لماذا يختم الطلبة العام الدراسيّ بتمزيق كتبهم؟
لماذا يختم الطلبة العام الدراسيّ بتمزيق كتبهم؟
2022/07/23
محمّد تيسير الزعبي | خبير مناهج اللغة العربيّة وأساليب تدريسها، ومصمم برامج تدريبيّة - الأردن

صار لافتًا للنظر، وفي أكثر من مدرسة عربيّة، أن يخرج الطلبة في آخر اختبارات العام الدراسيّ من قاعاتهم الامتحانيّة إلى ساحة المدرسة، يمزّقون كتبهم، ويبعثرون أوراقها في أرجاء الساحة المدرسيّة. ويمتدُّ هذا السلوك إلى الشوارع المحيطة بالمدرسة، التي تختلط فيها أوراق الكتب المنهجيّة بالأعشاب وأعقاب السجائر، لتبدأ بعدها عبارات الاستنكار وشجب هذا السلوك، الذي لا يعبّر، بطبيعة الحال، عن عادتنا وموروثنا القيميّ بالظهور في مواقع التواصل الاجتماعيّ، يخوض فيها الناس بآرائهم مفسّرين الأسباب التي أدّت إلى ظهور مثل هذه التصرّفات، ويتطوّر الأمر ليلقي كلّ واحد منهم المسؤوليّة على أطراف أخرى مبرّئًا نفسه من هذا الجرم، ويستغرق بعضهم الآخر في التحليل دون تقديم وصفة ناجعة للعلاج.

يستمرّ هذا التراشق مدّة يومين أو ثلاثة أيّام، ثم تهدأ العاصفة وكأن شيئًا لم يكن.

لا أظن أنّ معلّمًا أو معلّمة يروق له مثل هذا التصرّف، بل وأجزم أنهم ينبّهون طلبتهم ويحذّرونهم من ارتكابه في الأوقات كلّها، وليس فقط مع نهاية اختبارات العام الدراسيّ، لكن الطلبة لا يلتزمون بتلك التعليمات، بل يبدو الأمر، عند رؤية ساحة المدرسة والشوارع المحيطة بها، وكأن المعلّمين والمعلمات طلبوا منهم فعل ذلك، فارتكاب أغلب الطلبة لهذا السلوك يثير هذه الفكرة.

 

ما الحلّ؟ وكيف نواجه مثل هذه السلوكات؟

هذا السلوك يشبه تمامًا هتافات الجماهير المسيئة في الملاعب، فأغلب الحضور الجماهيريّ تعلّم في المدارس والتحق بالجامعات، وجزء لا بأس بهِ منهم عاملون في وظيفة ما؛ أي حصل على قدر كافٍ من التعليم والتربية، فلماذا ينطلق لسانه بالشتائم دون تردّد؟ أو مراعاة لمشاعر الملايين الذين يشاهدون المباراة عبر وسائل البثّ المختلفة؟ ومرّة أخرى أبيّن أن هذا السلوك، أيضًا في أغلب حالاته، لم يتبنّه أب، أو تشجّعه أسرة، أو تدعو إليه مدرسة، أو يدافع عنه مجتمع.

عندما يصدر هذا السلوك فإن أغلب الناس يرفضونه ويتمنّون زواله.

ربما يتحمّل المعلّمون مسؤوليّة أكثر من غيرهم بوصفهم من يتحمّلون عبء تعليم الناشئة، وهذا الأمر لا يعفي، بأي حال من الأحوال، المجتمع والأسرة من المساهمة الفاعلة في التربية والتعليم، ولكن الدور التربويّ التعليميّ للمدرسة، وتخصّصيّة المعلّمين فيها هو ما يجعلنا نلجأ للمدرسة في تصحيح السلوكات الجماعيّة غير المرغوبة.

