مشروع ستيم.. تجربة عمليّة
مشروع ستيم.. تجربة عمليّة
لميا أحمد خالد | معلّمة فيزياء- لبنان

ستيم (STEAM) منهج يقوم على التكامل بين مجالات العلوم والرياضيّات والهندسة والتكنولوجيا والفنون، فكلّ كلمة لها اختصار بحرف من الحروف الخمسة، لتشكّل كلمة ستيم باللغة الإنكليزيّة (Science, Technology, Engineering, Art, Mathematics). يعتمد مشروع ستيم اعتمادًا رئيسًا على مبدأ التعلّم بالمشاريع، بالبحث والتفكير الناقد ومهارات القرن الواحد والعشرين، وعلى التفكير العلميّ، فتعزِّز بدورها روح الإبداع والابتكار عند الطالب في اكتشاف حلول قائمة على المنهجيّة العلميّة (الخطيب، 2023).

بدأ مفهوم ستيم في الولايات المتّحدة الأمريكيّة حين تعرّضت لانتقادات واسعة، بعد أن تفوّقت عليها روسيا بإطلاق أوّل قمر صناعيّ إلى الفضاء عام 1958. هذا الوضع دفعها إلى إجراء عدّة دراسات لدمج العلوم في ما بينها، لتحسين قدرات الطلّاب وإعدادهم لسوق عمل متميِّز ومبدِع وخلّاق وقادر على الابتكار وخلق حلول لمشكلات قد تواجههم، فسعوا إلى دمج المجالات العلميّة كلّها في منهج ستيم، كأولويّة وطنيّة، في مناهجهم، منذ الابتدائيّة حتّى الثانويّة (ممدوح، 2021).

انتشر منحى ستيم في العالم، لما فيه من مزايا تعليميّة - تربويّة، وفي مدرستنا، وبعد التعرّف إلى منحى ستيم في مؤسّسة "نفضة"، وهي مؤسّسة مؤلّفة من مجموعة تربويّين، يهدفون إلى تغيير النظام التعليميّ ونشر فكر تربويّ جديد في لبنان، بدأنا بتنفيذ أوّل مشروع يصبّ في هذا المنحى. وعليه، واكبت المدرسة تفاصيل المشروع، ودخلنا عالم المغامرة باتّخاذ قرار بناء مشروع "المدرسة الخضراء"، وهو مشروع يهدف أساسًا إلى إيجاد حلول لمشكلات بيئيّة نواجهها في بيئتنا، ونشر ثقافتها في مائة يوم.

 

أهداف المشروع

وضعنا خطّة تنفيذيّة هدفها تنمية مهارات الطلّاب العلميّة والعمليّة، لتناسب القرن الحالي وتمكّنهم من مواجهة الحياة واكتساب قدرات كافية ينخرطون بها في المجالات العمليّة. من هنا، بدأ مشروع المدرسة من الصفّ الثالث إلى الصفّ الثامن، حيث لكلّ صفّ مشروعه الخاصّ المرتكِز إلى أفكار مختلفة تراعي فئات الطلّاب العمريّة وميولهم، وتصبّ في منحى ستيم، من دون الخروج عن فكرة المدرسة الأساسيّة، على أن تكون الأفكار متّصلة ببعضها بين الصفوف. أسمَينا المشروع "ضيعة الأحلام" في مدرستنا، وواكب كلّ صفّ حلولًا لمشكلات هذه الضيعة، والتي استُخلِصت من أرض الواقع، من مشكلات التلوّث بالنفايات، والاهتمام بإطعام الحيوانات، والبحث عن طاقة بديلة... تحقّق ذلك في مختبرات علميّة، نُفِّذت فيها طريقة إعادة تصنيع الورق، ومنافسة علميّة لصناعة سيّارة أو طائرة ورقيّة مبنيّة على أسس علميّة. وسيكون موضوع مقالتي هو ما واكبته مع طلّاب الصفّ الثامن في مشروع الطاقة البديلة.

 

خطوات التحضير للمشروع

كان لا بدّ، في البداية، من تعزيز مفهوم ستيم لدى المعلّمين قبل الطلاب، فتابعنا دورات تدريبيّة مع تربويّين متمكِّنين في المدرسة، ودورات أخرى عبر الإنترنت، للتوسّع والإفادة من خبرات الآخرين.  انتقلنا بعد ذلك إلى تدريب الطلّاب على هذا المفهوم، ليتشرّبوا ماهيّة ستيم ومضمونه العمليّ والعلميّ القائم على البحث والتحليل والاستنتاج.

