"منهجيّات" في عيدها الخامس: صوتنا في الزمن الصعب
"منهجيّات" في عيدها الخامس: صوتنا في الزمن الصعب
2025/10/02
محمّد عوض توفيق شبير | باحث متخصّص في القضايا التعليميّة والمجتمعيّة- فلسطين

خمسة أعوام من الحضور المُلهم، صنعت خلالها منهجيّات فضاءً فريدًا للمعلّمين والمعلّمات؛ فضاء نلتقي فيه كلّ يوم عبر صفحاتها، لا لنقرأ فحسب، بل لنحاور ذواتنا، ونشتبك مع سياقاتنا، ونُصغي إلى ضمير تربويّ يصدح بين السطور، حاملًا وعيًا جديدًا وفكرًا مستنيرًا.

منحتنا منهجيّات أدوات نستعيد بها ذواتنا الممزّقة في زمن تتكاثر فيه المعاناة، الناعمة منها والقاتلة. ولتكون لنا بوصلة في مواجهة الأسئلة القاسية، ولتصير ملاذًا يتّسع لهمومنا التربويّة والإنسانيّة.

أمّا نحن في غزّة، فقد كانت منهجيّات منبرنا الإنسانيّ الأرقى؛ المنبر الذي أعاد إلينا القدرة على البوح حين كُبّلت الأيدي وأُخرست الألسنة، وحين كنّا مطالبين أن نتوجّع صامتين ونموت ساكتين: نشاهد إبادة التعليم من دون أن نجرؤ على الكلام. جاءت منهجيّات لتفتح لنا جسر العبور: لغةً، ومنبرًا، وفضاءً، ولتقول عنّا ما عجزنا عن قوله بلغتنا المكسورة وآهات طلبتنا المثقلة.

في غزّة، وسّعت لنا منهجيّات مدارك الوعي، وفتحت أبواب الوصول. وسهّلت علينا أن نهمس في آذان العالم، حتّى بدأ صوت التعليم في غزّة يُسمَع ويُحَسّ. اخترقت المجلّة جدران اللغة لتدخل غزّة إلى العالم من فوّهات جديدة، وبأفواه جديدة، وبلغات جديدة، لتقول: هناك حقّ إنسانيّ يضيع ويُهمل، وهو الحقّ في التعليم. ومن أراد معرفة المزيد عن التفاصيل، فليقرأ أعداد منهجيّات المختلفة، ومن أراد أن يعيش الإحساس الأعمق بالألم والأمل، فليغُصْ في مدوّنة غزّة.

صنعت منهجيّات معنا التفاصيل الصغيرة، وأحضرت لنا الصور البعيدة، ومدّت لنا أيديها لنطرق كلّ الجدران ولنُسمع صوت التعليم للعالم، ونلتقي مع العالم على أرضيّة الإنسانيّة قبل أن تُمزّقنا الجغرافيا، والإثنيّات، والمذاهب. كانت منهجيّات بحقّ تعتنق دين الإنسانيّة الراقية بطقوسها التعليميّة والتربويّة، لأنّ المساحات التعليميّة هي الميدان الوحيد الذي يمكن للإنسانيّة جمعاء أن تلتقي فيه من دون اختلاف.

ما لمسته في منهجيّات مجلّةً تربويّة تعليميّة، أنّها لم تكن مجلّة تقليديّة في ثوبها أو نمطيّة في ظهورها أو محدودة في وصولها، بل اختارت أن تكون متجدّدة في رؤيتها، شموليّة في محتواها، باعثة للحياة عبر صفحاتها، متناغمة مع كلّ السياقات. 

لمست أيضًا أنّ منهجيّات آمنت بفكرة الالتقاء على رغم الاختلاف، والتواصل من دون الالتفات إلى الحدود، والتمرّد على التابوهات التعليميّة والتربويّة؛ فكلّ شيء يخضع لإعادة الفحص في زمن تتغيّر فيه المسلّمات، ويُعاد ضبطها، ويضاف إليها، ويُحذف منها، باستمرار وبشكل متجدّد.

 

في عيدها الخامس، نبارك لـ منهجيّات هذا العمر المُضيء، ونبارك لأنفسنا أنّنا كنّا جزءًا من هذه الرحلة التي ما زالت تنسج خيوط الأمل، وتضيء الدرب أمام المعلّمين في كلّ مكان. جاءت أعداد المجلّة المتتابعة مولودًا يُنتظر بفارغ الصبر، كحلم السنين الذي تجسّد على صفحاتها. كلّ عدد تتويج لمسيرة معرفيّة وعمليّة متواصلة، حيث نجحت منهجيّات منذ انطلاقتها في توفير منبر حواريّ تفاعليّ يلتقي فيه الكتاب والباحثون والممارسون الميدانيّون والناشطون، والخبراء التربويّون من مختلف الأقطار العربيّة، لتبادل الرؤى والخبرات ومناقشة التحدّيات والفرص في مجال التعليم.

في سنتها الخامسة، تواصل منهجيّات دورها الإنسانيّ في تشكيل وعي جديد حول قضايا التعلّم، والتربية، آملين أن تظلّ منهجيّات صوتًا يعبّر عن نبض الميدان التعليميّ والتربويّ والمجتمعيّ، ومرآة تعكس تطلّعات النشطاء والفاعلين والمؤثّرين التربويّين وصنّاع القرار، نحو تعليم يُفهم ويتفهّم الرحلة والتطلّعات التي نأمل الوصول إليها.

منهجيّات فكرة، وقصة، وحكاية، وسيرة، ومسيرة لا تنتهي... تفتح آفاقًا ممتدة لسؤال الوجود الإنسانيّ على أرضيّة التعليم.