خيرُ الاستثمارات وأهمّها
خيرُ الاستثمارات وأهمّها

يصدر العدد الرابع عشر من منهجيّات وفي القلب غصّة؛ فالفرح بعدد جميل وكبير وَأَدَتهُ آلامُ أحبّتنا في المغرب وليبيا، لضحاياهم الرحمة ولمصابيهم الشفاء، ولأطفالهم دمعة وقلق من هول ما عاشوه، وأثره فيهم في المستقبل.

 

انطلق ملفّ العدد "التعليم في المراحل المبكرة: العقبات والتحدّيات"، من رافدين؛ أوّلهما مشاركة منهجيّات في مؤتمر "التربية في مرحلة ما قبل المدرسة: رهانات العرض والجودة"، والذي انعقد في المغرب في شباط/ فبراير 2023، وقُدّمت فيه أوراق بحثيّة عالجت العديد من القضايا المتعلّقة بهذه المرحلة العمريّة الحسّاسة. أمّا الرافد الثاني فكان الموضوع بذاته، والذي يؤرّقنا كما يُفترض به أن يفعل بكلّ مهتمّ بمستقبل أجياله: هل ينال أطفال العالم العربيّ فرصًا عادلة في الالتحاق بالتعليم المدرسيّ وما قبله؟ أيّ نوع من التعليم ينالونه؟ ومن يتولّى هذا الأمر مباشرة في الغرف الصفّيّة، ويديره ويخطّط له في المؤسّسات، ويرسم سياساته وأهدافه في المستويات العليا من دوائر اتّخاذ القرارات الاستراتيجيّة؟ هل هم متناسبون مع آمالنا في مستقبل أطفالنا؟

 

العديد من هذه الأسئلة تناولتها المحاورة مع الدكتور عزيز رسمي، والتي ملأت فراغات معرفيّة من جهة، وفتحت ندوبًا لا تجعل الاطمئنان إلى مستقبلنا مأمونًا: كيف لبُنًى لا تؤمن بحقّ الاختلاف، ولا تنطلق من تطوير مرتبط بالحيويّة المجتمعيّة وحاجاتها، أن تكون مسؤولة عن تنشئة أجيال المستقبل من غير تضحية بالأفق المفتوح للفكر والتطوير، والصحّة الجسديّة والنفسيّة للأطفال؟ هل مؤسّسات تدريب/ تكوين المربّيات والمربّين على قدر المسؤوليّة؟ هل الظروف الاجتماعيّة – الاقتصاديّة والحروب والنزاعات والاحتلالات تسمح بتأمين فرص التحاق لكلّ الأطفال؟

 

أطفالنا مستقبلنا، هذا التعبير مُستَهلَك لكنّه حقيقيّ. نستثمر فيهم حتّى يؤمّنوا لأنفسهم، ولنا، أوطانًا جديرة بشعوبها. هي أوطان يجب أن تكون مغايرة عمّا هو موجود الآن، لا أكثر "استغرابًا"، بل أكثر حيويّة وإنتاجًا وارتباطًا بواقعها، وانفتاحًا اختياريًّا على الأفكار والنظريّات العالميّة، وإسهامًا فيها بالطبع، بما يُخرجنا من دائرة الاستهلاك المغلقة. كلّ ذلك -وبالاستناد إلى مقال نضال الحاج سليمان - يستدعي التفكير وإعادة التفكير في نظمنا التعليميّة، ومؤسّساتنا، ودعم الأهل وإرشادهم، وفتح الفضاء العامّ لأفكار مبتكرة يقوم بها أهل الأرض المزوَّدون بأحدث المعارف... حبّذا لو نعيد تقييم استثمارنا الأهمّ هذا.

 

ملفّ العدد كان ضخمًا، فيه عشر مقالات غطّت نواحي متعدّدة من موضوع تعليم الطفولة المبكرة، على المستوى النظريّ والإجرائيّ. بعض المقالات كانت خلاصات أوراق بحثيّة قُدّمت في مؤتمر "التربية في مرحلة ما قبل المدرسة: رهانات العرض والجودة"، وقد أشرنا إليها في بدايات المقالات. نقرأ في مقالات الملفّ: "التعلّم المُبكِر: تحدّيات تعزيز نموّ الطفل وآفاقه" لسعاد الطاوسي؛ و"مهارات النموّ الاجتماعيّ والعاطفيّ عند الأطفال" لرزان علّو؛ و"فلسفة ريجيو إميليا: بين النظريّة والتطبيق" لنادين شعّار؛ و"نحو بناء موقف الوالدين لدور الروضة في نموّ الطفل التربويّ" لكلّ من جواد زاده وعزيز رسمي وحميد جعفر؛ و"مناهج رياض الأطفال في موريتانيا: ما العوامل الواجب اعتبارها عند تطويرها في ضوء المناهج التربويّة الحديثة؟" لأحمد سيّد الشيخ؛ و"من محاضرة إلى محاورة: أدب الأطفال كنهج حواريّ في الطفولة المبكرة" لبدر عثمان؛ و"الحكاية في التعليم الأوّليّ: من مهارة الاستماع إلى مهارة التحدّث" ليوسف وزول ومليكة رفيق وسعيدة تاقي؛ و"ضعف الطلبة القرائيّ في مرحلة الطفولة المبكِّرة" لمحمد الزعبي؛ و"ممارسات المربّيّات واتّجاهاتهن نحو دمج الأطفال ذوي القصور البصريّ بفضاءات التعليم الأوّليّ" لمراد الوكيلي؛ و"دور الوالديّة في تطوير المعجم اللغويّ-العاطفيّ في مرحلة الطفولة المبكِرة" لزكيا بنصغير وحميد جعفر. وأضافت المحاورة مع د. عزيز رسمي إلى الملفّ، مجموعة ملاحظات وتوضيحات، والكثير من النقاط المثيرة للتساؤل أغنت الملفّ، وربّما أعادت فتحه على ملفّات قادمة لا بدّ من أن نأخذها بعين الاعتبار.

 

أمّا في المقالات العامّة، فنقرأ لنضال الحاج سليمان: قيادة التعليم بين الأداء الوظيفيّ والفكر النقديّ؛ ولروضة غنايم: إنتاج المعرفة بالتاريخ المحكيّ: بدائل معلّمي التاريخ في مدارس فلسطين؛ وللميا خالد: مشروع ستيم... تجربة عمليّة؛ ولنور كرزون: إدماج الذكاء الاصطناعيّ في التعليم؛ ولسارة ضنّاوي: السلّم التصاعديّ لعبة تربويّة مُحفِّزة؛ ولحمّود أمجيدل: مسرح الدمى في المدارس ذات الإمكانات المحدودة؛ ولجميلة الغول: إدارة المعرفة في المجال التربويّ. كما نقرأ في العدد أبواب المجلّة الثابتة.

 

مع العدد الرابع عشر، تتمّ منهجيّات عامها الثالث، وتواصل سعيها نحو ترجمة شعار تطوير التعليم في العالم العربيّ فعلًا مؤكّدًا، وهي تأمل بأن يزداد عدد شركائها/ كتّابها في هذا السعي، حتّى لا يبقى السعي حلمًا.