فنّ التعامل الإداريّ مع المعلّم
فنّ التعامل الإداريّ مع المعلّم
2022/03/19
لميا أحمد خالد | معلّمة فيزياء- لبنان

إنّنا ندرك مدى أهمّيّة العلاقات المبنيّة بين المعلّم والإدارة بجميع أطرافها، ولقد أجمع المتخصّصون على أن وجود جوّ أُسريّ في المدارس يترك أثرًا إيجابيًّا في نفوس المعلّمين، بما يخلق لديهم روحًا معنويّة تساعد على رفع المستوى التعليميّ والمؤسَّساتيّ، ويُعزز شعورًا بالراحة والتأقلم والحماس للعمل.

وما لا شكّ فيه أن عوامل عديدة يمثّل توفيرها فُرصةً لخلق أثر إيجابيّ لدى المعلّمين وزيادة انتمائهم للمؤسّسة التي يعملون بها، على غرار توفّر تقدير معنويّ متواصل، وتوفير بيئة حُرّة للمعلّم، بما يفتح على مساحة من التفاعل الخلّاق بين الإدارة والمعلّم؛ مساحة ستُشكّل بيئة تعليميّة قائمة على الفهم والانفتاح. 

 

العلاقة بين الإدارة والمعلّم

يقوم المدير الناجح ببناء العلاقة بينه وبين المعلّمين بالاعتماد على أسلوب الثّقة، وبالتّركيز على بناء الجوانب الإيجابيّة وتطوير القدرات وتوطيد العلاقات، الأمر الذي يؤثّر على البيئة التعليميّة، وبالتّالي على عمل المعلّم وتحصيل الطلبة.

وخلال عمليّة التقييم، على الإدارة  أن تحرص على عدم إدخال المشاعر والعلاقات الشخصيّة، مع التركيز على الإشادة بجهود المعلّمين الذين يسعون للتطوّر، وعليها تقديم الحوافز بما يرفع من طاقة الطاقم التعليميّ للعمل والإبداع.

إنّ الكلمة التي تأتي للمعلّم فتؤنسهُ وترفع همّته وتقود بهِ نحو عمل أفضل ونتائج مبهرة لهي ضروريّة ومهمّة في السّياق التعليميّ، فأنا، ومن منطلق شخصيّ، أبحث دائمًا عن ما يؤمّن لي مساحتي العمليّة وطاقتي التعليميّة، وتطوير ذاتي وإيماني في العمل، وبالأخصّ الراحلة النفسيّة. وأؤمنُ أنّ كلّ هذه العناصر تعتمد على فهم الإدارة لمنطق فنّ التعامل مع المعلّم، والتي من المُمكن الوقوف عندها وتقديم بعض الأمثلة عنها بما يُساهم في تطوير العمل المدرسيّ، وأذكرُ هذه الأمثلة مع العلم أنّها منبثقة من تجارب شخصيّة:

1. التحفيز اللفظيّ المستمرّ للمعلّم، لدوره في تحقيق الراحة النفسيّة والتطوّر المعنويّ.
2. تسليط الضوء على مواهب المعلّم، والعمل على تطويرها وبنائها والثقة التامّة في قدراتهم.
3. تكوين مساحة خاصّة للمعلّم، ذلك ليتمكّن من البحث وتطوير ذاته، مع الأخذ بآراء المعلّمين في تطوير العمليّة التربويّة دون تهميش.
4. استشارة المعلّم بالقرارات التربويّة بما يخصّ طلّابه، ما يُساهم بتنسيق مُشترك ومتابعة مبنيّة على معلومات مأخوذة من صاحب الشّأن وهو المعلّم.
5. العمل على بناء وتحسين قدرات المعلّم بما يتناسب مع موقعه التعليميّ وجانبه الإبداعيّ.
6. خلق منافسات رياضيّة، أو غيرها، بين المعلّمين، وتقديم أنواع من الحوافز، منها حوافز مادّيّة، فخلال تجربتي في التعليم خلال جائحة كورونا، على سبيل المثال، قامت المدرسة، للرفع من همّة المعلّم وكسر للقيود النفسيّة، بتكريم أفرادها الأكثر تفرّدًا وتنويعًا بالوسائل التعليميّة بحافزٍ ماليٍّ بسيط. إنّ المقصود هُنا ليس العامل المادّيّ بقدر ما هو تعزيز جانب معنويّ، ذلك لدفع المعلّم على التقدّم والتطوّر، ولرفع حسّ الإبداع والبحث المستمرّ.
7. ابتكار أفكار داعمة للمعلّمين، كمسابقة معلّم العام وغيرها، والتي من شأنها التعزيز من مكانته الإنسانيّة والاجتماعيّة.
8. الابتعاد كلّيًا عن تقديم النقد للمعلّم أمام طلّابه، أو محاسبته ضمن أيّ حصّة تعليميّة، على أن يكون التقييم والنقد والتكوين بشكلٍ منفرد محصور بين المعلّم والإدارة.

 

المناخ المدرسيّ: أثر البيئة على إنتاجيّة المعلّم

يمكننا تعريف المناخ المدرسيّ بالبيئة الحاضنة للكادر التعليميّ، وما يشعره المعلّم عند دخوله إلى أي مدرسة، والخصائص التي تتميّز بها المدرسة عن باقي المدارس، والتي تؤثّر بشكلٍ مباشرٍ على العاملين والدارسين فيها على حدٍّ سواء.

