دور المخيّمات في تروية النماء النفسيّ للأطفال
دور المخيّمات في تروية النماء النفسيّ للأطفال
2023/07/23
تمارا محمد زهدي حداد | كاتبة وباحثة وصحفيّة - فلسطين

يُشكّل الإنسان المحور الأساس للتنميّة، كون الناحية التنمويّة أساس رفاهيّة الإنسان. وهذا الأمر بحاجة إلى قدرات ومهارات تُؤمن بالعمل التنمويّ والتقدميّ. وصقل شخصيّة الأفراد جزء لا يتجزّأ من تعزيز تلك القدرات، الأمر الذي يقتضي ترسيخها منذ الصغر. وتعتبر المخيّمات الصيفيّة إحدى الآليّات التي تسعى إلى تربية الأطفال وتنشئتهم بنهجٍ متوازن يُسهم في التكيّف مع البيئة، ومواجهة التحدّيات واستغلال الفرص.

يسعى أهالي الطلبة في فترة العطل، إلى إيجاد طُرق لتعبئة فراغ أولادهم بالطريقة الصحيحة، وتزيين صيفهم باللعب والتسلية والمرح والثقافة. وهذا لا نجده إلّا في المخيّمات الصيفيّة التي تشكّل انطلاقة ترفيهيّة مثاليّة لاندماج الأطفال في المجتمع.

 

ماذا يقدّم المخيّم للأطفال؟

المخيّمات الصيفيّة مظهر من مظاهر التنمية المستدامة، بالتحديد التنمية الاجتماعيّة، ولا سيّما التنمية البشريّة؛ فهي تُعزّز تنمية علاقات الأطفال المتبادلة، وتحسين مستوى تعليمهم، والثقافة والوعي الفكريّ وإتاحة فرص المشاركة الفاعلة لديهم. كما تعمل على تغيّر يلحق بالبناء الاجتماعيّ الصحّيّ لدى الأطفال، بغرض إشباع الحاجات الاجتماعيّة لديهم ضمن مفاهيم الاندماج وتقبّل الآخر. يتمّ ذلك إذا بُنيت تلك المخيّمات على أُسس علميّة سليمة، بوجود متخصّصين وخبراء في عالم المخيّمات الصيفيّة والشتويّة، لمواكبة التطوّر المستمرّ لتحقيق الهدف المنشود من المخيّمات: النهوض بجيل قادر على التقدّم بخطواته من دون معيقات.

المخيّمات وسيلة ناجحة للخروج عن المألوف من جوّ الدراسة، وإطلاق أنشطة فيها جوّ من المرح والتآلف والشراكات المتعدّدة مع كافة جهات المجتمع. وأهم ما فيها الخروج بنتيجة إيجابيّة وتحقيق الأهداف التربويّة وتنمية الصحّة النفسيّة والعقليّة، وتنمية مهارات ترويحيّة ذات قيم تربويّة وصحّيّة واجتماعيّة من خلال قضاء فترة زمنيّة من الراحة، وإشباع رغبة الأطفال في تفريغ طاقاتهم في أعمال بنّاءة.

لا تقتصر مهام المخيّمات الصيفيّة على إعداد شخصيّة الطفل وصقلها، وتروية ذاته نحو الأفضل، بل هي تُعلّمه الانضباط واحترام الأنظمة المفروضة عبر أنشطة المخّيم. كما أنّها تُعزّز الاعتماد على النفس والاستقلاليّة، بحيث أنّ الطفل المشارك في المخيّم يخدم نفسه بنفسه، ويُفكّر بالحلول للمشاكل التي قد تعترضه، ما يزيد من ثقته بالذات. إضافة إلى ذلك، تُعلّم المخيّمات الطفلَ تحمّل مسؤوليّة قراراته وأعماله، وتحسّن مهاراته الفكرية من خلال الأنشطة التثقيفيّة التي تُنمّي دقّة الملاحظة عنده، وترسّخ قدرته التحليليّة. وتدعم المخيّمات ايضًا روح الجماعة؛ فالطفل المشارك في المخيّم يتخلّى عن المحوريّة الذاتيّة، ويصبح تفكيره نحو العمل الجمعيّ واحترام روح الجماعة وتقبّل الآخر.

