غزّة الجريحة وللحلم بقيّة
غزّة الجريحة وللحلم بقيّة
2023/11/26
محمود البراغيتي | استشاري الصحّة النفسيّة- فلسطين

ما يحدث في هذه الحرب جريمة بشعة وإبادة جماعيّة بحقّ شعبنا الفلسطينيّ، وانتهاكٌ لكلّ المعايير الدوليّة وحقوق الإنسان. ونحن في اليوم 47 للحرب (وقت كتابة النصّ)، وسط القصف المستمرّ، والخراب والدمار في كلّ مكان. يعيش أهلنا في صدمة مفاجئة، وحالة من فقدان القدرة على التركيز بسبب الحالات الإنسانيّة، وفقدان الاحتياجات الأساسيّة للعيش، وصعوبة توفير أقلّ احتياجاتهم الأساسيّة للبقاء على قيد الحياة.

 

يعيش النازحون في مراكز الإيواء، وهي المدارس الخاصّة بالأونروا والمدارس الحكوميّة التي في المنطق والتقديرات، الواحدة منها مخصّصة لتحتوي على عدد لا يزيد عن 800 طالب في الوضع الطبيعيّ. يعيش فيها اليوم نحو 4000 شخص من أطفال ونساء وشباب وكبار السنّ وذوي إعاقة، وحالات إنسانيّة، منهم المريض الجسديّ والنفسيّ والعضويّ، وهُم جميعًا بحاجة إلى عناية واهتمام كبيرين. وكلّ ذلك أصبح غير متوفّر، إذ يزداد انتشار الأمراض بين النازحين، وهو تهديد حقيقيّ لا يظهر على شاشات التلفزيون: أمراض جلديّة وجسديّة مُعدية بسبب الاكتظاظ وقلّة الإمكانيّات، وخصوصًا أنّ الغرفة الصفّيّة باتت بيتًا لأكثر من 90 نازحًا. كلّ ذلك يهدّد حياة النازحين وسلامتهم بسبب الظروف الصعبة التي يمرّون بها. المساعدات التي تُقدّم إليهم، وتوزّع وسط حالة من الصراخ والفوضى، وذلك سعيًا من كلّ شخص لتأمين حياة أفراد أسرته، وتوفير أهمّ الاحتياجات اللازمة. الخدمات التي تُقدّم لا تلبّي قدرة الأسرة على سدّ احتياجاتها، والأسر باتت غير قادرة على توفير مبالغ ماليّة لاستكمال احتياجاتهم. حقًّا إنّها ظروف قاسية وصعبة يعيشها أيضًا الأطفال، البالغ عددهم في كلّ مركز إيواء من مجموع المراكز، والذي يصل تقريبًا إلى أكثر من 250 مركز إيواء، أكثر من 2000 طفل في كلّ مركز.

 

هؤلاء الأطفال يعيشون أصعب أيّام حياتهم وفي وضع قاسٍ جدًّا؛ لا مأكل ولا مشرب ولا مأوى ولا تعليم ولا لعب. فقدوا متعة الحياة من صغرهم، تجدهم في كلّ مكان في ساحة الإيواء من دون حركة وبحالة جمود. وينتظرون يومهم يمضي، من غير أن يفقدوا الأمل أنّهم، في اليوم القادم، ستعود حياتهم إلى ما كانت عليه، فيعودونَ إلى مدارسهم ومؤسّساتهم التعليميّة والرياضيّة، والحياة التي لا يعرفون غيرها علمًا أنّها كانت من أقلّ حقوقهم الإنسانيّة. وعلى الرغم ممّا يمرّ به قطاع غزة من حصار مفروض عليه لأكثر من 15 سنة، فقد فيه كلّ معالم الحرّيّة والتنقّل والعيش وفرص العمل، يُمارس الاحتلال ضغطًا هائلًا يستكملُ به جريمته، بقتل كلّ من هو على قيد الحياة في غزّة بكافّة الأشكال، وسط نظرة عمياء من العالم الذي لم يعد قادرًا على رفع صوت الحقيقة، وإيقاف هذه المجازر والانتهاكات بحقّ الإنسانيّة.