توكل المهمّة الأساسيّة لانجاح المسيرة التعليميّة خلال العام الدراسيّ إلى المدير الناجح، الذي تتعدّد مهامه لتشمل، على سبيل المثال، تكوين بيئة تفاعليّة بين المعلّمين بعيدة عن التوتر والمشاحنات، وإيجاد مناخ فعّال قادر على إضفاء روح جميلة خلّاقة للمؤسّسة التعليميّة، بما يخدم تحقيق الأهداف التعليميّة لهذه المؤسّسة.

إنّ المناخ المدرسيّ يؤثّر على طريقة تعامل المعلّم مع الطالب من نواحٍ مُختلفة، منها ظروف التعلّم وصحّة البيئة التعليميّة، كما أنّ الإدارة بخلقها مناخًا صحّيًّا تبعثُ شعورًا لدى المعلّمين والطلبة، وتعزّز أرضيّة النموّ العلميّ وتنمية الأداء، ومتانة العلاقة بينها وبين المعلّمين من جهةٍ، وبين المعلّمين والطلبة من جهةٍ أُخرى.

 

الرضا الوظيفيّ

من الأمور المرتبطة بالمناخ المدرسيّ هو الرضا الوظيفيّ؛ بما يعني رضا وسعادة كل عامل وفرد في المدرسة،  وهو مرتبط بعدّة قضايا، منها: التنظيم وقدرة الإدارة على بناء علاقات على أساسات اجتماعيّة إنسانيّة، لذلك فإنّ مهمّة الإدارة لا تنتهي بتيسير أمور لوجستيّة بحتة، بقدر ما هي مبنيّة على مبدأ فنّ التعامل وتطوير درجة الانتماء المدرسيّ، وتطوير جوّ ديمقراطيّ يراعي حقوق العاملين فيهِ ويحترم وجودهم ويقدّر مهمّتهم.

 

أنماط المناخ المدرسيّ

تتعدّد أنماط المناخ المدرسيّ بحسب ما تعتمده إدارة المدارس لكسب ثقة وحُبّ المعلّم لوظيفته ومدى إشراكه في مُختلف قرارات المؤسّسة، ومن هذا المنطلق، أسردُ هُنا بعض أنواع المناخات المدرسيّة، والتي تعرّفت عليها بحكم اشتغالي في الحقل التعليميّ:

1. المناخ المفتوح: هو المناخ الذي يتيح لجميع الأفراد والهيئة التعليميّة على تطوير مهارتهم لتحقيق أهدافهم،  مُمتلئ بالحيويّة والنشاط والتركيز على كافّة الأصعدة بشكلٍ متناغم، وينعكس إيجابيًّا على الإنتاج الدارسيّ، وعلى معاملة الطلّاب لمعلّيميهم والمعلّمين لطلبتهم.
2. المناخ الذاتيّ: هو المناخ المعتمد على التطوّر الذاتيّ المنبثق من إرادة الموظّفين أنفسهم والمبادرين على طرح الأفكار جديدة، والقيام بمشاريع من شأنها تطوير النظام التعليميّ، دون الحاجة إلى تدخّل الإدارة نفسها بتفاصيل هذه الأفكار والمشاريع.
3. المناخ المحكم: هو المناخ الجافّ المفتقر إلى التواصل الإنسانيّ والمرونة والودّ بين أفراد الهيئة التعليميّة. في هذا المناخ تمسي الأهداف التعليميّة والنجاح المدرسيّ ركيزةً أساسيّةً، بدلًا من ضمان تحقيق أهداف اجتماعيّة إنسانيّة كدفع الطلبة لتطبيق أهداف مُختلفة حياتيًّا، ضمن جوٍّ باهت غير تفاعليّ وغير تشاركيّ.
4. المناخ المغلق: يختلف هذا المناخ عن المناخ المحكم بعدم المتابعة الإداريّة، وتكثر فيهِ قلّة الاهتمام، بما يسمح بانتشار الأنانيّة مع عدم التركيز على الأهداف التربويّة لدى المتعلّم، وانعدام المبادرة والمشاركة والتفاعل، بما يعدم فرص ظهور قيادات تعليميّة جديدة.

 

الخاتمة

لقد تحدّثت دراسات عديدة حول أنّ التحصيل الدراسيّ للتلاميذ يرتفع في ظلّ مناخ يسوده اهتمام بالنواحي الإنسانيّة، وتقدير لعطاء أفراد المؤسّسة معنويًّا، وفتح مساحة أمامهم للتطوّر عمليًّا وفكريًّا وتربويًّا. ولدى المؤسّسات الخيار في البحث عن مناخات تُحقّق أهدافها بطريقةٍ مُميّزة، والابتعاد عن أُخرى تُعيق تحقيق الأهداف.

هُنا تظهر أهمّيّة فنّ الإدارة، فلكلّ مدير/ مديرة تطلّعات ونظريات ورؤى مُختلفة، ولكنّ يبقى المُشترك بين كلّ هذا أنّها السعي يجب أن يكون نحو تكوين بيئة تعليميّة تعطي أفرادها مساحة تفاعليّة تشاركيّة من شأنها عيش تجربة تعليميّة غنيّة، تسمح ببناء أُسرة تعليميّة مُترابطة تسعى لتطوير التعليم، وتبحث عن الجمال في تفاصيل هذه التجربة.