كان لذلك دور بارز في حثّ الطلّاب على التعمّق في هذا المشروع والغوص فيه قدر الإمكان، وخلال هذه الفترة، تواصلتُ مع منهجيّات لكتابة دردشة، حيث طُرِح سؤال ضمن سياقها عن الطالب الشغوف، فرغبتُ في دمج هذا المفهوم ضمن المشروع القائم مع الطلّاب، لتحفيزهم على متابعة المشروع والتفقّه فيه، إذ شعروا بصعوبة البدء به، نظرًا لما لديهم من تحضير للدروس والامتحانات وبقيّة المشاريع المدرسيّة.

عرضنا أفكار المشروع وحدّدنا المشكلات الرئيسة التي يعانيها مجتمعنا، من مشكلة الكهرباء بسبب الأزمة الاقتصاديّة في لبنان بالدرجة الأولى، والتلوّث الحاصل نتيجة توليد الطاقة بدرجة ثانية. وعليه، اندرجت الإشكاليّة للتفكير بحلّ والبناء عليه، وبدأنا التحضير على الوجه الآتي: 

1. قسّمنا الطلّاب إلى فرق متناسقة في العدد، ومختلطة الجنس، ومراعية الكفاءات الموجودة ومتنوّعة الاهتمامات، والتي تُكمِل بعضها بعضًا قدر الإمكان. يتضمّن كلّ فريق مجموعة طلّاب وافقوا على الانضمام إلى الفريق، لتفادي مشكلات تربويّة أخرى يمكن أن تنشأ خلال المشروع.

2. بعد عرض المشكلة الرئيسة في مشروع ستيم، والتي تمثّلت في تفاقم أزمة الكهرباء في لبنان، بحثنا عن وسائل بديلة يمكن من خلالها توفير الطاقة والحفاظ على البيئة. وثّقتُ مواقع الإنترنت وجميع التطبيقات التي تسمح للطالب بتكوين فكرة عن المشروع، وخطوات المشروع كاملةً، وأسس التقييم في نهايته، والتراتبيّة المتَّبعة في المشروع، والمواقع المحدَّدة لعمليّة البحث واستخلاص المعلومات. وهنا تكمن قدرة المعلّم في معرفته التكنولوجيّة لإدراج المواقع المهمّة والتطبيقات الرئيسة التي تخدم الطالب في عمليّة البحث، تحت إشراف المعلّم ومراقبته.   

3. ناقشنا البحث وملاءمة طرق التطوير مع الحلّ المقترَح والإشكاليّة المطروحة.

4. جهّزنا الأدوات الرئيسة المتواجدة في المختبر، من مولّد طاقة، وأشرطة كهرباء، ومصباح صغير، وغير ذلك ممّا يحتاج إليه المشروع من أدوات. بعد ذلك، بحثنا في إمكانيّة ابتكار الأدوات ودمجها في المشروع، ولا سيّما أنّ بنية المشروع الأساسيّة تكمن في البحث عن أدوات يمكن تدويرها، واستخدامها في المجسّم للحفاظ على البيئة.

5. وضعنا هيكليّة مبدئيّة للمشروع. وهنا تظهر أفكار الفنون والإبداع والتفكير خارج الصندوق، وتمثيلها على ورقة لتكون جاهزة وقابلة لأيّ تعديل. توضع الفرضيّة، إثر ذلك، على أن تكون متماشية مع الإشكاليّة المطروحة.

6. بدأنا التنفيذ بعد تقسيم الأدوار ضمن الفريق، بما يتناسب مع مهاراتهم التي يحدّدها قائدهم المختار، على أن يكون المعلّم ميسِّرًا، وأن يساعدهم في المشكلات التي تعترضهم، وفي ايجاد حلول لها، وتحفيزهم على الانتهاء من المشروع بنتيجة تتوافق مع الفرضيّة على الأقلّ.

7. مناقشة الأفكار بين المعلّم وقائد كلّ فريق، لتعزيز روح التعاون والقدرة على المبادرة.

