مبادرة "مبتدأ" هى مبادرة مجتمعيّة في مجال التنمية والتعليم بمصر، تأسّست في نيسان/ أبريل عام 2016 على يد خمسة أفراد في منتصف العشرينيّات من أعمارهم، جمعتهم مسارات مختلفة في الحياة، غير أنّهم تقاطعوا في الرغبة في إنتاج معرفة تشبه سياقهم المحليّ وتشتبك مع المفاهيم النظريّة الآتية من العلوم الاجتماعيّة.

 

تهدف المبادرة إلى بناء دوائر تعلّم من المراهقين والمراهقات في الفئة العمريّة 14- 17، ينضمّون إليها في الإجازة الصيفيّة، ليتناقشوا ويسائلوا وينتقدوا ويتفاعلوا بوعي مع واقعهم الاجتماعيّ، باستخدام مجالات التاريخ، والجغرافيا النقديّة، وعلم الاجتماع، ونظريّة المعرفة، والأنثربولوجيا.

وضعت المبادرة نصب عينيها منذ بدئها عدّة مرتكزات أساسيّة للعمل، أهمّها: استخدام اللغة العربيّة، وتبني آليّات التعلّم التفاعليّ، وربط المفاهيم الجامدة بالسياق المجتمعيّ والمحليّ للمشاركين، وخلق بيئة تتيح للمشاركين مشاركة تعلّمهم بطرق إبداعيّة ونقديّة.    

 

ظهرت المبادرة فاعلة في المشهد التنمويّ في مصر عام 2017 على صورة سلسلة من الورشات  لتقدّم مسارًا موازيًا لما يُقدّم في المدارس الرسميّة. اتسمت المراحل الأولى بالتجريب وقصر فترة التعلّم، ثم تدرّج البناء المعرفيّ والمجتمعيّ ليتحوّل إلى ورشة متّصلة مدّة عشرة أيام ثمّ معسكر يتعايش أفراده بالكامل مدّة أحد عشر يومًا في محافظة المنيا.

حضر الورشة لحظة انطلاقها ثمانية أفراد فقط، يقيمون في العاصمة، بعد أن ملؤوا استمارة إلكترونيّة فور الإعلان عن الورشة. تزايد العدد ليصل إلى أكثر من 10 طلب للمشاركة في مسار المبادرة اللاحق، ومن محافظات عدّة.

 

تُتيح ورش عمل المبادرة أنشطة تعلّمية مختلفة؛ من الألعاب الذهنيّة، إلى رسم الخرائط، والجولات الميدانيّة. فمثلًا في الأنثروبولوجيا، انخرط المشاركون في "إثنوغرافيا المواصلات" عبر استخدام مفاهيم متعدّدة لتوصيف المواصلات التي استخدموها باختلافها من مترو وتاكسي وأتوبيسات نقل عامّ. أما "نظريّة المعرفة" فقدّمها المشاركون عن طريق نشاط "الكائن الفضائيّ" الذي لا يعرف أسماء الأشياء، وعليه أن يعيد تسمية كلّ شيء. أمّا في مجال الجغرافيا النقديّة، فقارن المشاركون جوازات سفر الدول المختلفة، وباستخدام خريطة للعالم، وخيوط ودبابيس، أنتجوا خريطة تفاعليّة بالألوان. ولتقديم مفاهيم مثل رأس المال الثقافيّ ورأس المال الاجتماعيّ صمّموا لعبة "جري الوحوش" التي تُحاكي النظام الاجتماعيّ.

 

أما في الجغرافيا البشريّة، فصمّم المشاركون نشاط "رحلة بنت بطوطة"، إذ طٌلب من المشاركين كتابة سيناريو تخيّليّ عن حفيدة "ابن بطوطة" لتعيش في عصرنا الحاليّ، وتحاول تتبّع مسار جدّها الأكبر، والمعيقات التي يمكن أن تواجهها، مثل عبور الحدود والحصول على تأشيرات السفر والإجراءات الأمنيّة الأخرى. أما المدخل للاقتصاد السياسيّ فقدّمه المشاركون في صيغة حكاية لصيّاد يعمل بصورة تقليديّة ثم تتغيّر حياته برمّتها حين يتحوّل لنمط إنتاج حديث.

اعتمد مؤسّسو المبادرة على التمويل الذاتيّ وجهودهم الفرديّة في تحويل الفكرة إلى مبادرة حقيقيّة على أرض الواقع. وفتحت بعض المؤسّسات التنمويّة ذات الصلة أبوابها لهم ليقدّموا ورشهم الخاصّة، مثل مؤسّسة محطّات للفنّ المعاصر، ومركز دراسات الحضارة المصريّة بالغوريّة حيث القاهرة الإسلاميّة.

 

فازت المبادرة بمنحة من برنامج المنح الصغيرة للمجلس العربيّ للعلوم الاجتماعيّة في بيروت، واستخدمت المنحة لتنفيذ أكبر وأطول محطّة تعلّم لفريق المبادرة: معسكر إقامة وتعلّم وتعايش. فازت المبادرة عام 2019 بجائزة الأكاديميّة العربيّة الألمانيّة لشباب العلماء في العلوم والإنسانيّات، في إطار المؤتمر الدوليّ لجامعة برلين تحت عنوان: "دور العلوم الإنسانيّة في البحث والتعليم والمجتمع: حوار عربيّ- ألمانيّ". اختيرت المبادرة عام 2020 للمشاركة في أكاديميّة التعليم المدنيّ التابعة لبرنامج "سفراء الحوار" ضمن أعمال المكتب الثقافيّ للسفارة الدنماركيّة بمصر، وينخرط فريق المبادرة حاليًّا في سلسلة من تدريبات مشتركة مع الأكاديميّة لتطوير مهارات إدارة المبادرات المجتمعيّة والتشبيك مع مبادرات شبيهة في الدنمارك.