عن مواجهة المتغيّرات وإعادة تشكيل الهويّة المهنيّة
عن مواجهة المتغيّرات وإعادة تشكيل الهويّة المهنيّة

لم يُجمع التربويّون من قبل على أمر أكثر من إجماعهم على أن ما واجهه التعليم من تحديات في المرحلة الراهنة ليس إلا امتدادًا لأزمة سابقة عرفت فيها الأنظمة التعليميّة، ولا تزال، ضمورًا في دورها وفي إنتاجها المعرفيّ. وضمن هذا السياق، وفي الحديث عن أهمّيّة تضافر الجهود واستغلال الأزمة لوضع الخطط بهدف تطوير قطاع التعليم، أصبح المعلّم الحلقة الأقوى ضمن معادلة التغيير التي فرضت نفسها. فكيف تمكّن المعلم من تفعيل دوره؟

 

قد لا يكون دوره قد تغيّر بالضرورة، ولم يتغيّر، لكنها العلاقة مع المهنة والعلاقة مع الذات هي التي تطوّرت. فإن كانت المرحلة الأولى من الأزمة قد اتّسمت باختلال في المعايير المهنيّة، وقلق وبحث عن الذات الشخصيّة والذات المهنيّة نتيجة اختلاف العوامل والظروف، فإن المرحلة الآنيّة تميّزت، أقلّه لدى البعض، بوضع أكثر استقرارًا، وذلك نتيجة رحلة بحث خاضها المعلّم، ربما وحده دون أيّ دعم، لإعادة تشكيل هويّته المهنيّة، وبالتالي تحديث دوره لما يتواءم مع احتياجات طلابه المستجدّة. كيف يكون المعلّم فاعلًا إن لم يبادر إلى خلق الفرص وتحمّل مسؤوليته الفعليّة تجاه مهنته؟ هذه الهويّة المهنيّة التي تتجلّى في الصفّ وخارجه، في علاقة المعلّم مع الطلاب والأهل والمحيط وزملاء العمل، ترتبط حتمًا بمسؤوليّته تجاه نفسه وتجاه تطوير معرفته وأدواته وممارساته واستراتيجيّاته وفلسفته التعليميّة، بعيدًا عن تداعيات النظام التعليميّ. فهذا يتكامل مع هويّته الشخصيّة، أي منظومة القيم التي يتمتع بها والتي تؤثّر حتمًا على القرارات المتعلّقة بمهنته. ليس بالضرورة أن يتشابه المعلّمون في أدائهم وفي تفاعلهم مع مراحل الأزمة، فمن البديهيّ أن تختلف تجارب المعلّمين باختلاف الصفات الشخصيّة والبيئة والعوامل والسياق والمدرسة والخدمات المقدّمة. التعليم، ضمن تعريفات أخرى، هو عمليّة تأقلم وتغيير مستمرّين بما يتناسب مع الصفّ والطالب والسياق. كيف يتفاعل المعلّم مع المتغيّرات وكيف يتحمّل مسؤوليّة عمله؟

 

 في ملفّ هذا العدد، مجموعة من ثمانية مقالات عن أدوات واستراتيجيّات ومبادرات. انطلق المعلّمون من سؤال يختصر المهنة بأكملها: كيف نعلّم؟ من نشرة أخبار صفيّة لتعليم اللغة الفرنسيّة، إلى مبادرة لإكساب الطلّاب مهارات الحياة اليوميّة للتعامل مع التعليم الإلكترونيّ، إلى تجربة جديدة تفاعليّة لتدريس طلّاب الصفّ الأول. والعلوم، كيف ندرّس هذه المادة عن بعد دون مختبرات؟ من تدريس العلوم بطريقة الإشكاليّات إلى مادّة الطبيعيّات في نسختها الافتراضيّة. ثمّ مبادرة عن تحويل المنزل إلى منصّة تعليميّة للطلبة لضمان استمرار التعليم. واللغة العربيّة التي نخشى دائمًا ضياعها؟ أدوات واستراتيجيّات لتعليم اللغة العربيّة عن بعد. وفي ختام الملف، تطبيقات مختلفة يفيد منها المعلّمون. على هامش الملف، عسر الانتقال إلى العالم الافتراضيّ وتحليل في المشكلة البنيويّة التي يعانيها التعليم في البلدان العربيّة. ودور المدرسة، من الذي قال إنها المكان الوحيد للتنشئة الاجتماعيّة، ألا يجد بعض الطلّاب عافيتهم في التعليم عن بعد؟ في السياق ذاته، ما دور الوالدين في تتبّع مسار أبنائهما دراسيًّا، وما العوامل التي تؤدي إلى الهدر الدراسيّ لدى الطلاب؟ إشكالية تؤثر سلبًا على مشاريع التنمية المجتمعيّة، قد يكون اختلاف شكل التعليم واحدًا من الحلول المطروحة لحلّ مشكلة الهدر، فدائرة التعليم أوسع من الصفّ، أليس هذا ما استخلصناه من الجائحة؟ مثال، تعليم مختلف من خلال جولة علميّة في مراكز ومتاحف من أجل تنمية مستديمة. ثمّ مبحث آخر للتنمية وتساؤلات حول دور الشركات الخاصّة في تسليع التعليم. وبما أنّ الطالب هو في قلب المعادلات، كيف لا نقتل ثقافة التعلّم؟ وهل يكون المعلّم فاعلًا إن لم يطرح التساؤلات حول دوره، دعوة لوقفة تأمّل نقديّ في واقع المدرسة ضمن محاورة العدد. وعلى ضوء كلّ ما سبق، أيّ معلّم نريد؟ مقالات مختلفة في مضامينها، متنوعة في توجّهاتها، هي تفاصيل تسهم في تشكيل هويّة المعلّم.