في المخيّمات أنشطة عديدة، من ضمنها الفنون المسرحيّة والكتابات الإبداعيّة والرسم، وجميع الأنشطة التي يرغب الطفل بالاستمتاع بها؛ فأنشطة المخيّم في الواقع، لغة عالميّة للطفل، تساعده في اجراء عمليّات الاتّصال الخارجيّ حتّى يستطيع بواسطتها مخاطبة الأشخاص. وهي في الأساس وسيلة لتجسيد أحلام الطفل وآماله وتصوّراته، لأنّها ترتبط بوجدانه وأحاسيسه. فلو نظرنا إلى أنشطة اللعب والحركة والخيال الفنّيّ، نجد أنّها أدوات العلاج الأساسيّة الناجعة للأطفال، وبالتحديد هؤلاء الذين يمرّون في تجارب صعبة، إذ تساعده التمارين الرياضيّة والألعاب الحركيّة المختلفة في السيطرة على جسمه واستعادة توازنه، مثلما تساعده ألعاب الخيال على استعادة التوازن النفسيّ.

 

أنشطة المخيّم

تحفل المخيّمات بالأنشطة المسليّة والمفيدة في آن. من هذه الأنشطة لعبُ الأدوار الذي يُعتبر من أساليب الاتّصال اللفظيّ وغير اللفظيّ بين الأطفال، يعبّرون عن المشاعر الحادة والعميقة، مثل: الحزن والسعادة والفرح، الغضب، الإحباط...

ومن الأنشطة أيضًا الكتابات الإبداعية بأشكالها المُختلفة المُتعلّقة بعُمر الطفل؛ فالذين يستطيعون أن يعبّروا عن أنفسهم كتابيًّا يمكن أن يشاركوا بكتابة تجاربهم أو كتابة شعريّة، أو قصّة جماعيّة عن الأحداث: يبدأ أحد الأطفال بعبارة معيّنة ويتابع الآخر حسب خياله أو حسب ما رآه، ثم طفل آخر... وتُناقش القصّة داخل المجموعة.

ذلك فضلًا عن الأنشطة الأخرى التي تتمثّل بالدورات التخصّصيّة، وورش العمل التفاعليّة، إلى جانب اللقاءات الحواريّة، والعروض الفنّيّة، والجولات والزيارات، والاحتفالات.

تُتيح المخيّمات الصيفيّة تجربة فريدة من نوعها للقضاء على أوقات الفراغ بأنشطتها المتنوّعة والشيّقة الحافلة بالمعرفة والتسلية المفيدة. المخيّم الصيفيّ أحد أبرز المواقع التي تسهم في ترسيخ ثقافة الابتكار، إلى جانب دوره في تمكين جميع أفراد المجتمع من مختلف مصادر المعرفة، ومن تطوير مهاراتهم ليكونوا قادرين مستقبلًا على خدمة وطنهم ومجتمعهم بشكل فاعل.

ويمكن تلخيص أبرز أهداف المخيّمات بالتالي:

  • - إدخال الترويح والمرح والفرح إلى نفوس الأطفال.
  • - تعزيز روح التعاون بين الفريق.
  • - تعزيز التوازن الانفعاليّ والنفسيّ لدى الأطفال.
  • - تعليم الأطفال مهارات وقدرات تعزّز اندماجهم بشكل سريع في المجتمع.
  • - تعزيز الجرأة لدى الاطفال.
  • - تعليم فنون الريادة والإبداع والابتكار والقيادة الصالحة لدى الأطفال.
  • - تعزيز روح المبادرة وسرعة البديهة واللباقة في التعامل.
  • - تقدير الذات وتخطّي الحواجز إن وُجدت.
  • - قضاء الوقت بما هو إيجابيّ وبنّاء.
  • - تحقيق مبدأ التآخي والتعارف والتعاون بين الأطفال.
  • - الاعتماد على النفس وخدمة المجتمع وتعميق القيم الكريمة وغرس روح العمل التطوّعيّ والتعاون الجماعيّ.

 

إدارة المُخيّم:

تدير المخيّم مجموعة عمل تتألف من:

1. مدير إداريّ: وهو المسؤول عن إدارة المخيّم.
2. مدير فنّيّ: وهو المسؤول عن تنفيذ الأنشطة.
3. مشرفون: يشرف على نشاطات المخيّم مشرفون متخصّصون من أجل تنفيذ النشاطات وهم:

  • - مشرف النشاط التثقيفيّ.
  • - مشرف النشاط الصحّيّ.
  • - مشرف النشاط الرياضيّ.
  • - مشرف النشاط الترفيهيّ.
  • - مشرف النشاط الذهنيّ.

4. قادة: تحتاج كلّ مجموعة إلى قائد يُشرف عليها ويهتم بها، ويوجّه تنقّلاتها بين قاعات الأنشطة المختلفة والمحافظة على نظامها.

