجدتُ أنها تواكبُ أنماطًا مختلفة، ويعود ذلك لعدد من الأسباب، مثل البنية التحتيّة في المدرسة، وتوفّر الموارد الداعمة للعمل الإذاعيّ، ونسبة الطلاب المشاركين بالفاعليّات والفقرات الإذاعيّة، ومن هذا المنطلق تبلور لديّ نمطين، التي تظهرُ فيهما الإذاعة المدرسيّة، هما النمط التقليديّ والنمط التفاعليّ.

 

يظهر النمط التقليديّ من خلال تنفيذ البرنامج الإذاعيّ بطريقة تقليديّة، وتشملُ فقرات ثابتة، ومتكرّرة يوميًّا، وعادةً يُصيبها الروتين المملّ، والناتج عن التكرار النمطيّ في أسلوب تقديم الإذاعة، مع افتقارها لوجود أدوات إذاعيّة حديثة، وتكون هذه الإذاعة قصيرة في مدّتها الزمنيّة، فلا تشملُ في أغلب الأيّام تنوّعًا في الفقرات، والهدف منها، الإعلان فقط عن بداية اليوم الدراسيّ، وقد عزّز انتشار جائحة كورونا، والبروتوكول الصحّيّ المُطبّق في كثيرٍ من المدارس، وجود هذا النّمط الإذاعيّ، والذي استخدمت كلمة رشيق للإشارة إليه، فتضمّنت المعايير الصحّيّة للعودة المدرسيّة الآمنة، على إذاعة قصيرة ومختصرة؛ ذلك تلافيًا لترك الطلاب واقفين أثناء الطابور مدّة زمنية طويلة، بهدف تحقيق التباعد الاجتماعيّ المطلوب.

أما النمط التفاعليّ، فهو الذي ساد مع تطوّر البنية التحتيّة لدى المدارس، فلم تبقَ فيه الإذاعة المدرسيّة مقتصرة على الفقرات التقليديّة أو الاعتياديّة، بل باتت أكثر شمولًا، سواء من ناحية برنامجها أو الأدوات الموظّفة فيها، إذ صار استخدام جهاز الحاسوب المرتبط مع جهاز الإذاعة المدرسيّة، من الوسائل الداعمة للبرنامج الإذاعيّ في المدرسة، فوفّر إمكانية الاستفادة من الوسائط المتنوّعة، من فيديوهات ومقاطع صوتيّة رافدة للإذاعة، كما بات من الممكن ربط البرنامج الإذاعيّ مع وسائل التواصل الاجتماعيّ للمدرسة، عن طريق تصويره أو استخدام البثّ المباشر، وأيضًا خرجت الإذاعة من قالب النمطيّة في المكان؛ أي أن تُختزل بغرفة الإذاعة وحدها، بل صار من الممكن تنفيذها في أكثر من مكان، مع استخدام ميكروفون متنقّل، ما أعطى إمكانيّة أفضل لحركة الطلاب، وأتاح الفرصة أمامهم لتقديم محتوى إذاعيّ تفاعليّ.

 

أهمّيّة الإذاعة المدرسيّة في تنمية شخصيّة الطالب

من واقع تجربتي في العمل التعليميّ، توصلتُ إلى أن أهمّيّة الإذاعة المدرسيّة في تنمية شخصيّة الطالب، تظهرُ في أنها من أوّل الأنشطة العقليّة والفكريّة الشاملة لعددٍ من المهارات، التي تُساعدُ كل طالب في التعبير عن رغباته وآرائه، كما أنها تُشاركُ في تعديل سلوك الطلاب، تحديدًا أصحاب الشخصيّات الخجولة، من خلال تحفيزهم وتشجيعهم على المشاركة، فكم من طالب كان يخجلُ من الوقوف أمام زملائه في الصفّ، ويرفضُ بتاتًا المشاركة في الإذاعة، ولكن بعد تكرار مشاركته صار ذا شخصيّةٍ قويّة، وقادرًا على التحدّث بطلاقة مع الآخرين، وأيضًا توفّر الإذاعة المدرسيّة عنصرًا من عناصر الدمج لدى جميع الطلاب، إذ إنها تراعي مشاركة الطالب من ذوي الاحتياجات الخاصّة، وتمنحهُ القدرة على تقديم موهبته، ومساواته مع الطلاب الآخرين في المدرسة.

ويؤدي التكريم المستمر من إدارة المدرسة للطلاب المشاركين في الإذاعة، والإشادة بجهدهم في تنفيذ البرنامج الإذاعيّ، إلى تعزيزهم على المشاركة الدائمة، وينعكسُ ذلك على شخصيّاتهم بإيجابيّة، فالاهتمام الذي يظهره أعضاء الهيئة الإداريّة والتعليميّة بطلاب الإذاعة، عندما يستمعون إلى الفقرات التي يقدّمونها، تجعلهم يدركون بأنهم قادرين على العطاء والإنجاز، وأيضًا عندما يهتمّ أحد المعلّمين في المشاركة في تقديم فقرة خلال البرنامج الإذاعيّ، سواء من خلال إلقاء كلمة أو معلومة، عندها سوف يشعر الطلاب بأنهم شركاء مع المعلّمين في البيئة التعليميّة، والذي ينعكسُ على شخصيّاتهم، ويجعلهم يرغبون بتقديم الأفضل دائمًا لمدرستهم.

 

من هُنا، أرى أن للإذاعة المدرسيّة دور لا يمكن نكرانه أو تجاهله في تنمية شخصية الطالب، تربويًّا وسلوكيًّا ومعرفيًّا وثقافيًّا، ومنحها هذا الشيء أهمّيّة كبيرة، لأنها الوسيلة الإعلامية الأولى في كل مدرسة، والتي تُعلَنُ من خلالها الأخبار والمعلومات المدرسيّة والتربويّة، كما لديها أثرٌ واضحٌ في أفكار وشخصيّات الطلاب، وذلك، لتنوّع برامجها المبنية على التأثيرات الصوتيّة، والكلمات المسموعة، تعدّ الشريك الموجّه لجميع الطلاب، بالتعاون مع المعلّمين، الذين يترتبُ عليهم تعزيز كل طالب على إظهار قدراتهِ ومواهبهِ في مختلف الأنشطة التربويّة، وأهمّها الإذاعة المدرسيّة.