مستقبل التعليم الوجاهيّ إلى أين؟
مستقبل التعليم الوجاهيّ إلى أين؟
2021/09/18
مجد مالك خضر | كاتب ومدوّن- الأُردن

أدّى التباين الملحوظ في عدد الإصابات المسجّلة يوميًّا بفيروس كورونا على مستوى العالم، إلى تأرجح عودة الحياة مثلما كانت قبل الجائحة، وانعكس ذلك بدوره على مختلف المجالات الحيويّة، التي باتت محاصرة بخطر الإغلاق، والتوقّف مجددًا، إذا عاد معدّل الإصابات للارتفاع، مع اكتشاف طفرات جديدة من فيروس كورونا، وانتشارها بين النّاس، ما قد يُعيدُ التدابير المتخذة للوقاية، والحدّ من تفشي العدوى، مثل حظر التجوّل الجزئيّ خلال ساعات وأيام مُحدّدة، وتوقّف عمل الكثير من المنشآت، وتقليل أوقات الدوام، وغيرها من الإجراءات الأخرى المزعجة غالبًا، والتي تعرقل النمط المعتاد للحياة اليوميّة.

تشكّلت قناعة لدى الطلاب وأولياء أمورهم أن العودة إلى التعليم الوجاهيّ ستظل متأرجحة، وأن أي قرار مطروح حول هذه العودة هو قرار مرحليّ ليس إلّا.

بداية أزمة التعليم الوجاهيّ

يعدّ التعليم الوجاهيّ من أكثر المجالات تأثّرًا بفيروس كورونا، إذ واجه تحدّيات وصعوبات جمّة. ولم يتوقّع أحد أن يتأثّر مسار التعلّم بهذه الصورة السلبيّة، التي بدأت بتوقّف الدراسة النمطيّة والتقليديّة داخل المدارس، لفترة من الوقت، قبل أن تُسارع وزارات التربية والتعليم بمشاركة الهيئات التعليميّة لإيجاد حلول، تُقلّل من خطر انقطاع الطلاب عن الدراسة، والبحث عن أفضل البدائل، والوسائل التي تُوفّر استدامة التعلّم في ظلّ الظروف السائدة آنذاك. من هذا المنطلق جاء التعليم عن بُعد وسيلةً تدفعُ العجلة التعليميّة التي توقّفت إجباريًّا في خضمّ الجائحة، فاستُخدمت منصّات التواصل الاجتماعيّ، وتطبيقات المحادثة المرئيّة بهدف توفير حصص إلكترونيّة للطلاب، وتحقيق التفاعل المطلوب مع المعلّمين حتّى ينتهي العام الدراسيّ بأنسب طريقة ممكنة.

بعد نهاية العام الدراسيّ الذي واجه كورونا بكل تفاصيلها، باتت التطلّعات تتجّهُ نحو عودة طبيعيّة إلى التعليم الوجاهيّ داخل المدارس. ومع بداية العام الدراسيّ 2020/2021، أجريت جميع الاستعدادات، ووضعت الخطط الضامنة لعودة آمنة إلى التعليم الوجاهيّ، وهذا ما حصل بالفعل، وعادت الحياة تنبض داخل المدارس، ولكن ازدادت، مُجدّدًا، حالات الإصابة بفيروس كورونا، وانتشرت بين المعلّمين والطلاب، ما أعاد تعليق الدوام المدرسيّ الوجاهيّ، والانتقال إلى التعليم عن بُعد مرّة أخرى، مع اتخاذ حلول أكثر نجاحًا من السابق، وتوفير منصّات تعلّم إلكترونيّة وتفاعليّة للطلاب، وظلّ الأمل مُعلّقًا بعودة التعليم داخل الصفوف، ولكن انتهى العام الدراسيّ مثل سابقه.

لقد واكب أولياء أمور الطلاب كافّة تجارب ومحاولات عودة التعلّم إلى حاله السابقة، فكانت الوزارات والهيئات التعليميّة تؤكّد على مواصلة الطريق نحو عودة التعليم الوجاهيّ، سواء عبر التصريحات في المنصّات الإخباريّة أو اللقاءات الصحفيّة، التي تجزمُ تمامًا بتحقيق هذه العودة، ولكن تخفّتُ الآمال عند ارتفاع جديد في منحنى الإصابات، وظهور موجات مفاجئة من فيروس كورونا. من هُنا، تشكّلت قناعة لدى الطلاب وأولياء أمورهم أن العودة إلى التعليم الوجاهيّ ستظل متأرجحة، وأن أي قرار مطروح حول هذه العودة هو قرار مرحليّ ليس إلّا، محكوم بعدد الإصابات المسجّلة يوميًّا، وسينتهي بمجرّد مرور الأسابيع الأولى من بداية العام الدراسيّ، ثم يتحوّلُ التعليم ليصبح عن بُعد.

لم تقتصر تقلّبات التعليم الوجاهيّ على حياة الطلاب فقط، بل أثّرت في جميع مكوّنات التعليم، فظلّت كثير من المدارس عاجزة أمام توقّف التعليم الوجاهيّ، وواجهت تحديات.

