الشّراكة بين أولياء الأمور والمدرسة
الشّراكة بين أولياء الأمور والمدرسة
2022/05/28
مجد مالك خضر | كاتب ومدوّن- الأُردن

ترتبطُ المدارس بعلاقات تبادليّة وتعاونيّة مع المؤسّسات والأفراد، الذين يُشكّلون المجتمع المحلّيّ المحيط بها. كما تُعدُّ المدرسة مؤسّسة تربويّة وتعليميّة تسعى إلى تحقيق حاجة مهمّة من حاجات النّاس؛ الحاجة إلى التعليم. وهكذا فإنّه من غير الممكن عزل المدرسة عن المجتمع وأفراده، لكونهم يُمثّلون نسبةً كبيرةً من العنصر البشريّ المكوّن لها، والظاهر في الطلّاب، الذين يُعدّون قاعدة الأساس للمؤسّسة التعليميّة، والمحور الرئيسيّ الذي يدور حوله التعلّم والتعليم، والذي يعتمدُ نجاحه على أهمّيّة بناء شراكة حقيقيّة، وقائمة بجميع مكوّناتها بين أولياء الأمور من جهةٍ، والمدرسة من جهةٍ أخرى.

 

أهمّيّة الشّراكة بين أولياء الأمور والمدرسة

لا يمكنُ تجاهلُ مدى أهمّيّة الشّراكة بين أولياء الأمور والمدرسة، المُتمثّلة في الأدوار التي يمتلكها كلٌ منهما، فمثلًا يتعلّمُ الطالب في المنزل بعض الكلمات في طفولته، ثم يربطها معًا في جُمل شبه مفهومة، ولكن يجدُ صعوبة في كتابتها، فيأتي التعليم المدرسيّ ليساعدهُ على تعلّم الكتابة وإتقانها، ومعرفة أشكال الحروف، وربط كلّ كلمة مع الأخرى من أجل صياغة جُمل مفيدة تُثري ثقافته ومهاراته الشخصيّة، وهكذا يبدأ الطالب تعليمه في المنزل، ثم ينتقل إلى المدرسة ليكمل طريقه في التعليم.

ومن هُنا، تبدو الشراكة بين أولياء الأمور والمدرسة ليست بالجديدة أو المستحدثة، بل تحملُ أبعادًا مُختلفة، منها تربويّ وآخر تعليميّ، فتربويًّا لدى أولياء الأمور الدور الأوّل في تربية الطلاب، وتوجيههم نحو الالتزام بالأخلاق والقيم، ثم يأتي دور المدرسة المكمّل لذلك، من خلال دعمها وتعزيزها وحفاظها على الاتجاهات الإيجابيّة لديهم. أما تعليميًّا فيظهرُ دور أولياء الأمور، من خلال متابعتهم دراسة الطلاب، ومدّ يد العون للمعلّمين، بهدف تذييل الصعاب، وتجاوز العقبات، التي قد تواجههم أو تحدث معهم، بالتزامن مع دورهم في رفع مستوى التحصيل لدى الطلاب، وزيادة رغبتهم بالتعلّم.

إنّ هذه الشّراكة القائمة بين أولياء الأمور والمدرسة تظهرُ أيضًا في تنويع استراتيجيّات التعلّم، وإشراك أسرة الطالب فيها، مثل تنفيذ الأنشطة التي تحتاجُ إلى تعاون من الوالدين أو أحد أفراد العائلة، ما يُعزّزُ رغبة الطالب في التعلّم، والذهاب إلى المدرسة، فيشعرُ، فعلًا، بأنه ذاهبٌ إلى بيته الثاني، وليس إلى مكان غريب عنه أو مجهول وغامض. وهكذا، تساهمُ هذه الشّراكة في تحسين العمليّة التعليميّة، ورفدها بكلّ ما يجعلها قابلة للتطوّر والتجدّد.

