هل هذه الدورة التدريبيّة معتمدة للترقية الوظيفيّة؟
هل هذه الدورة التدريبيّة معتمدة للترقية الوظيفيّة؟
2023/03/05
محمّد تيسير الزعبي | خبير مناهج اللغة العربيّة وأساليب تدريسها، ومصمم برامج تدريبيّة - الأردن

الفكرة العميقة التي طرحها علي عزّ الدين في تدوينتهِ الأخيرة في منهجيّات، بعنوان "هل من شهادة حضور؟" دفعتني إلى التأمُّل طويلًا عند جانب آخر متعلّق بالدورات التدريبيّة المقدّمة للمعلّمين والمعلّمات، وهو: هل الدورة معتمدة لغايات الحصول على ترقية وظيفيّة؟

 

نؤمن جميعًا بأنّ من حقّ الموظف، في أيّ مكان، الحصول على الترقية، وأن يصعد درجات السلّم الوظيفيّ، وأن تعود سنوات الخدمة عليه بتغيُّر في وصفه الوظيفيّ وتحسّن دخله. لكنّنا نؤمن، كذلك، بأنّ هذه الترقية يجب أن تكون حقيقيّة ومستحقّة، ومرتبطة بإنجاز نوعيّ، وأن يظهر أثرها في نتائج الطلبة وأداء المعلّم على حدٍّ سواء؛ فالهدف تعميقُ خبرات المعلّمين ومهاراتهم في التعامل مع التحدّيات الطارئة في الغرف الصفّيّة، وليس الاكتفاء بمراكمة سنوات من الخدمة العمليّة التي تكون أقرب إلى سنة عمل واحدة مكرّرة بنسخ عديدة.

كثير من النظم التعليميّة في بلادنا العربيّة تربط الترقية الوظيفيّة بسنوات الخدمة، فكلّما زادت سنوات عمل المعلّم في التدريس زادت درجته، وإذا استعجل المعلّم الترفيع إلى الدرجة الأعلى، فإنّه قد يلجأ إلى الحصول على مؤهّل علميّ. وفي السنوات الأخيرة، باتت الدورات التدريبيّة بابًا آخر يدخل منه المعلّمون والمعلّمات للحصول على ترقية وظيفيّة، وبات المدرّبون والجهات المشرفة على تقديم تلك الدورات يسمعون العبارة: هل الدورة معتمدة للحصول على ترقية؟ وأصبحت النظم التعليميّة تصنّف الدورات وتلائمها لغايات ترقيات المعلّمين.

 

لا أريد الخوض في نقاش نظريّ متكرّر حول أهمّيّة التطوّر الذاتيّ للمعلّم، وضرورة أن يحرص المعلّمون والمعلّمات على تطوير أدائهم في الغرف الصفّيّة. فهذا، باعتقادي، أمر جوهريّ في مسيرة المعلّم لا ينبغي أن يسمع فيه نصيحة أو توجيهًا، بل المفترض أن يكون سلوكًا أصيلًا في ممارساته. وإذا كانت تدوينة علي عزّ الدين وجّهت المعلّمين والمعلّمات إلى البحث في الجوانب التطبيقيّة للورش التدريبيّة التي يحضرونها، ودعت المسؤولين وقادة المدارس إلى الاهتمام بهذا الجانب عند رؤية شهادة حصل عليها المعلّم، فإنّني أدعو النظم التربويّة، والقائمين على وضع معايير حصول المعلّمين والمعلّمات على الترقية الوظيفيّة، إلى إعادة النظر بأسس الترقيات. وأفكّر بالمعايير الآتية:

  • - من الضروريّ ربط ترقية المعلّم بنتائج طلبته، وهنا لا أقصد النتائج الرقميّة فقط (معدّلات الطلبة العالية) بل المستوى المهاريّ؛ فأيّ تعلّم لا يصل إلى مستوى المهارة لا يعوّل عليه. ودور المعلّمين والمعلّمات في إكساب طلبتهم المهارات الضروريّة واللازمة ليكونوا أفرادًا فاعلين في المجتمع أساسيّ وجوهريّ. وإذا لم يفلح المعلّم في إكساب طلبته تلك المهارات الضروريّة، ويساعدهم على تخفيف أثر التحدّيات التي تواجههم في رحلة تعلّمهم، وجبت مساءلته ومحاسبته لا ترقيته.
  • - ضبط النظام التعليميّ لجودة الدورات التدريبيّة ودقّة مضمونها؛ فأحيانًا يخضع المعلّم لتدريب مدّته تتجاوز 100 ساعة تدريبيّة لكنّها عامّة، وغير مرتبطة بالتحدّيات الحقيقيّة التي يواجهها المعلّمون والمعلّمات في الغرفة الصفّيّة.
  • - ربط الترقية بنتائج الطلبة هو الذي سيظهر التباين في أداء المعلّمين؛ ذلك أنّ اجتياز المعلّم سنوات في الخدمة للحصول على ترقية يضع المعلّم المستهتر والمعلّم المعطاء في خندق واحد. وعدم تقدير جهود المعلّمين ربما يدفعهم للتقاعس، وإهمال جوانب التنمية الذاتيّة والتعلّم الذاتيّ، ما داموا يتلقّون المعاملة نفسها.
  • - اشتراك النظم التعليميّة في الحكم على استحقاق المعلّم لشهادة أيّ دورة، ذلك أنّ الجهات المانحة للشهادات يهمّها جدًا أن تذكر في تقريرها الختاميّ عدد الحاصلين على شهادة دوراتها، وأنّها وصلت إلى أماكن جغرافيّة بعيدة ومترامية، من دون أن تتطرّق إلى الأثر الحقيقيّ الذي أحدثته في ممارسات المعلّمين ومهارات طلبتهم.
  • - الدورات المتخصّصة تُسهم في إيجاد مجتمع التعلّم الفاعل، ويبدأ المعلّمون توجيه بعضهم بعضًا نحو الدورات النافعة المفيدة التي تلامس حاجاتهم الفعليّة في صفوفهم.
  • - نتائج الطلبة الحقيقيّة هي التي ستدفع القائمين على النظم التعليميّة لإيجاد الحلول المبنيّة على الحاجات الحقيقيّة في الواقع المدرسيّ، وبناء على ذلك تصميم الدورات التدريبيّة، فالمعلّم ستزداد دافعيّته إلى حضور دورة تدريبيّة، حتى وإن كانت بلا شهادة، لمجرّد أنه سيشعر أنّ هذه الدورة تلبّي طموحاته وتوقّعاته، وتعينه على التعامل مع تحدّيات الغرفة الصفّيّة.
  • - قصص النجاح المبالغ فيها مسألة أخرى فرضتها الدورات التدريبيّة، وهذه القصص، على أهمّيّتها، ستزداد قيمتها ويتّسع أثرها عندما تكون مبنيّة على نتائج الطلبة، ونوعيّة مهاراتهم، وتطوّر أساليب المعلّمين في التعليم وبناء العلاقات الإيجابيّة في بيئة التعلّم.  

 

اقترح علي عزّ الدين في تدوينته، تقديم المعلّم ملف إنجاز يثبت اكتساب فائدة من الدورة التي حضرها، وما يزيد هذا الأمر تأثيرًا وعمقًا هو أن يكون ملفّ الإنجاز مليئًا بأعمال الطلبة متعدّدة المستويات، وأن يبيّن أنّ أثر تلك الدورة التي حضرها المعلّم انتقل إلى أداء الطلبة وغرفتهم الصفّيّة. ومثلما يقدّم المعلّم ملفّ إنجازه، فالقائمون على النظم التعليميّة وترقيات المعلّمين يقدّمون ملف إنجازهم أيضًا؛ إذ من غير المنطقيّ، على سبيل المثال، أن يحرز الطلبة نتائج متدنّية في الاختبارات الدوليّة بينما تمنح النظم التعليميّة الترقيات والترفيعات.