بيئة غرفة الصفّ
بيئة غرفة الصفّ

قبل إعداد الخطط الدراسيّة التي تدمج الإبداع والتفكير الناقد في المنهاج، على المعلّمين أن يهيّئوا جوّ غرفة الصفّ بجعله يتوفّر على مواصفات تساعد على تطوير الإبداع بين الطلّاب، وقد أكّد تورانس (Torrance, 1965-1987) أنّ كثيرًا من هذه المواصفات يرتبط بسلوك المعلّم، وشدّد على أهمّيّة تعبير المعلّمين عن طبيعتهم الإبداعيّة، وكذلك عن تقديرهم الصريح للإبداع في التأثير في إبداع الطفل.

يتمتع المعلّمون المؤثّرون في تطوير إبداع طلّابهم بخصائص أخرى مثل المرونة والتفاؤل والتلقائيّة؛ تقول أمابايل (Amabile, 1996): "إنّ الأطفال الذين يشعرون بصدق معلّميهم ودفئهم، يظهرون اندفاعًا داخليًّا أكبر فيما يتعلّق بالإبداع، يضاف إلى ذلك أنّ صفات القبول والحماس واللطف التي يتحلّى بها المعلّمون ترتبط إيجابيًّا بتحفيز الطالب".

يؤثّر المعلّمون أيضًا في تطوير الإبداع من خلال الجوّ الذي يشيعونه داخل غرفة الصفّ، فالإبداع يتفتّح عندما يوفّر المعلّمون جوًّا من الأمان النفسيّ؛ ففي هذا الجوّ يشعر الطلّاب بالأمان من أن لا يتعرّضوا للسخرية من المعلّمين والزملاء، وبأنّ الآخرين يتقبّلونهم كما هم، ويكونون مستعدّين للمخاطرة، ومتحرّرين من القلق والضغوطات (Rogers [1900] 1976). ويتحقّق الشعور بالأمان النفسيّ من خلال تقبّل إسهامات الطلّاب جميعها وتقديرها، والتشديد على التعاون بين الطلّاب، والحدّ من قيود الوقت، والتنافس، والتقويم العقابيّ.

 

ومن المهمّ جدًّا إعطاء المعلّمين أولويّةً لجوّ الاحترام داخل غرفة الصفّ، وعدم التسامح مع السخرية والاستهزاء والتحقير والتنابز بالألقاب والتنمّر بأيّ صورة من الصور، ويضاف إلى ذلك أنّ إشاعة أجواء الاستقلاليّة تساعد أيضًا على تشجيع الإبداع (Amabile, 1989). ولجعل الطلّاب يشعرون بالاستقلاليّة، يمكن للمعلّمين أن يسمحوا للطلّاب باختيار مواضيع محدّدة بأنفسهم لغايات الدراسة الحرّة، وأن يشجّعوهم على المشاركة في تحديد المعيار المستعمل في التقويم، ومساعدة الطلّاب على تقويم أعمالهم بأنفسهم، وتمكينهم من تحديد سرعة إنجاز الأهداف الفرعيّة للمشاريع طويلة الأجل، وفي الوقت ذاته فإنّ التوجيه أيضًا مهمّ للإبداع، إذ يستطيع المعلّمون شرح التوقّعات العالية من الطلّاب بطريقة لا تنطوي على تهديد (Damico & Purkey, 1978; Ziff, 1983). والتغذية الراجعة أداة مهمّة في توضيح التوقّعات؛ لذلك على المعلّمين أن يهتمّوا بتوفير تغذية راجعة محدّدة بدلًا من التعليقات الغامضة، مثل "جملة عظيمة"، والامتناع عن استعمالها للسيطرة على الطلّاب (Amabile, 1989)، وبهذه الطريقة تُستعمل التغذية الراجعة لتوضيح المعايير وتعزيز التعلّم، والحفاظ في الوقت ذاته على الجوّ الذي يشعر فيه الطلّاب بالاستقلاليّة.

 

رونالد أ. بيغوتو وجميس سي. كوفمان (2017). رعاية الإبداع في غرفة الصفّ الدراسيّ. (ترجمة: الوحيدي، محمود محمّد). العبيكان. ص. 183-185.