كان الشتاء في غزّة موسمًا يحمل معه الدفء والحنين. أصوات المطر تتساقط على النوافذ، تبعث شعورًا بالراحة والسكينة في قلوب الغزّيّين، حيث يجتمع أفراد العائلة حول كوب من السحلب الساخن وطبق من الشعريّة، تلك الأكلة المرتبطة بليالي الشتاء الطويلة. التلحّف بالبطانيّات الثقيلة، وجلسات السمر العائليّة كانت من أجمل لحظات الشتاء التي تشعر الجميع بالأمان في منازلهم.
لكن، هذه المشاعر لا تعود مع قدوم الشتاء اليوم. فالشتاء الذي كان رمزًا للدفء العائليّ، أصبح الآن موسمًا مرعبًا للكثير من الغزّيّين الذين يعيشون في الخيام بعد النزوح. الخيام، التي بالكاد تصمد أمام الرياح الخفيفة، لا تستطيع مواجهة الأمطار الغزيرة. أيّ عاصفة قد تؤدّي إلى غرق الخيمة، وتعريض أهلها للبرد القارس والمياه المتجمّعة حولهم.
تحوّلت التحدّيات اليوميّة إلى معركة مستمرّة من أجل البقاء: نقص الموادّ الغذائيّة الأساسيّة وارتفاع الأسعار، يجعل الحصول على الطعام أكثر صعوبة. إضافة إلى ذلك، فإنّ الخيام تفتقر إلى الحماية الكافية من العناصر الجوّيّة، ما يزيد من مشقّة العيش. المياه المتسرّبة تؤدّي إلى تجمّع الطين، ما يفاقم المخاطر الصحّيّة ويزيد من قسوة الحياة.
البرد القارص لا يؤثّر فقط في الصحّة الجسديّة، بل له تأثيرات نفسية عميقة. الكثيرون يعانون من الاكتئاب والقلق بسبب الظروف المعيشيّة. قصة مروان، أحد سكّان الخيام، تعكس الألم النفسيّ بوضوح؛ فقد قال: "كنت أتذكّر كيف كنّا نحتفل بعيد الميلاد مع العائلة في بيتنا الدافئ، أما الآن فكل ما أتمنّاه هو أن تبقى خيمتي جافّة."
تجسّد قصّة مروان عمق الحنين إلى الماضي والشعور بالانقطاع عن أوقات جميلة كانت مصدرًا للراحة. ومع هذه الصعوبات، يبقى الأمل شعلة تتّقد في قلوب الغزّيّين. يتعاونون ويقدمون الدعم لبعضهم البعض، ويشاركون لحظات الدفء البسيطة التي تخلقها مجتمعاتهم المتماسكة.
الأطفال، على الرغم من برودة الطقس، يبتسمون ويواصلون اللعب، ما يعكس روح المقاومة والأمل التي لا تفارقهم. هؤلاء الأفراد الذين يعيشون في ظروف قاسية، يظهرون قوّة وشجاعة غير عاديّة في مواجهة الواقع الصعب.
تتجلى مشاعر الغزّيّين بين الحنين إلى الماضي والخوف من الحاضر. كانوا يجتمّعون في منازلهم تحت دفء البطانيّات. أمّا اليوم، فأصبح الشتاء بالنسبة إليهم معركة قاسية من أجل البقاء. الأطفال الذين كانوا يلعبون تحت المطر، أصبحوا اليوم جالسين في خيامهم القماشيّة، يشعرون بالبرد يخترق أجسادهم، بينما تغمرهم المخاوف من أن تغرق خيامهم في أيّة لحظة.
هذا الشعور بالانقطاع عن الأوقات الجميلة يُضفي طابعًا حزينًا على تجاربهم الحاليّة، ولكنّه لا يوقف عزيمتهم على مقاومة الواقع، والمحافظة على أملهم في غدٍ أفضل.