أدب الأطفال: القصّة رافعة لتحفيز النموّ العاطفيّ والاجتماعيّ والذهنيّ عند الأطفال
أدب الأطفال: القصّة رافعة لتحفيز النموّ العاطفيّ والاجتماعيّ والذهنيّ عند الأطفال

جاءت ندوة منهجيّات لشهر تشرين أوّل/أكتوبر 2021 بعنوان "أدب الأطفال: القصّة رافعة لتحفيز النموّ العاطفيّ والاجتماعيّ والذهنيّ عند الأطفال"، حاورت فيها الأستاذة سيرسا قورشة، اختصاصيّة طفولة إرشاد والديّ، كلّ من: الأستاذة فاطمة شرف الدّين، كاتبة ومُترجمة ومُحرّرة متخصّصة في أدب الأطفال والناشئة من لبنان، والأستاذة رنا منصور عودة، اختصاصيّة نفسيّة علاجيّة للأطفال والبالغين من فلسطين، حول ثلاثة محاور: الأوّل: فوائد أدب الأطفال في مراحل تطوّر الطفل العاطفيّ والاجتماعيّ والذهنيّ، والثّاني: عناصر القصّة، والثالث: استخدام الكتاب كوسيط في التطوّر العاطفيّ والاجتماعيّ والذهنيّ للطفل.

استهلّت قورشة النّدوة باقتباس للكاتبة السويديّة أستريد ليندغرين: "طفولة بدون كتب لن تكون طفولة"، مُعبّرة عن أهمّية أدب الأطفال كموضوعٍ هامّ لما يمثّل من فرصة للتفاعل مع القصّة وتطوير الآراء الشخصيّة تجاهها، ولما يلعب من دور تشجيعيّ للأطفال على تعميق أفكارهم ووعيهم العاطفيّ وتحفيز خيالهم.

 

فوائد أدب الأطفال في مراحل تطوّر الطفل

مهدّت ميسّرة النّقاش قورشة لهذا المحور عبر التّأكيد على أنّ وصول الأطفال جميع أنواع الأدب يعدُّ أمرًا فارقًا لنجاحهم في الحياة، من خلال التّركيز على أنّ قيمة القراءة غير مربوطة فقط بالنجاح الأكاديميّ أو المدرسيّ فقط، والتركيز، كذلك، على أنّ القراءة والقصص من أهمّ طُرق التّواصل وإثراء النقاشات والمحادثات بما يعزّز فهم الطفل للعالم من حوله.

وبدأت شرف الدين حديثها بأهمّيّة اعتبار ذهن الطفل ذهنًا مرنًا وقابلًا لامتصاص المعرفة، ومن هُنا، أكّدت على البيئة حول الطفل عليها أن تكون غنيّة، وعلى الكتاب أن يكون أساسًا في هذه البيئة المُحيطة وموجود دائمًا لتفتّح ذهن الطّفل. وعرّجت على أهمّيّة القراءة للطفل بطريقةٍ مصحوبة بالعاطفة ما سيقوّي الروابط العاطفيّة بين الأهل والطفل، وما يجعل عمليّة القراءة عمليّة مُرافَقة بكمّ من مشاعر الحُبّ والأمان والقبول والاهتمام، وقدّمت فكرة القراءة للطّفل بكونها عمليّة تُنمّي قدرته على الإصغاء وعلى التركيز، ذلك عدا عن التطوّر المعرفيّ والتعلّم الذاتيّ غير المُباشر، والتطوّر اللغويّ الذي يُكسبه مفردات جديدة، ما يُمكّنه من التعبير بشكلٍ أوفى عن مشاعره وأفكاره.

وضمن المحور ذاته، استهلّت عودة الحديث حول الوعي الجمعيّ المُتشكّل لفوائد القراءة المسموعة للأطفال في مرحلة الطفولة المبكّرة، والذي تطوّر وتشكّل مع الأبحاث التي ركّزت على هذا المجال، وبيّنت أن الفوائد كثيرة فعلًا، خصوصًا وأنّ الكتاب يلعب، في كثير من الأحيان، دورًا مهمًّا بتثقيف الطفل عاطفيًّا واجتماعيًّا، فهو بذلك أداة مهمّة ومنوّعة ومُختلفة تفتح مساحات واسعة أمام الطفل.

وتطرّقت إلى الفوائد الاجتماعيّة لأدب الطفل، لما يفتح من مساحات على مجموعة من القيم التي نودّ نقاشها مع للأطفال، ناهيك عن الفوائد الذهنيّة، ذلك بالإضافة إلى مضامين مُختلفة وتمارين مُختلفة يمكن للطفل تطويرها من خلال القراءة أو الاستماع إلى القصص.