8. أدرجنا المبادئ الهندسيّة والعلميّة في عمليّة التصميم، بما يفرضه واقع ستيم من عمليّة تكامليّة بين جميع الأطراف، وسجّلناها بالتفصيل، وأعدنا المحاولة في كلّ مرّة يكون تطبيقهم فرضيّتَهم في التفكير مختلفًا وغير متناسب مع ضرورة تسجيل النتيجة الحاصلة.

9. أعددنا الطلّاب لعرض المشروع بلغة المادّة، وهنا تكمن أهمّيّة اللغة في منهجيّة ستيم، حيث يمكن لمعلّمي اللغة الإسهام في تحسين أداء الطلّاب في العرض، والعمل على لغة الخطابة واللغة الأدبيّة بحدّ ذاتها، من قراءة وكتابة، وتحويلها إلى أنموذج عرض، يعرضه مَن اختاره أعضاء الفريق.

10. أنجزنا المجسّم المنشود بما يلبّي الفرضيّة المطروحة. ولا يعني ذلك موافقة المجسّم للدراسة، بل الوصول إلى نتيجة قد توافق الدراسة المنشودة أو تعارضها. وهذا ما يُذكَر في العرض.  

11. عرضنا النتيجة أمام لجنة تربويّة لتقييمها.

 

عقبات المشروع

الخطوات الأولى تكون دائمًا صعبة، حيث واجهتنا صعوبات جمّة، أبرزها ضيق الوقت الذي تحدّد بمائة يوم، ولا سيّما أنّه لم تُخصّص للمشروع حصّة في المنهاج. كنت آخذ من وقت حصّة الفيزياء عشر دقائق إلى ربع ساعة للتعريف بالمشروع، غير أنّ هذا الوقت لم يكن كافيًا في مرحلة التطبيق، إذ يحتاج التطبيق حصّة كاملة تمكِّن الطالب من تنفيذه في وقت مريح. تقرّر تخصيص حصّة للمشروع، وعندما شارفت المهلة على الانتهاء، وما زالت بعض الأفكار غير ناجزة، خصّصنا ثلاثة أيّام ضمن الدوام الدراسيّ العاديّ للتطبيق، وعلى مدى ثلاثة أسابيع لإنهائه، وقد فجّر هذا الضغط الزمنيّ الكثير من المعارف الكامنة لدينا، معلّمين وطلّابًا. كما ظهرت الصعوبة في نقص الأدوات المتوفّرة، والاعتماد على إمكانيّات أقلّ، إلّا أنّ ذلك أشعل روح الابتكار وفق مقولة "الحاجة أمّ الاختراع". بالإضافة إلى ذلك، كانت فكرة المشروع بحدّ ذاتها ملغاة في منهج الصفّ الثامن، بسبب التعديل الحاصل، والذي قلّص من المنهج لأسباب اقتصاديّة يعانيها لمجتمع اللبنانيّ، لكنّ متعة التجربة تستحقّ الخوض فيها وفتح معارف جديدة أمام الطلّاب، وإن كانت غير مباحة في المنهاج، فهي تخدم فكرة المشروع.

 

دعم الإدارة والزملاء

لتنظيم الإدارة بمختلف أطرافها، واختيار أعضاء فريقها بعناية، دور رئيس، لكنّ الدور الأبرز في الرحلة تمثّل في اجتماع مختلف الإداريّين والتربويّين في المشروع. طُبِّق ستيم على المجتمع التربويّ قبل المجتمع الطلّابيّ، ما انعكس إيجابًا على روح التعاون بين الطلّاب، حيث تضافرت جميع الجهود، كلّ حسب إمكاناته ورؤيته وتطلّعاته، وبجميع مجالاته حتّى اللغويّة. ساندت معلّمات اللغة في يوم العرض، بتمكين الطلّاب من اعتماد اللغة الصحيحة كتابةً ولفظًا. والرائع في منحى ستيم أنّه لا يستوجب قائدًا واحدًا، بل قادة يساعدون على إنجاز مشروع، بدءًا من رئيس الهرم، وصولًا إلى المجتمع المدنيّ؛ فالأهالي واكبوا أطفالهم في مختلف مراحل المشروع، وفي تطوّرهم المعرفيّ والثقافيّ، وتبدّل نوعيّة تفكيرهم وتخلّيهم عن حواجزهم الحياتيّة. فضلًا عن أنّ التواصل مع أعضاء فريق "نفضة" أدّى دورًا بارزًا في المساعدة بأيّ صعوبة ومعالجتها، وزيادة الوعي الكافي حول هذا المنهج وتحقيق المتابعة المستمرّة.