 

مجلس أولياء الأمور

عادةً ما تُنتجُ العلاقة التشاركيّة والتعاونيّة بين المدرسة وأولياء الأمور ما يُعرف باسم مجلس أولياء الأمور، الذي صار ركنًا أساسيًّا من أركان التعلّم المدرسيّ، والجسر الواصل بين المدرسة والمجتمع، والنقطة الفاصلة بين الطلّاب والمعلّمين. وتأتي أهمّيّة هذا المجلس من خلال دوره الداعم والرافد للعمليّة التعليميّة، فصار من الضروريّ انعقادهُ شهريًّا، وأحيانًا أسبوعيًّا، للنظر في أكثر من موضوع يكون من اللازم عرضه أمام أعضائه، والتشاور فيه، واتخاذ القرارات المتعلّقة به.

ويتكوّن المجلس من جميع أولياء أمور طلّاب المدرسة، وأيضًا يُشاركُ بعضويتهِ كلٌ من مدير المدرسة، والمرشد المدرسيّ، وبعض المعلّمين والطلّاب، ومن خلال خبرتي في الميدان التعليميّ والتربويّ، ومشاركتي في كثيرٍ من اجتماعات مجالس أولياء الأمور، لاحظتُ التباين الملحوظ بين كل مجلس شاركتُ فيه، سواء من حيث الأعضاء أو نمط الشراكة السائدة وأهمّيتها أو المعيقات التي تواجهه، ومهما تنوّعت طبائع مجالس أولياء الأمور، إلّا إنّه من الضروريّ وجودها، بصفتها حلقة الوصل الرابطة بين المدرسة والبيت.

 

المعيقات التي تواجه الشّراكة بين أولياء الأمور والمدرسة

من واقع تجربتي في العمل التعليميّ، توجدُ مجموعة من المعيقات التي تواجه الشّراكة بين أولياء الأمور والمدرسة، وتظهرُ باتجاهين: الأوّل معيقات متعلّقة بأولياء الأمور، والثاني معيقات متعلّقة بالمدرسة، فيعيق بعض من أولياء الأمور نجاح الشراكة والتعاون مع المدرسة، بسبب عدم اهتمامهم أو استعدادهم للمشاركة في الاجتماعات، ما يعدّ من أهم المعيقات السلبيّة في الاتجاه الأوّل، ويقود إلى انعدام أي فرصة لمشاركة الأمهات والآباء أو أحد أفراد العائلة في متابعة مدى تقدّم الطالب دراسيًّا، كما قد تكون مهارات الاتصال والتواصل لدى أولياء الأمور محدودة، ما قد يجعلهم غير قادرين على المشاركة في اتخاذ القرارات المتعلّقة بمصلحة أبنائهم، وأيضًا قد تُشكّل المشكلات الأسريّة، مثل انفصال الوالدين أو كثرة الخلافات بينهما، معيقًا خطيرًا في نجاح هذه الشّراكة، ففقدان الطالب للرعاية والعناية في المنزل، سيؤثّرُ في مستواه الأكاديميّ، ويجعلهُ يفقد الرغبة في الدراسة أو الدافعيّة لمواصلة تعليمه.

أما الاتجاه الثّاني؛ فهي معيقات متعلّقة بالمدرسة والمعلّمين، وترتبط بثقافة المدرسة ورؤيتها وخطّتها الإجرائيّة، وتبدأ من محدوديّة الموارد المتاحة لتوفير مكان مخصّص لاجتماعات أولياء الأمور، مثل المسرح المدرسيّ أو الغرف المجهّزة لذلك، مع غياب التخطيط والتنسيق المناسب لدى إدارة المدرسة في وضع مواعيد مُحدّدة لهذه اللقاءات، والذي يضعف استعداد أولياء الأمور، ويفقدهم القابلية للمشاركة، ويُقابلها، أيضًا، قلّة دافعيّة بعض المعلّمين لإبداء آرائهم حول أداء الطلاب، واعتمادهم على توظيف أدوات التقييم التقليديّة في تحديد مهاراتهم، وإتقانهم للنتاجات المطلوبة من الدروس، والذي يحدّ من إمكانية تحقيق الشّراكة بصورة فعّالة.