 

عناصر القصّة

أكّدت شرف الدين في هذا المحور على المسؤوليّة التي تقع على عاتق الكاتب حول كيفيّة معالجة موضوع معيّن، فليس من الضروريّ أن تكون كلّ القصص ورديّة، لأنّ الطفل يعيش ظروف صعبة أحيانًا، ومن هُنا تطرّقت حول أهمّية تثقيف الكتّاب لذواتهم جيّدًا نفسيًّا وعاطفيًّا قبل الكتابة حول موضوع مُعيّن، أخذًا بعين الاعتبار أنّ فهم عواطف ومشاعر شخوص القصّة سيساعد الطفل على فهم مشاعره وفهم العلاقات الاجتماعيّة بمركّباتها ويُساعده على التّعامل مع موضوعات حسّاسة ومُركّبة، مثل الفقدان أو الاشتياق أو الصّدمات، وكذلك، يُنمّي خيال الطفل، كلّ ذلك من خلال تكوين عوالم موازية أساسها الخيال والإبداع.

وتحدّثت شرف الدين كذلك عن أهمّيّة الابتعاد عن التلقين المُباشر واستخدام الترميز أحيانًا، كما أكّدت على ضرورة الانتباه لأسلوب القصّة ورسوماتها، بما يُنمّي الحسّ الفنّيّ والأدبيّ من خلال عناصر يجب توفّرها في الكتاب، مثل جملة موسيقيّة، وخفّة، وأسلوب مشوّق، وحبكة ذكيّة.

أمّا عودة فتناولت هذا المحور من جانبٍ مضامينيّ مُتعلّق بالتأثيرات النفسيّة المُفيدة النّاتجة عن القراءة، بحيث تمثّل القصّة عاملًا مهمًّا لتحقيق التوازن النفسيّ عند الطّفل، ناهيك عن مساعدته على التفريغ وفهم ذاته، كون الكتاب يلعب دورًا فارقًا في حياة الطفل اليوميّة.

وتحدّثت عن الكتب الجيّدة والتي هي الكتب التي تفتح الباب أمام التفكير والخيال الواسع، دون ضرورة لوجود نهاية حاسمة، إنّما نهاية تدعو للتفكير الجديد والغريب مع إعطاء شرعيّة للأفكار الصّادرة من الطفل، فهذا يشجّع الطفل على تنمية وتطوير الخيال، وإعطائه أمانًا عاطفيًّا.

وهُنا داخلت قورشة حول قوّة القصص لتبسيط المواضيع المعقّدة من خلال مشاهد وكلمات واضحة وبسيطة ومؤثّرة، والتي إن كانت مكتوبة ومحبوكة جيّدًا ستُحقّق تأثيرًا يُلمس من خلال مواجهة الأطفال لمواقف صعبة في حياتهم.

 

الكتاب وسيطًا في التطوّر العاطفيّ والاجتماعيّ والذهنيّ للطفل

تحدّثت عودة ضمن هذا المحور حول أهمّيّة القصّة كأداة متوفّرة علينا الاستعانة بها، وتوظيفها لمصلحة الأطفال وصحّتهم النفسيّة وتطوّرهم العاطفيّ والذهنيّ، وأشارت إلى ضرورة اختبار القصّة قبل تقديمها للطفل، فمن المهم أن يتفاعل الكبار مع هذه القصّة وفهم عوالمهم جيّدًا قبل تقديمها وقراءتها للطفل.

كما ركّزت على أهمّيّة أن تكون القصّة مُمتعة، فتُشكّل، بالتّالي، أساسًا لعمليّة التعلّم، إذ عندما يشعر الطفل بأنّ القصّة لمست جزءًا منهُ يتماهى معها ويضع نفسه في ظروف شخصيّاتها، وهُنا تحدث عمليّة التعلّم بشكلٍ غير مباشر وغير تلقينيّ. وأكّدت على أهمّيّة طرح أسئلة كأداة مُحفّزة لهذا الوسيط؛ القصّة، ما يدفع الطفل للاندماج مع القصّة والذهاب نحو نهايات وخطوط تفكير مختلفة، عبر قيام الأهل بوقفات تأمّليّة للطفل، وإعطاء شرعيّة ومصداقيّة لأفكاره المُدهشة والغريبة والجديدة.

هُنا، أكّدت شرف الدين على كون القصّة مرجعًا وسيطًا بين للطفل وذاته، تسمح له باستكشاف عالمه الداخليّ، وعلاقاته مع الآخر، ما يدفع به لاستيعاب محيطه بشكلٍ أفضل، فيقوم بتوظيف القصّة للتعبير عن ذاته، ويستخدمها في حياته اليوميّة عبر اقتباس مواقف أو شواهد منها.

وتحدّثت حول تشجيع التفكير النّقديّ بما يشكّل أساسًا لفتح باب الخيال والتفكير، ويوسّع مساحات الوعي العاطفيّ المؤدّي إلى اندماج الاستيعاب الذهنيّ مع العاطفيّ والاجتماعيّ.