تقلّبات التعليم الوجاهيّ

واجه التعليم الوجاهيّ، بعد أن خيّمت عليه ظلال كورونا، وأُجبرت البيئة التعليميّة على التحوّل إلى التعليم عن بُعد، مجموعة تقلّبات، كقلّة اهتمام بعض أولياء الأمور بمتابعة دراسة أبنائهم، وترك الحبل على الغارب، ليدرسوا وقت ما يشاؤون، طالما أن دورَ المدرسة الرقابيّ انحصر في متابعة الطالب من وراء شاشة الحاسوب أو الهاتف الذكيّ، مع معاناة معظم العائلات من ضعف القدرات المادّيّة أو المهارات اللّازمة لتوفير وسائل ومتطلّبات هذا النوع من التعلّم، تحديدًا داخل المناطق الريفيّة، التي تُعاني من محدوديّة تجهيزات التعليم الحديثة.

ولم تقتصر تقلّبات التعليم الوجاهيّ على حياة الطلاب فقط، بل أثّرت في جميع مكوّنات التعليم، فظلّت كثير من المدارس عاجزة أمام توقّف التعليم الوجاهيّ، وواجهت تحديات، مثل وجود معلّمين غير مدرَّبين بشكلٍ كافٍ على التعامل مع أدوات التعليم عن بُعد، وضعف البنية التحتيّة لدى بعض المدارس، التي لا تتوفّر فيها أجهزة حديثة، وخدمة إنترنت تساند المعلّم في متابعة طلّابه إلكترونيًّا، كما طال هذا التأثّر مدارس القطاع الخاص، فتراجع عدد طلابها، بازدياد المنتقلين منها نحو المدارس الحكوميّة، بسبب اليقين الكامل لدى أولياء الأمور بأن عودة التعليم الوجاهيّ مؤقّتة، وسوف تكون الدراسة في المنزل، مع الأخذ بالاعتبار توفير التكاليف، والنفقات المصروفة على الدراسة في المدرسة الخاصّة.

إن ممّا لا شكّ فيه أن العواصف التي ألمت بالتعليم الوجاهيّ، والناتجة عن كورونا وتبعاتها، أثّرت فيه بصورةٍ سلبيّة، ولا يعني ذلك أن مستقبله مجهول الملامح أو لا يمكن توقّع ما سيؤول إليه.

مستقبل التعليم الوجاهيّ إلى أين؟

استبدلت حالة عدم الاستقرار التي عصفت بالتعليم الوجاهيّ المفاهيم التعليميّة الثابتة، بأُخرى قد تكون حديثة أو مستحدثة أو لم تستخدم على نطاقٍ واسع في السابق، مثل التعليم الإلكترونيّ عن بُعد، فكان مقتصرًا على الدراسة الجامعيّة والدراسات العُليا، التي تحتاجُ هذا النوع من التعليم أحيانًا، كما ظهرت الاختبارات المحوسبة بديلًا للاختبارات الورقيّة، ولكن لا يمكن اعتبارها تقييمًا ناجحًا بصورةٍ كاملة، بسبب غياب الرقابة المدرسيّة عنها، وعدم تحديد هويّة الشخص الذي انضمَّ للاختبار، سواء كان الطالب أو شخصًا آخر، وأيضًا تغيّرت وسائل التعلّم، واستبدل اللوح والطبشور بشاشة الحاسوب أو الهاتف، وكثيرة التغيّرات التي طالت التعليم، وصار يلوحُ في الأفقِ السؤال الآتي: مستقبل التعليم الوجاهيّ إلى أين؟

إن ممّا لا شكّ فيه أن العواصف التي ألمت بالتعليم الوجاهيّ، والناتجة عن كورونا وتبعاتها، أثّرت فيه بصورةٍ سلبيّة، ولا يعني ذلك أن مستقبله مجهول الملامح أو لا يمكن توقّع ما سيؤول إليه، كما أن أي أسلوب تعلّم آخر ليس بديلًا كُلّيًّا عنه، لا على المدى القريب أو البعيد، بل يعدّ وسيلة تعليميّة مساندة، ريثما يعود التعليم داخل المدرسة بشكلٍ كامل، ووفق الخطط والأساليب المتعارف عليها قبل انتشار الجائحة، بالتزامن مع التقيّد بجميع الشروط الصحّيّة، التي لا تُغيّر نمط التعليم الوجاهيّ، ولكن تضيفُ له حرصًا أكثر، وأجواء دراسيّة آمنة صحّيًّا، ضمن المعايير الطبّيّة والوقائيّة.

إن تعاضد الجهود المشتركة بين الطلاب وأولياء أمورهم، والهيئات التعليميّة في مواجهة فيروس كورونا، والسعي للحصول على اللقاحات، والالتزام بالسلامة الصحّيّة، إنما يمثّل إجابة على السؤال المطروح سابقًا، ويؤكّد أن مستقبل التعليم الوجاهيّ سيتجهُ نحو خطوات إيجابيّة تتحقّق من خلال الحفاظ على وجود الطلاب، وبقائهم داخل صفوفهم ومدارسهم، وإدراك أن التعليمَ الوجاهيّ لا يُستبدلُ بأي نمطٍ تعليميّ آخر؛ فهو، برأيي، السبيل الوحيد، والأكثر نجاحًا في تلقّي الطلاب تعلّمهم المباشر من معلّميهم، كما يظلُّ الخيار الأفضل والأمثل، والقابل للتأقلم والتكيُّف مع التغيّرات والتطوّرات، والقادر على الاستفادة من أدوات التعلّم المساندة، والمشارك الأساسيّ في بناء شخصيّات الطلاب، ورفدهم بكل مفيد من الثقافة والعلم والمعرفة.