 

أنماط الشّراكة بين أولياء الأمور والمدرسة

خلال عملي في التعليم شاركتُ في عددٍ من مجالس أولياء الأمور. ومع مرور الوقت، تشكّلت لديّ خبرة عن نوعية الشّراكة بين أولياء الأمور والمدرسة، والتي أرى أنها تظهرُ في مجموعة من الأنماط: النمط الأوّل ويكون فيه دور الأسرة كثير الظهور والفاعليّة، وفيه يبدي أولياء الأمور رغبة دائمة بالمشاركة في فعاليّات المدرسة، وإدراكًا حقيقيًّا لطبيعة أدوارهم في بيئة التعلّم. أمّا النمط الثاني فيغلب فيه دور المدرسة على دور أولياء الأمور، فتُشجّع الإدارة، ولجنة من المعلّمين، أولياء الأمور والطلّاب على المشاركة في الاجتماعات الدوريّة بسبب محدوديّة وقلّة عدد المشاركين فيها، فيترتب على المدرسة إرسال إعلانات، ورسائل تحفيزيّة، ودعوات لأولياء الأمور، توضّح لهم أهمّيّة المشاركة في هذه الاجتماعات، ومدى دورها البنّاء في تطوير شخصيّات الطلّاب، ومتابعتهم تعليميًّا واجتماعيًّا وسلوكيًّا.

وأخيرًا النمط الثالث، الذي أطلق عليه اسم النمط المتوازن أو المتعاون والمتفاعل، ويتساوى فيه دور المدرسة تمامًا مع دور أولياء الأمور، وتكون قنوات الاتصال بينهم أكثر كفاءة، ومبنيّة على خطّة زمنيّة واضحة، تنظّمُ طبيعة العلاقة بين المدرسة ومجتمع أولياء الأمور، فيشارك أولياء الأمور في صناعة القرارات ضمن متطلّبات البيئة التعليميّة، كالتشاور حول إعداد جدول الاختبارات الشهريّة والفصليّة، ومناقشة عددٍ من قضايا الطلّاب. ويعدّ هذا النمط، برأيي، من أكثر أنماط الشّراكة بين أولياء الأمور والمدرسة ترابطًا ونجاحًا على المدى الطويل.

 

لكلا النمطين، الأوّل والثاني، انعكاسات سلبيّة واضحة على الوسط التعليميّ والتربويّ، ففي الأوّل يصير دور المدرسة ثانويًّا، ومحصورًا ضمن حدودها المادّيّة فقط، وهي المبنى ومرافقه الأخرى، ما يغيّبها عن المشهد والمهام المسؤولة عنها، وعكس ذلك تمامًا النمط الثاني، الذي تختفي فيه مشاركة أولياء الأمور، وتأخذ المدرسة دورهم في اتخاذ القرارات التي تحتاجُ إلى مشاركتهم ووجودهم. وأرى، من هُنا، أنّ الخيار الحقيقيّ والواقعيّ يتجهُ نحو اختيار النمط الثالث، الذي يوازن ويجمع بالتساوي بين دور المدرسة وأولياء الأمور، والذي ينتجُ عنه الوصول إلى الشّراكة المطلوبة والناجحة بينهما.

إن بناء الشّراكة بين أولياء الأمور والمدرسة بطريقة ناجحة، يحتاجُ إلى تعزيز العلاقة التشاركيّة الجامعة بينهما، والداعم لدور كل منهما، بعيدًا عن أي معيقات، وضمن تفعيل وجود النمط المتوازن بين أولياء الأمور والمدرسة، والذي يظهر هذه الشراكة بأفضل صورها، ويُمثّلُ، كل ما سبق، جزءًا من العناصر الأساسيّة المشاركة في بناء حياة الطالب، والمساهمة في نموّ شخصيّته، ومساعدته في التغلّب على الصعوبات التي قد تواجهه، ما يرفعُ من مستوى تحصيله الأكاديميّ، ويزيد دافعيّته للتعليم.