مناهج الدراسات الاجتماعيّة.. إلى أين؟
مناهج الدراسات الاجتماعيّة.. إلى أين؟
2024/02/25
مروان أحمد محمود حسن | عضو هيئة تحرير منهجيّات-مصر

تعدّ مناهج الدراسات الاجتماعيّة جزءًا من البرنامج المدرسيّ الذي يتضمّن تدريس العلاقات الإنسانيّة للمتعلّمين، من خلال تزويدهم بالمفاهيم والاتجاهات والقيم والمهارات وطرائق التفكير، وذلك ليصبحوا قادرين على التعايش في المجتمع. وقد اختلفت النظرة المعاصرة لمناهج الدراسات الاجتماعيّة في وقتنا الحاضر عمّا كانت عليه فيما مضى، إذ كان يُنظر إليها على أنّها مجموعة من الموادّ المنفصلة بشكل تامّ، لا يوجد أيَّ ربط بينها، ما أدّى إلى تقديم موضوعات بصورة غير متكاملة. ويواجه عالمنا العربيّ مشكلات وتحدّيات في مناهج الدراسات الاجتماعيّة، يمكن عرضها فيما يأتي:

1. التنوّع الاصطلاحيّ

" بداية الحكمة هي تعريف المصطلحات ". سقراط

تعاني الدراسات الاجتماعيّة من تنوّع المصطلحات المعبَّرة عن طبيعتها، ومحتوى موضوعاتها، ومنها: العلوم الاجتماعيّة، أو الاجتماعيَّات، أو العلوم الطبيعيّة. وعلى الرغم هذا التنوّع، إلّا أنّ مفهوم الدراسات الاجتماعيّة هو الأكثر شيوعًا في أنظمة التعليم على المستويين: بعض الدول العربيّة، والعالميّ، فهو مفهوم تكامليّ، يحقّق الترابط بين مختلف فروع المعرفة الاجتماعيّة والإنسانيّة، ويهدف إلى تثقيف المتعلّمين.

تُعنى العلوم الاجتماعيّة بدراسة الأداء البشريّ على مستويات: الفرد، والجماعة، والمجتمع، من خلال استخدام الأساليب العلميّة، وتشمل فروع متنوّعة: التاريخ، والجغرافيا، والتربية القوميّة، والاجتماعيّة، والاقتصاد، والفلسفة، وعلم النفس، والأنثروبولوجيا. كما تُعنى الدراسات الاجتماعيّة بتحقيق التكامل بين العلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة، فيبدأ المتعلّم بدراسة البيئة المحلّيّة، ومعرفة العلاقة بينها وما يجاورها من بيئات، ويدرس التاريخ المحليّ والقوميّ، بهدف زيادة الفهم بإسهامات بلاده في بناء هذا التاريخ ويدرس النظم والواجبات والحقوق في البيئة المحلّيّة، ومن ثمّ الوطن بأكمله ليعرف حقوقه وواجباته في وطنه، ويدرس المجتمع المحلّيّ الذي سوف يتعايش معه، فيفهم أسباب الظواهر الاجتماعيّة، ويحلّل العلاقات، ويصدر الأحكام.

تتشابه الدراسات الاجتماعيّة والعلوم الاجتماعيّة من حيث المحتوى، فكلاهما يشمل بنية العلوم الاجتماعيّة من حقائق ومفاهيم ومهارات، وما إلى ذلك. لكن يظهر الاختلاف بينهما في الأهداف، إذ تتناول موضوعات الدراسات الاجتماعيّة مفاهيم، وقضايا تتعلّق بالعلوم الاجتماعيّة ذات مستوى بسيط، يتناسب مع الفئة العمريّة للمتعلّمين، ويحقّق أهدافًا تربويّة محدّدة.

2. محتوى موضوعات الدراسات الاجتماعيّة

" المعرفة تتطوّر مع تطوّر المجتمع، والعقل البشريّ يتطوّر ويصل إلى مراحل جديدة من الفهم والتفكير". جورج هيغل

تختلف موضوعات الدراسات الاجتماعيّة عمّا كانت عليه في الماضي، إذ تطوّرت فروعها استجابةً للتطوّرات العالميّة، والتي بالتبعيّة أثّرت على تطبيقاتها، ما أدّى إلى تطوير محتوى موضوعاتها، بما في ذلك الجوانب: المعرفيّة، والمهاريّة، والوجدانيّة، حتّى يتمّ إعداد جيل قادر على الاستجابة، ومواجهة مشكلات المستقبل.

كما ظهرت فروع معرفيّة جديدة في الدراسات الاجتماعيّة نتيجةً للتطوّر التكنولوجيّ، والثورة المعلوماتيّة، إذ تمّت الاستفادة من تكنولوجيا الحاسب الآليّ، وتطبيقاته الإلكترونيّة في مجال الدراسات الاجتماعيّة، كتقنيتيّ نظم المعلومات الجغرافيّة GIS، ونظم المعلومات الجغرافيّة التاريخيّة HGIS، فضلًا عن بناء قواعد البيانات الجغرافيّة وتحليلها.

