نحو التعلّم الذاتيّ في ظلّ الجائحة
نحو التعلّم الذاتيّ في ظلّ الجائحة
2020/12/20
سها جلاد | باحثة علمية -الاردن

يُشكّل فيروس كورونا التحدّي الأكبر الذي واجهنا مع بداية عام 2020، وما انفكّ يُمثّلُ تحدّيًا كبيرًا لقطاعات الصحّة والاقتصاد والتعليم. ومع قرب انتهاء العام الحاليّ، ما زال خطر كورونا يُهدّد معالمَ الحياة، خاصةً التعليم الذي يُعدّ ثروة حقيقيّة للمجتمع وأساسًا لهُ، ذلك من خلال تعليم أفراده وإعدادهم وبناء شخصيّتهم بصورةٍ مُتكاملة جسديًّا وذهنيًّا وثقافيًّا واجتماعيًّا.

 

وبالعودة إلى الخلف قليلًا بشريط الأحداث، تحديدًا إلى بداية شهر آذار هذا العام؛ أُغلقت المدارس والجامعات فترة ستّة أشهر، وانقطع طلبة المدارس عن مدارسهم ومعلّميهم، فما كان على المُعلّمين إلّا التواصل مع الطلبة، ونقل المعلومة إليهم من خلال مجموعات تعليميّة على صفحات "فيسبوك" أو بالتواصل عبر "واتساب". ومع قُرب بداية السنة الدراسيّة الجديدة، اتّخذت وزارة التربية والتعليم في فلسطين عدّة إجراءات واستراتيجيّات لضمان العودة الآمنة للمدارس، فشرعت بتطبيق البرتوكول الصحّيّ، وذلك باعتماد نظام الفترتين في دوام الطلبة، وتعقيم المدارس، وإغلاق الصفوف التي يُصاب أحد طلبتها أو معلّميها، واعتماد استراتيجيّة التعليم المُدمج بين الوجاهيّ والإلكترونيّ، وشرعت بتدريب المُعلّمين على كيفيّة توظيف المنصّات التعليميّة الإلكترونيّة.

بالموازاة مع ذلك، انقسمتْ ردود أفعال المعلّمين تِجاه التعليم المدمج، بين مؤيّد لهُ ومعارض، وكان هذه الاختلاف نتيجةً لقلّة الخبرة في التعامل مع التكنولوجيا. ومع ذلك، صدرَ قرار الوزارة باعتماد التعليم المُدمج ورافقهُ سحب رزم تعليميّة للمواد الأساسيّة مختزلة عدد الدروس لتمكين المعلّمين من تثبيتِ المعارف والمادّة العلميّة الأكثر أهميّة، تخوّفًا من قِبل الوزارة، من احتماليّة الإغلاق مع بداية العودة إلى المدارس مرّةً أُخرى.

وبدأ العام الدراسيّ، وحصل ما كان يخشاه المعلّمون من تراجعِ مستويات الطلبة. كما عانوا، قُرابة شهرين متتاليين منذ بداية العام الدراسيّ، من وجود ضعفٍ عامّ في مهارات التعلُّم لدى الطلبة، خاصّة مهارات اللُّغة العربيّة والإنجليزيّة، والرياضيات؛ وشرعوا نتيجةً لذلك بتثبيت المعارف السابقة، والعمل على تأسيس الطلبة.

 

ماذا لو أُغلقت المدارس مرّةً أُخرى؟ كيف يُمكن للمُعلّمين تمكين معارف الطلبة وتعزيز مهاراتهم في ظلّ نظام الفترتين، إذ إنّ هذا النظام قائم على توجّه الطلبة كمجموعتين، يومًا بعد يوم، إلى المدرسة، وفي ظلّ التعليم المُدمج الذي يتطلّب استخدام الحاسوب وشبكة الإنترنت؟ علمًا أنّ هُناك أُسَرًا لا تملك أجهزة حاسوب، ولا تتوفّر لديها خدمة الإنترنت، بالإضافة إلى الخطر، لعلّهُ أكبر من خطر كورونا، الذي تُجابههُ المنظومة التعليميّة في فلسطين وهو مداهمة الاحتلال لمدارسهم البسيطة في مناطق سكنهم المُهمّشة. إنّ هذه المدارس تُعرَف بمدارس التحدّي إذ تفتقر إلى معالم المدرسة الاعتياديّة؛ لا توجد فيها ساحة، أو مختبر حاسوب، أو غرف صفّيّة كافية، وهي مدارس تتعرّض، بين الحين والآخر، إلى تهديدات بالإغلاق والهدم من قِبل سلطات الاحتلال.

 

أمام هذه التساؤلات وهذه القضايا استرعى اهتمامي مَبدأ التعلُّم الذاتيّ في ظلّ تحدّيات التعليم؛ وهو ما يتطلّب من المُعلّم/ المُعلّمة ترسيخ المعلومة وتثبيتها، ودعوة الطلبة إلى خوض التجربة المَعرفيّة، واستكشاف المعلومة واستقصائها، ولتَكن المعلومة هي قضيّة للنقاش تُثار مع الطلبة، ومَهمّة تعليميّة غير مُكلِفة، يحتاج فيها الطالب دفتر وقلم رصاص، وهاتف مع كاميرا بسيطة، في حال توفَّر، لالتقاط صورة.

لُعبة المُستكشف لُعبة محبّبة ومشوّقة لدى الطلبة، خاصّة الأطفال في المرحلة الأساسيّة الدُّنيا والعُليا، لندعهم يتقمّصون دورَ المستكشف، ودور المتحرّي في سبيل البحث عن المعلومة، وكتابتها، أو التقاط صورة؛ ليس مُهمًّا حجم الكلمات التي تُعبّر عن المعلومة، ولكن فرصة التعبير في دفاترهم الخاصّة عنها. ولنمنح الطلبة فرصة تقييم ذاتهم، لنجعلهم شركاء لنا في وضع سُلّم الاختبار التشخيصيّ لكفاءتهم في لعبة التحرّي والبحث عن المعلومة وتدوينها، ولنعقد اتفاقات معهم في حال طالت مدّة الغياب، مثل تعرّض المدرسة للإغلاق، تزيد حجم مهمّات المُستكشف، وهي لُعبة جاذبة إلى جانب التعليم المُدمج في ظلّ كورونا، لتمكين الطلبة من التعلّم الذاتيّ. ربما يكون التعلّم الذاتيّ مخرجًا من مأزق كورونا في حال نجحنا في منح الطالب دورَ البطولةِ، وأسكنّاهُ في مسرح الحدث.

وليسَ بالضّرورةِ أن يكون التعليم عن بُعد إلكترونيًّا، فهُناك البيئة المُحيطة للطلبة، والتجربة العمليّة في التقصّي والبحث عن المعلومة، وكتابة ما يتعلّمونه. يُشكّل الاعتماد على البيئة المُحيطة مصدرًا أساسًا لتعلُّم الطلبة ذاتيًّا، يكسبون من خلالهِ مهارات مُختلفة، وينمّي لديهم الاعتماد على النفس، وتحمّل المسؤوليّة، إضافةً إلى تمكينهم من التجربة، بالطّبع مع مُراعاة الفروق الفرديّة للطلبة، وخصائصهم النمائيّة، وظروفهم الاجتماعيّة، ما سيجعل، بالنّتيجةِ النهائيّة، اللّقاء الوجاهيّ أو الإلكترونيّ مع الطلبة مصادر داعمة لمعارفهم ولعمليّة التّعلُّم الذّاتيّ، إلى جانب الكتب والمجلّات ومواقع التواصل التعليميّة والبيئة المحلّيّة.