نخاف من الفشل أو نتعلّم منه
نخاف من الفشل أو نتعلّم منه
2021/05/30
علي عز الدين | مستشار ومدرب تربوي-لبنان

جلستُ لبرهة أفكّرُ حول الموضوع الذي سأتناوله هذه المرّة، ولا أعرف لماذا عادت بي الذاكرة إلى أوّل سنة مارستُ خلالها مهنة التدريس. لقد كنت أوزّع دفاتر الإملاء، بينما بدأت إحدى التلميذات بالبكاء لأنَّها لم تحصل على الدرجة الكاملة، وحين سألتها: "لماذا تبكين؟"، أجابت: "ماما ستضربني".

تذكّرتُ أنَّني مَررت أيضًا بتلك التجربة حين كنت تلميذًا، فكم مرّة سالت دموعي لأنّني رسبتُ في امتحان مادّة التاريخ أو مادّة الكيمياء. من منكم لم يمرّ بتجربة مشابهة؟ إنّنا نخاف من الفشل ولا نعرف كيف نتصرَّف حال واجهتنا مشكلة ما في الحياة.

 يزرعُ الأهل الترّدّد وكره المدرسة في نفوس الصغار من جيلٍ إلى جيل، فهم؛ أي الأهالي، يرغبون بأن يكون ابنهم الأوّل في الصّفّ، يريدون من أبنائهم درجات عالية في المواد الأساسيّة كما يسمّونها؛ اللّغات والرياضيّات والعلوم، ويقارنون بين أولادهم على الدّوام، وينسون أنّ كلّ طفل يولد ولديه موهبة وطاقة وميّزة تجعلهُ فريدًا.

إنّ سلوك الأهل السّابق ذكرهُ، وردود أفعالهم، ما هو إلّا امتداد لحالة المنظومةِ التعليميّة وسياسات التقييم المُطبّقة في المدارس، فيعتمدُ عدد كبير من المدرّسين والمدارس على فكرة الترهيب من الامتحان، ويقوم بعض المدرّسون أيضًا بتهديد التلاميذ وحسم علاماتهم.

ألتقي بالعديد من المدرّسين خلال زياراتي الصفّيّة والورشات التدريبيّة، وهُم غالبًا ما يُردّدون: تلاميذ اليوم لا يسمعون ولا يهتمّون، فأقوم بتذكيرهم بأن James Cross لقَّبَ جيل اليوم بجيل "Netflix"، لأنّه جيل يختار ما يريد أينما يريد وعلى أيّ جهاز: (anywhere – anytime – any device)، كل شيء متوفّر لهم بكبسة زر، وإذا استمرّ الأستاذ بإعطاء ذات التمرين من ذات الكتاب لجميع التلاميذ، فبالطّبع لن يهتم التلميذ لمحتوى الحصّة الدراسيّة.

 

أجيال اليوم لم تعد تهتم للعلامة، وعدد كبير منهم أصبحَ من أهم مشاهير "تيك توك"، أو أصبح لهم قناةً خاصّة على "يوتيوب" يتابعها الآلاف. لقد اكتشف جيل اليوم أنّ التعلّم خارج جدران الصّفّ والمدرسة قد يكون فعّالًا أكثر، فهو مرتبط بالحياة، وأنّ المدرّس الذي يدخل إلى الصّفّ ويعتبر نفسه مصدرًا للمعرفة، فإنّه مدرّس مضى عليه الزمن.

تلاميذ اليوم بحاجة إلى مدرّس يعلّمهم كيف يتعلّمون، كيف ينظّمون وقتهم، كيف يهتمّون بصحّتهم الجسديّة والنفسيّة، كيف يتحقّقون من مصدر المعلومة، لا مدرّس يقوم بإعطاء معلومة فقط حسب دوره الكلاسيكيّ. وألم يحن الوقت لنعيد النظر بسياسات التقييم المتّبعة التي تعتمد على المنافسة والخوف، والانتقال إلى سياسات تشجّع على التعلّم من الأخطاء وتطوير أدوات ترتبط أكثر بواقع التلاميذ واهتماماتهم ومهاراتهم؟

كلُّنا يعرف أنّ الطفل الصغير ليتعلّم المشي يسقط مئات المرّات، وليتعلّم قيادة الدرّاجة يفقد توازنه العديد من المرّات، والطبّاخ الماهر يرمي الطعام المحترق أكثر من مرّة قبل أن يصل إلى النتيجة التي ينتظرها، وكلّنا يعلم أنّ أعظم العلماء تركوا المدرسة، ونعتَهم مدرّسوهم بالفشل.

 

كم جميل أن تدخل إلى صفّ وتجد فيه هذه الصورة التي تعكس للتلميذ أنّ التعلّم يمرّ بمراحل، وتسمع المدرّس يشرح له أنّ الفشل هو جزء لا يتجزّأ من التعلّم، ويجب أن تتعلّم كيف تفشل وتتخطّى هذه التجربة. من خلال هذه الصّورة يُشدّد James Nottingham على أنّ التعلّم ليس بالطريق السَّهل المعبّد، ولكنّه يحتوي على صعوبات، على هبوط وصعود، على فترة خارج منطقة الرَّاحة الخاصّة بنا "comfort zone"، قبل الوصول للنجاح. لقد شاهدت، في زياراتي الصفّيّة، بعض التلاميذ يضعون صورةً لهم على هذا النموذج، ويشرحون أين هم في عمليّة التعلّم، ما يُعتبر تقييمًا ذاتيًّا والجميع يعرف أنّ التقييم الذاتيّ يُنمّي مهارات التفكير العُليا، ويطوّر حسّ المسؤوليّة لدى الطالب.

صورة 1

كم جميل أن تُشاهد معلّمًا يُناقش هذا الفيلم مع تلاميذه، ويتحدّث عن المثابرة وعدم الاستسلام، فهذا الفيلم حدث من الواقع خلال الألعاب الأولمبيّة في مدينة برشلونة 1992، حينَ سقط أحد العدّائين أرضًا وجاء والده ليكمل معه السباق بعد أن فشل في الحصول على الميدالية الذهبيّة. يُمرّر هذا الفيلم العديد من الرسائل الخاصّة بأهمّيّة دعم الأهل لتعلّم أبنائهم وحثّهم على المثابرة والتعلّم من الفشل وعدم الاستسلام ومساندتهم في رحلة تعلّمهم.

أتمنّى أن تكون لحظة التأمل تلك فرصة لجميع الأهل ليعيدوا النّظر في أسلوب دعمهم لأبنائهم، وللمُعلّمين لإعادة النّظر وإعادة تقييم أدوات التقييم المُستخدمة داخل المدارس.