 

موقف الطلّاب

لا شكّ أنّ لستيم أثرًا إيجابيًّا في نفوس الطلّاب، حيث لمسنا انعكاسه على رغبتهم في الاستمرار في التفكير بالمزيد من المشاريع، لما عزّزه من أسلوب علميّ في مدى فهمهم الدروس. كما عزّز شعورهم بأنّهم وجدوا المكان المناسب للتعبير عن أفكارهم والوصول إلى ما يدور في أذهانهم، وتفريغ طاقاتهم بتنفيذ المسابقات الشهريّة أو التكوينيّة. خفّت مشاعر الرفض لدى الطالب عند مواجهة سؤال غير مفهوم، من حيث اللغة أو المضمون العلميّ. وعزّز المشروع لدى الطلّاب القدرة المستمرّة على إيجاد الحلّ، أي عدم الاستسلام الفوريّ ورفض أيّ سؤال مطروح، ونمّى شخصيّاتهم الخطابيّة والقدرة على المشاركة الفاعلة والتحليل المنطقيّ وفتح آفاقًا واسعة، وعزّز القدرة على الابتكار بحرّيّة، والبحث الذاتيّ عن أيّ معلومة قد لا يقنعه المعلّم بها.

من هنا، نستطيع أن نقول إنّ مشروع ستيم تعليم ذاتيّ مبنيّ على البحث والمقارنة، أثّر تأثيرًا مباشرًا في منهجيّة الطلّاب الحياتيّة والعمليّة، حيث أصبح متواجدًا بطريقة تلقائيّة في حياتهم، وباتوا لا يستسلمون لأيّ واقع متاح أمامهم، ويفكّرون بحلول فوريّة لأيّ مشكلة قد تعترضهم، ومستعدّون لنقل هذه الثقافة إلى البيئة المحيطة بهم.

 

تقييم نتائج المشروع

قُيِّم المشروع بطريقتين، كمّيّة ومعرفيّة، حيث نُفِّذت امتحانات قبليّة وبَعديّة للمشروع، لتقييم الأثر في الطلّاب وقياس مدى التطوّر المعرفيّ لمكتسباتهم ومهاراتهم، والتي نمت بمرورهم عبر هذا المنهج.  أمّا التقييم الثاني فحصل ضمن يوم العرض الذي وقع بعد انتهاء تحدّي المائة يوم في المدرسة، حيث أنشأنا لجنة علميّة من مدراء واختصّاصيّين وتربويّين للنظر وتقييم النتائج العلميّة الحاصلة لدى الطلبة. قيّم المشروعَ جميعُ فئات المجتمع المدنيّ الذين حضروا العرض، لتقديم النتائج النهائيّة. وعليه، خُصِّصت حصص لستيم من الصفّ الأساسيّ الأوّل إلى الصفّ الثانويّ الأوّل.

 

* * *

يتطوّر عصرنا بسرعة رهيبة، ونحن في أوج استخدامات الذكاء الاصطناعيّ في التعليم، ولم يعد الأمر مجرّد مفاهيم علميّة نكتبها على السبّورة ونمضي. أصبح العلم أعمق ممّا عليه، ووجبت علينا المجاراة والمتابعة، فلم يعد الأمر محض اختيار، بل واجبًا لتحضير طلّابنا، بمختلف فئاتهم الاجتماعيّة، لسوق العمل، ليكونوا مطّلعين وقادرين على حلّ المشكلات ومواجهتها. هذا ما مررت به خلال رحلتي في مشروع ستيم، والذي أراه علمًا رئيسًا يجب اعتماده وتطبيقه ضمن المناهج، وتمكين معلّمين وإداريّين قادرين على المواكبة والاستمراريّة.

 

المراجع

- الخطيب، هنادي. (2023). فاعليّة تطبيق منحى "STEAM" التعليميّ في تنمية مهارات التفكير الإبداعيّ لدى الطلبة. منهجيّات. العدد 11. 46-51.

- ممدوح، آية. (2021). اجعل ابنك عبقريًّا.. ماذا نعرف عن نظام "STEAM" لتعليم الأطفال؟ ميدان.