تبدأ المعالجة في دمج الطلبة بالأنشطة الجماعيّة المهاريّة المُعزّزة للسلوكات الإيجابيّة، قبل سنّ القوانين التي تجبر الطالب على الالتزام بتعليمات محدّدة يعاقب إن لم ينفّذها، فالهدف هو أن يكتسب الفرد السلوك الإيجابيّ في أي مكان يكون فيه، بوجود القانون وغيابه. ومثلما تتضمّن القوانين دعوات لمعاقبة المعتدين على الأبنية المدرسيّة، فإنها يجب أن تتضمّن كذلك تعليمات تفرض على الطلبة أن يشاركوا في حماية البناء المدرسيّ، لا أن يترك الأمر للرغبة الذاتيّة التي تكاد تكون معدومة بين الطلبة.   

تكمن أهمّيّة هذه الأنشطة في جعل الطالب ينظر إلى البناء المدرسيّ، والمتعلّقات المرتبطة به، على أنها ملكيّة خاصّة له، فكما يحافظ على حقيبته وملابسه سيحافظ على كتبه ومقعده وهذا الأمر لن يتم بسرعة، بل يجب أن تكون الأنشطة مستمرّة، وتتضمّن مهمّات أدائيّة ينفّذها الطلبة تحت إشراف مباشر من المعلّم، الذي يكون مشاركًا في هذه الأنشطة من باب القدوة الحسنة، فالتعليمات والنصائح والإرشادات والتحذيرات التي أطلقها المعلّمون والمعلّمات لم تمنع الطلبة من تمزيق الكتب، لذلك فإن الانتقال إلى طريقة أخرى في التعامل مع المشكلة أصبح ضروريًّا وواجبًا.

 

المعلّم القدوة مسألة مهمّة في علاج المشكلة

ليس بالضرورة لهذه الأنشطة أن ترتبط بالمنهاج، فيمكن تنفيذها بشكل منفصل، ولمزيد من الفعاليّة المتوخاة فإن عكس القيم الواردة في المنهاج في هذه الأنشطة سيضفي عليها واقعيّة مطلوبة، ويمكن استثمار حصص التربية الفنّيّة والرياضيّة والمهنيّة في تنفيذ هذه الأنشطة، أو تخصيص وقت لها في الصباح قبل الطابور الصباحيّ، أو عقد مداورة بين الطلبة لتنفيذها في جزء من وقت الفرصة.

وفي الوقت ذاته، ليس من الإنصاف أن يتولّى معلّم واحد الإشراف على هذه الأنشطة، بل إن رؤية الطلبة لمعلّمي المدرسة كافّة يتعاملون بجدّيّة كافية مع هذه الأنشطة سيزيد اهتمامهم بها وحرصهم على المشاركة الفاعلة بها، لذلك سيكون من النافع وضع جدول إشرافيّ دوريّ بين المعلّمين للإشراف عليها وفق المعايير التي تضمن جودة التنفيذ وصدقيته.

في هذا الأمر لسنا بحاجة إلى المحاضرات والنصائح المباشرة، إذ يمكن أن يتوصّل الطالب لها بنفسه بعد الانتهاء من تنفيذ النشاط بصحبة زملائه، ولا بأس من عقد حوار تأمليّ يبيّن فيه كلّ طالب ما استفاده من هذا النشاط.

المناظرات والمسابقات يمكن أن تكون من ضمن المهمّات الأدائيّة التي ينخرط فيها الطلبة، وكذلك المهمّات البحثيّة التي تتطلّب جهدًا جماعيًّا، والتواصل مع أركان المجتمع المدرسيّ والمؤسّسات المحيطة بالمدرسة، والاستعانة بما تقدّمه من خدمات في سبيل تحسين البيئة المدرسيّة، وكذلك تزيين مرافق المدرسيّة وإضفاء لمسة جماليّة عليها.

ولأنه يمكن الاستفادة من تجارب الدول المتقدّمة، فإن تجربة اليابان في التعليم السلوكيّ الجماعيّ تعدُّ رائدة في هذا المجال، إذ تقدّم في مدارسها برنامجًا تربويًّا لتنمية الإبداع، ورفع الدافعيّة والاطلاع والابتكار عند الطلبة في المرحلة الثانويّة.