 

إعداد المخيّم:

هناك عدّة خطوات لإعداد المخيّم أبرزها:

التخطيط: التخطيط المسبق للمخيّمات من الوظائف الإداريّة التي تسبق العمل والوظائف الأخرى؛ فالإعداد للمخيّم قبل الوصول إليه عمليّة مهمّة يتوقّف عليها إلى حدّ كبير، نجاحه أو فشله، وذلك من خلال تحديد الاحتياجات البشريّة وإعداد البرنامج وتحديد المدّة الملائمة. تحتاج هذه المرحلة إلى التأهيل والتدريب، بحيث تُنظّم دورات تدريب للمدراء والمنشّطين من أسبوع إلى 10 أيّام، تتناول مساق الطفل واحتياجاته وحقوقه، وطرق العمل معه، وكلّ ما يختصّ بفهم العمل مع الأطفال. كما تتناول مساق الإدارة الذي يشمل التخطيط والتنظيم والتقييم والمتابعة للمخيّمات الصيفيّة. هذا فضلًا عن مساق التربية الذي يركّز على مبادئها وأهدافها، وأهداف المخيّم الصيفيّ، وأدوار المدير والمنشّط التربويّ والمشاركين في الأنشطة والاتّصال التربويّ والاجتماعات التربويّة.

التنظيم: تجزئة العمل المراد إنجازه، بما فيه العمل الإداريّ، إلى أعمال فرديّة، وتحديد العلاقات التي تنشأ بين الأفراد الذين يشغلون هذه المهمات. تبرز هنا الحاجة إلى تنسيق الجهود وتنظيم مساق الأنشطة التعبيريّة والتشكيليّة والمسرحيّة والمَرَحيّة والأدبيّة، وتحديد الأنشطة ومشاريع الأنشطة ومشاريع التنشيط، وتنظيم أدوات للعمل مع المشاركين.

التفويض: يستطيع القائم على إنجاز المخيّم تفويض بعض المهتمّين أو المتطوّعين بإنجاز أعمال المخيّم وتحقيق أهدافه بالشكل المراد منه.

التنسيق: ترتبط إجراءات التنظيم بالتنسيق، والتنسيق داخل المخيم يعني توحيد العديد من أنشطة المخيّم وتكاملها.

التنفيذ والتوجيه: بعد صياغة الأهداف والبرنامج، واتّخاذ القرارات، يأتي وقت التنفيذ. وعمليّة بدء التنفيذ تشير إلى التوجيه؛ فبعد إتمام التخطيط وترجمة الخطّة إلى برنامج وأنشطة، يأتي دور التنفيذ الذي يتزامن مع التوجيه الصحيح. هي مرحلة مهمّة في تنفيذ المخيّمات الصيفيّة خلال الصيف، والمتابعة التربويّة من طرف فريق التدريب وتشمل ثلاثة أيّام تحضيريّة مع المدراء والمنشّطين العاملين في المخيّم في الموقع، وتنفيذ خطّة المخيّم من 15 يومًا إلى شهر، ويوم تقييم للمخيّم الصيفيّ المنفّذ، إلى جانب ضرورة المتابعة الجدّيّة للمخيّم من قبل القائمين عليه.

التقييم: بعد انتهاء المخيّم، توضع آليّة للتقييم ومعرفة نقاط الضعف والفشل، لتفادي ذلك في المخيّمات المستقبليّة.

 

مرتكزات المخيّم:

يرتكز المخيّم على 4 مسارات:

  • - إعداد الأطفال والشباب وتسليحهم بالمهارات المتقدّمة والمرتبطة برؤية الانتماء الوطنيّ، عبر تمكينهم من اكتساب مهارات جديدة.
  • - رفع وعي الطلاب بأساسيّات مختلف الأولويّات الوطنيّة، وتوعيتهم بالتوجّهات المستقبليّة وإلمامهم بها.
  • - غرس القيم الوطنيّة في أفراد المجتمع، وتعريفهم إلى مختلف مكوّنات الهويّة والثقافة الوطنيّة.
  • - التركيز على 5 اهتمامات، أهمّها العلوم والتكنولوجيا والفنّ والرياضة والمسرح.

 

تخلق المخيّمات تربية متوازنة ومتكاملة، وهي تعمل على تنمية الأطفال ورعاية مواهبهم جسميًّا وعقليًّا واجتماعيًّا ونفسيًّا وعاطفيًّا وحركيًّا، وتحقيق التوازن النفسيّ للأطفال عبر مساعدتهم في التعبير عن مشاعرهم وذواتهم بالطرق الإيجابيّة والصحيحة، وتحقيق النفسيّة الاجتماعيّة الجيّدة للطفل، والتي لا تتعزّز إلّا بوجود تلك المخيّمات الصيفيّة، من خلال الانشطة والفعاليات المختلفة.

معًا نحو احترام حقوق الأطفال والشباب، وتحقيق احتياجاتهم النفسيّة والاجتماعيّة وفق عمل عقلانيّ واعٍ تربويّ تنمويّ، يؤسّس إلى التغيير نحو الأفضل من خلال مخيّمات وأنشطة مجتمعيّة رائدة.