ثغرات: عن غياب الاتّجاه التنمويّ في التعليم
ثغرات: عن غياب الاتّجاه التنمويّ في التعليم
2021/04/25
عدنان مرشد | باحث تربوي ومُعلّم فيزياء- اليمن

ثغرة الجفاف التنمويّ

أعتقد أنّ قضيّة التّقدّم البطيء لأجيالنا في العالم العربيّ تتمثّل بكونهم يدرسون من أجل الاختبارات والنجاح والشهادة، لا من أجل العمل والإنتاج وخدمة الأوطان والمُجتمعات ومساعدتها على الاكتفاء الذاتيّ وتمكينها من الاعتماد على نفسها في الغذاء والدواء والصناعة والهندسة والتكنولوجيا، ولا من أجل إنتاج المعدّات والآلات الصناعيّة والاستكشافيّة، ولا من أجل ابتكار الأجهزة الترفيهيّة.

الثغرة هُنا هي جفاف وغياب الاتجاهات التنمويّة في الأهداف التعليميّة والأكاديميّة. صحيح أنّ أجيالنا يتعلّمون لكنّهم، باعتقادي، لا يتوفّر لديهم فهم كافٍ للعلاقة بين ما يتعلّمونه وبين احتياجاتهم الشخصيّة في الحياة، والعلاقة بين ما يتعلّمونه وبين احتياجات المجتمع واحتياجات قطاعات التنمية واحتياجات سوق العمل، ولا يتوفّر لديهم فهم كذلك، لكيفيّة توظيف ما يتعلّمونه ضمن الإنتاج الصناعيّ والتنمويّ والترفيهيّ.

 

ثغرة الجفاف العلميّ

لا شكّ أنّ صعوبات التعلّم المزمنة التي تواجه الشّباب في أنظمة التعليم الحاليّة في المواد العلميّة هي انعكاس طبيعيّ لجفاف وتجرّد عمليّتيّ التعليم والتعلّم، فهم يدرسون وصفًا نظريًّا مُبهمًا لخبرات التعلّم والمعلومات العلميّة لا الوصف الوظيفيّ والعمليّ والإنتاجيّ لهذه المعلومات والخبرات؛ هذا الجفاف يؤدّي إلى إحباط الشّباب والتأثير سلبًا على نفسياتهم وإضعاف شخصيّاتهم وخفض سقف طموحاتهم. لقد أصبح من الطبيعيّ ألّا تعرف الأجيال أهمّيّة التعليم، وألا يجدوا مُبرّرًا مُقنعًا يجعلهم يثابرون ويجتهدون، وكانت النتيجة الطبيعيّة هي: الارتفاع المخيف في معدّلات البطالة والفقر، وغياب الوعي، وضياع الشباب في مزادات الاستقطاب لخلايا التطرّف.

 

ثغرة الجفاف المهاريّ

تركّز أنظمة التعليم في مدارس وجامعات ومعاهد الوطن العربيّ، على تدريس المقرّرات الدراسيّة وإغفال الجانب المهاريّ المتكامل، وهي ثغرة تُشكل مُعيقًا في طريق مستقبل الأجيال، فهم حتى لو تخصّصوا بتميّز، فهذا لا يعني أنّهم لا يفتقرون للمهارات الشخصيّة والحياتيّة والمهارات الاجتماعيّة والقياديّة، والقيَمِية والمهارات المِهنيّة والوظيفيّة والإنتاجيّة والإبداعيّة.

أُلاحظ دائمًا سيطرة المفاهيم الخاطئة والقناعات المنقوصة على الشّباب ممّن أتفاعل معهم، فهم يظهرون مكتفين بالحدود الدنيا السطحيّة لأهداف القضايا المصيريّة بما يتعلّق بنهضة مجتمعات الوطن العربيّ، هذه السطحيّة المعكوسة من إعدادهم وتأهيلهم السطحيّ. باعتقادي، نحنُ بحاجة لتمكين مُعلّمينا وطلّابنا من مهارات، مثل التفكير الناقد، حتّى نسير نحو تكوين أجيال تُحارب الفساد في كلّ مكان، كما أعتقد أنّنا بحاجة لتغيير طُرق تعاملنا مع المبدعين والموهوبين من شبابنا، حتّى نمكّنهم من مهارات تقديم ذاتهم وعرض أفكارهم وتوظيف مواهبهم وطاقاتهم وقدراتهم، وكذلك من مهارات الحوار والعرض والإقناع وإدارة المواقف والأزمات، ومهارات القيادة المهنيّة والاجتماعيّة.

 

خلاصة

تُقدّم هذه الثغرات الثلاث لأسباب اضطراب التعليم في المجتمعات العربيّة، واستفحال الاستهلاك وغياب الإنتاج في حياة الشباب، وقد تؤشّر لتأخّر الوطن العربيّ في قطاعات الصناعة والإلكترونيّات والتكنولوجيا والفلك والاتّصالات، ذلك أنّنا لا نملك يدًا في اكتشافات علميّة وابتكارات. وتؤشّر الثغرات في الوقت ذاته إلى مخرجات التعليم التي لا تخدم قطاعات التنمية المُستدامة، وقد تكون مُقدّمة لدراسة أسباب جعلت بيئات التعليم في الوطن العربيّ طاردة للعقول، في ظلّ حروب في أماكن مختلفة يموتون فيها شبابنا، بينما يسعى العالم لاستثمار طاقات الشّباب للنهوض بالدّول والمُجتمعات والتقدّم.