ونظرًا لهذا التطوّر، لم يعُد المحتوى التقليديّ لموضوعات الدراسات الاجتماعيّة، صالحًا لإعداد متعلّمين متمكّنين من المعارف والمهارات والقيم اللازمة لأداء دورهم في خدمة المجتمع. ولكي يتحقّق ذلك، لا بدّ أن يرَكّز محتوى الموضوعات على الثقافة، والزمن، والاستمراريّة، والتغيير، والتنمية الفرديّة، والهويّة، والأشخاص، والأماكن، والبيئات، والجماعات، والمؤسّسات، والوعي بالقوّة، والسلطة، والحُكم، وسُبل الإنتاج، والتوزيع، والاستهلاك، وتأثير العلوم والتكنولوجيا على التغيير الاجتماعيّ والثقافيّ، وتأثير الروابط العالميّة على المستويات: المحليّة، والوطنيّة، والدوليّة، وتبنّي نماذج مدنيّة، وتدريب المتعلّمين على ممارستها.

3. أساليب تدريس الدراسات الاجتماعيّة

" المعرفة فنّ، ولكنّ تدريسها فنّ آخر قائم بذاته". ماركوس سيسرو

ما زال يسيطر مفهوم التعليم بالتلقين على تدريس الدراسات الاجتماعيّة، إذ يعتمد على الثقافة التقليديّة، والتي تركّز على إنتاج المعرفة، فيصبح المعلّم هو أساس العمليّة التعليميّة؛ ينقل معارف الدراسات الاجتماعيّة، ويصبح المتعلّم سلبيًّا، يتلقّى المعلومات دون بذل أيّ مجهود في الاستقصاء أو البحث عنها. وبالتالي، لا يشارك في الحصول على المعرفة، الأمر الذي أدّى إلى التركيز على نموّ المتعلّم معرفيًّا، فيقاس تعلّمه لمناهج الدراسات الاجتماعيّة بقدر ما حفظه من معارف تلقّاها من المعلّم، أيّ يعتمد على مستوى التذكّر، وهو أدنى مستوى من مستويات بلوم المعرفيّة. وفي رأينا تعزى مشكلات تدريس الدراسات الاجتماعيّة إلى معوّقات ترتبط بالمعلّم، والمتعلّم، والمنهج، والبيئة الصفّيّة، ونتناولها تفصيلًا فيما يأتي:

  • - معوّقات تواجه المعلّم: كعدم إلمامه بطرائق التدريس الحديثة التي يمكن استخدامها في تدريس الدراسات الاجتماعيّة، وكثرة الأعباء الإداريّة التي تُعيقه عن استخدام أساليب تدريسيّة حديثة، وضعف قدرته على الإدارة الصفّيّة. فضلًا عن إهماله تقييم الجانبين: المهاريّ، والوجدانيّ، والاعتماد في التقييم الختاميّ على الاختبارات التحصيليّة، وتجنّب أدوات التقييم الأخرى، كالاختبارات الشفويّة التي تساعد معلّمي الدراسات على تقويم القدرة على التعبير الشفويّ، والطلاقة، والتكيّف السريع مع المواقف الطارئة، والمناقشة، والحوار. أو استخدام بطاقات الملاحظة التي تساعد على قياس مستوى الأداء المهاريّ للمتعلّم، كرسم الخرائط، وقراءتها، وتحديد الأماكن والاتّجاهات عليها، واستخدام الأطالس، والكرات الأرضيّة.
  • - معوّقات تواجه المتعلّم: كاعتياده على تلقّي المعلومات، وعدم قدرته على التفاعل مع ما تتطلّبه أساليب التدريس الحديثة.
  • - معوّقات تتعلّق بمناهج الدراسات الاجتماعيّة: عدم ملائمة طرائق التدريس الحديثة لمحتوى مناهج الدراسات الاجتماعيّة، وتركيز المقرّر على معلومات مجرّدة، فضلًا عن كِبر المقرّر من حيث الكمّ، وعدم تناسبه مع الفترة الدراسيّة، إلى جانب عدم كفاية الأنشطة التعليميّة.
  • - معوّقات تتعلّق بالبيئة الصفّيّة: كعدم ملاءمتها لاستخدام طرائق التدريس الحديثة، وعدم توافر الوسائل التعليميّة، وقلّة عدد الحصص المخصّصة لموادّ الدراسات الاجتماعيّة، وقلّة الإمكانات المادّيّة التي تعيق القيام بالأنشطة المختلفة.

خلاصة القول، تتعدّد المشكلات والتحدّيات التي تواجه الدراسات الاجتماعيّة في عالمنا العربيّ، فلا بدّ من مراجعة رؤيتنا لمناهج الدراسات الاجتماعيّة، وتطوير أهدافها، ومحتوى موضوعاتها، وطرائق تدريسها، بما يتماشى والتطوّرات العالميّة، ورؤى النظم التعليميّة المتقدّمة، وذلك من أجل تزويد المتعلّمين بالمعارف والمهارات والقيم التي تُكسبهم القدرة على تغيير مستقبلهم.