بمناسبة اليوم العالميّ للمعلّم: لنا من غزّة كلمة
بمناسبة اليوم العالميّ للمعلّم: لنا من غزّة كلمة
2025/10/06
أسماء رمضان مصطفى | مُعلّمة لُغة إنجليزيّة- فلسطين

في هذا اليوم الذي يحتفي فيه العالم بالمعلّم، تتدفّق إلى الذاكرة صور القاعات المزدانة بالورود، والكلمات المنمّقة التي تُقال عن أثر المعلّم ودوره في صناعة المستقبل. أمّا أنا، فأجلس أمام ركام مدرستي، أستعيد وجوه طالباتي، وأتلمّس طبشورتي المكسورة، كأنّها أثرٌ من حياة سابقة.

أنا معلّمة من غزّة، لا أمسك طبشورتي مثلكم اليوم، ولا أقف أمام سبّورتي الجميلة، فكلّ ما حولي تغيّر. الجدران التي كانت تُصغي إلى أحلام الأطفال صارت ركامًا، والحقائب الصغيرة تحوّلت إلى رموز فَقْد، والمقاعد التي حملت ضحكات الصباح استحالت خشبًا محترقًا.

ومع ذلك، لم أختفِ. أنا ما زلت هنا، أقف بشموخ وسط الأطفال لنتعلّم معًا في مدرسة الحياة. نضيء شموع الأمل في كلّ خيمة تعليم مؤقّتة، في كلّ نقطة تعليم بديلة، في كلّ طفلٍ يسأل: "متى نعود إلى المدرسة؟"

أشعر أنّني هناك، أستعيد دوري الأوّل: أن أُعلّم الأمل، قبل الحروف.

أن أزرع في قلوبهم يقينًا بأنّ ما يحدث الآن، مهما كان قاسيًا، لن يُطفئ نور المعرفة فينا.

 

لم يعد التعليم في غزّة حصّة دراسيّة من أربعين دقيقة، بل أصبح رحلة حياة كاملة ومفتوحة، لا حدود للوقت فيها، تستطيع أن تتعلّم ما لم تعلّمك إيّاه المدارس والجامعات. يتعلّم الأطفال كيف يحفظون ما تبقّى من ذاكرتهم، كيف يحمون لغتهم من الصمت، وكيف يجدون في الكتاب الممزّق وطنًا بديلًا مؤقّتًا.

في عيونهم أقرأ أسئلة لا توجد في أيّ منهج:

  • - لماذا قُصفت المدرسة؟
  • - هل يعود المعلّمون الذين رحلوا؟
  • - هل ستكتب الطائرات امتحاناتنا بدلًا منّا؟

قد لا أملك إجاباتٍ كافية معلّمةً، لكنّني أملك إيمانًا لا ينضب بأنّ المعرفة أقوى من الحرب. حين أرى طفلًا يرسم بيتًا على الرمل، أعرف أنّ التعليم مستمرّ، لأنّ الخيال لم يُقصف بعد. وحين أسمع فتاة صغيرة تذاكر دروسها قبل اختفاء نور شمس النهار التي ليس لها بديل في وطنها المظلم تمامًا، أدرك أنّ لغتنا لم تنكسر، وأنّنا ما زلنا قادرين على النهوض.

أكتب هذه الكلمات لا لأعاتب أحدًا، بل لأُذكّر العالم أنّ في غزّة معلّمين ما زالوا يؤمنون بأنّ التربية فعل مقاومة، وأنّ الدرس الأوّل بعد كلّ حرب هو أن نبدأ من جديد.

لا أطلب احتفالًا ولا صورة في نشرة إخباريّة، فقط أريد أن يُقال:

إنّ هناك في غزّة من يواصل التعليم مع انعدام المدرسة، ومن يزرع بذور المستقبل فوق أرضٍ يابسة.

قد لا أملك اليوم طبشورة، لكنّني أملك قلبًا لا يتوقّف عن الشرح مع مرارة عشرة نزوحات متتالية، وصوتًا ما يزال يتهجّى الأمل مع كلّ صباح جديد.

 

في يوم المعلّم العالميّ

أرفع قلمي لأكتبَ لزملائي في العالم:

لسنا ضحايا فقط، نحن شهود على معنى أن يكون التعليم نورًا في زمن الظلام.

ولأنّ التعليم في غزّة ليس مجرّد مهنة، بل وصيّة حياة، أختم كلماتي بسلامٍ إلى من سبقونا إلى النور:

إلى معلّمي ومعلّمات غزّة الشهداء الذين رحلوا وهم يحملون في أيديهم مدارس الحلم ودفاتر الأمل، علّموا طلّابهم أنّ الكلمة يمكن أن تكون جناحًا، وأنّ الدرس لا ينتهي حتّى لو سقط الجدار.

سلامٌ على أرواحهم التي ما زالت تُضيء طرقاتنا، وعلى رسالتهم التي ستظلّ حيّة ما دام في غزة طفلٌ يكتب، ومعلّمة تؤمن بأنّ الغد، مهما تأخّر، سيولد من بين الركام.